الشاروني يبحر في عالم حامد ندا البصري محيط – رهام محمود القاهرة : صدر مؤخرا عن "الدار المصرية اللبنانية" كتاب للناقد الدكتور صبحي الشاروني يروي سيرة مصورة ل"حامد ندا .. نجم الفن المعاصر" ، والذي يروي أنه ولد في نوفمبر 1924 بمنزل عربي الطراز بحي الخليفة قرب مسجد السيدة سكينة بالقاهرة، وأقام خلال طفولته وصباه في قصر كان يملكه جده بحي البغالة بالقرب من القلعة، تلك المنطقة التي تمثل متحفا للعمارة العربية الطراز. وتحت عنوان "جماعة الفن المعاصر" قال الكاتب: ظهرت موهبة حامد ندا في الرسم في سن المراهقة، فقام مدرس الرسم بتوجيهه إلى نقل أعمال كبار الرسامين العالميين، وقد اكتسب من هذه المرحلة مهارات وخبرات أفادته في اجتياز اختبار القبول بمدرسة الفنون الجميلة العليا فيما بعد. وقد التقى خلال دراسته بمدرسة فاروق الأول الثانوية بأستاذه المربي حسين يوسف أمين (1904 – 1984) الذي كون جماعته من تلاميذه الموهوبين في مدرسة الحلمية الثانوية، ثم فاروق الأول "جماعة الفن المعاصر" – الذي أطلق عليها بعد أول معرض أقاموه والتي استمرت حتى عام 1955-. وكان حامد ندا هو أكثر فناني الجماعة "شقاوة" وأكثرهم مرحا وانطلاقا، وجدية في رسومه المعبرة عن المأساة في الواقع الاجتماعي بالحي الفقير الذي يسكنه، وكانت لوحاته تفضح عوامل البؤس والتخلف. رحلة طويلة ذكر الكتاب أن حامد ندا التحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1946، وكان متأهبا ومستعدا للدراسة الأكاديمية التي لم يضعها أبدا موضع التقديس رغم أن أساتذته كانوا كبار الداعين للأسلوب الكلاسيكي أو التأثري في فن الرسم وهم: أحمد صبري، يوسف كامل، وحسين بيكار. وكان موضوع ندا المفضل وميدانه الرئيسي في تلك الفترة هو الحياة الشعبية بخرافاتها، واختار أن يجعل "حلقة الزار" موضوع لوحاته التي تقدم بها لنيل درجة الدبوم. وقال الكاتب : اتصفت العناصر التي رسمها ندا في مرحلة الأربعينات بحجم وثقل أكبر من ثقلها الطبيعي، فقد كان التهويل والمبالغة من الصفات التي تعكس مدى دهشة الفنان أمام هذه العناصر، التي تكاد تنسلخ من شكلها الواقعي لتصبح أسطورة تحكى. وكان العالم السيريالي عند ندا إفرازا ذاتيا دون دراسة مسبقة، فعندمنا سمع عن السريالية وشاهد أعمال روادها وقرأ دراسات علماء النفس وتعرف على العقل الباطن ومخزون اللاوعي وتجارب التحليل النفسي.. عندما تعرف على كل هذا شعر أن هذه المعرفة تكمل ما عاشه في طفولته وصباه، وما عبر عنه تلقائيا في رسومه ذات المظهر السكوني الجامد، والتي تتصف بالخشونة والغلظة في نسب الأجسام وأحجام الأطراف، وهي تبدو كالتماثيل المنحوتة وتظهر في أوضاع تعكس ما تعيش فيه من بؤس واستسلام. تخرج ندا عام 1951، وعمل مدرسا للرسم عقب تخرجه بمدرسة "أحمد ماهر" الإبتدائية، وحصل على عضوية مرسم الفنون الجميلة بالأقصر عام 1956 و1957، وانسحب من المرسم عندما عين مدرسا بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عند تأسيسها عام 1957، ثم سافر عام 1960 إلى أسبانيا؛ حيث درس فن التصوير الجداري، وحصل على دبلوم أكاديمية "سان فرناندو" للفنون الجميلة في مدريد، وعاد عام 1962 ليعمل مدرسا بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وتولى رئاسة قسم التصوير عام 1977، وبعد إحالته إلى التقاعد عام 1984 ظل أستاذا غير متفرغ للرسم الجداري حتى رحيله عام 1990 . تغير الأسلوب قال د. صبحي الشاروني في كتابه: انتقل حامد ندا في بداية الخمسينات إلى تغيير أسلوبه في الرسم، فبعد أن عمل مدرسا للتلاميذ في المرحلة الإبتدائية، وشاهد رسوم الأطفال وما تتمتع به من قوة التعبير رغم رداءة الرسم وانعدام الخبرة، اتجه إلى التخلي عن قواعد المنظور، والتقليل من كثافة الأجسام وثقلها، مع عدم الاهتمام بدقة الشكل الواقعي، وتركز اهتمامه على تحقيق نوع من الإحساس بالحيوية بدلا من الحالة السكونية الثابتة التي كانت تهيمن على لوحات المرحلة الأولى. وتحت عنوان "عناصر الغربة في لوحات ندا" قال الكاتب: اشتهر الفنان بمجموعة من المفردات أو العناصر التي ظهرت في لوحاته طوال حياته، رغم تغير المراحل وتغير المحيط الاجتماعي والسياسي، كانت ا لمفردات التي تلازمه بخلاف العناصر الإنسانية من نساء ورجال هي القط والديك ومصباح الكيروسين "البترول" ثم السحلية أو البرص، وبعد ذلك الثور والسمكة، بالإضافة إلى كائنات اخترعها؛ مثل الطائر الذي أطلق عليه بعض النقاد اسم "العنقاء" وهو طائر لا وجود له. ومع ازدحام لوحات ندا بالرموز والعناصر الشكلية إلا أننا نستطيع أن نميز الرموز التي تكشف عن ميله إلى الجنس الآخر، فهو لم يحاول إخفاء انجذابه نحو مفاتن النساء. وعندما بدأ سمعه يضعف، ارتفع الصوت في لوحاته فبعد أن كنا نسمع في لوحاته الأولى صياح الديك ومواء القط، تطورت الأصوات لتخرج من امرأة تغني في الميكروفون، أو جواد يسابق الريح، ثم بعد ذلك من الفونوغراف أو البيانولا التي تخرج موسيقى صاخبة، ثم آلات النفخ وهي تجلجل في فراغ اللوحة، لقد أصبح الصوت المرتفع النبرة والذي يوقظ كل عناصر اللوحة، هو المسيطر على أعماله كلما اقترب من الصمم التام. أما الرجال في لوحاته فهم أقرب إلى الكاريكاتير الذي يجعلنا نبتسم، فهم نماذج خاضعة للنساء، تقبل أن تكون تابعة، ولا يخلو موقفا من التهكم والسخرية، فهي كائنات من الأقزام، تتبع النساء العمالقة، اللاتي يحتللن بؤرة اللوحة، وكل العناصر الأخرى تدور في فلكها. ومات حامد ندا في 27 مايو 1990 في المستشفى، بعد أن انكفأ على وجهه حينما انقطعت الكهرباء وهو في مرسمه في "وكالة الغوري"؛ حيث لم ينتبه إلى المستوى الحجري المرتفع أمام غرفة التليفون التي توجه إليها، فارتطم بزاوية القائم الحجري، وفقد الوعي بعد أن شجت رأسه، وظل في المستشفى حوالي شهر.