احتفل اليمنيون اليوم الثلاثاء، الموافق 22 من شهر مايو بالذكرى ال "22" لعيد الوحدة اليمنية، والوحدة ليست توحيدا لبلدين أو قطرين، بل هي إعادة توحيد والتئام للكيان الواحد، وهذا ما جعل أدبيات العمل السياسي اليمني المعاصرة تزخر بعبارة "العمل على إعادة تحقيق وحدة الكيان اليمني أرضا وإنسانا". فالوحدة اليمنية هي الأصل في وحدة الأرض والإنسان بخصائصها، وخصوصيتها الديموجرافية، والجغرافية والتاريخية الواحدة، وهي وحدة اندماجية بين شطري اليمن الذين ظلا منفصلين حتى تاريخ الوحدة في جمهوريتين مختلفتين في أنظمتهما الإدارية هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح توجه في 22 مايو 1990 إلى عدن ورفع علم الوحدة بها.
الاحتفال بعد الثورة
ويأتي الاحتفال هذا العام في ظل ظروف مغايرة وشديدة التوتر، بعد قيام الثورة الشبابية الشعبية وإبرام اتفاق الرياض في 23 نوفمبر 2011 وفقاً للمبادرة الخليجية التي أخرجت الرئيس السابق علي عبدالله صالح من المشهد السياسي، وآثار المعوقات التي مازالت تهدد هذا الاتفاق .
ويأتي اليوم الوطني لليمن في وقت تشهد فيه البلاد تطورات تهدد وحدته واستقراره، بل هناك تخوف من أن تتشظى البلاد إلى أجزاء، رغم أن مثل هذا التخوف يتضاءل عندما يرتفع منسوب تحرك الرئاسة والحكومة الجديدتين مدعومتين بإرادة إقليمية ودولية نحو خطوات إجراء الحوار الوطني واستمرار الهجوم على تنظيم القاعدة والعمل باتجاه حل المعضلة الاقتصادية بالنزوع نحو مساعدة المانحين.
مراسم الاحتفال
شهد الرئيس اليمنى المشير عبد ربه منصور هادى صباح اليوم الثلاثاء، مراسم الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية آل 22 الذي أقيم بمقر كلية الطيران والدفاع الجوي والدفاع الجوى بعد أن كان يقام كل عام في ميدان السبعين بصنعاء.
وحضر الاحتفال وزراء حكومة الوفاق الوطني والقيادات التنفيذية والعسكرية والبرلمانية والمشائخ ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية وقيادات نسائية .
وشاهد هادي العرض العسكري الرمزي الذي أقيم بساحة العروض في كلية الطيران والدفاع الجوي.
من جهة أخرى، شهدت المناطق والأماكن المحيطة بكلية الطيران والدفاع الجوى إجراءات أمنية مشددة غير مسبوقة حيث تم إغلاق شارع الستين الغربي بالكامل وسط انتشار لوحدات عسكرية تحسبا لأي استهداف.
هجوم انتحاري
وفي حدث مؤسف، تعرضت التدريبات العسكرية للعرض العسكري الذي تم تقديمه أمام الرئيس اليمني بمناسبة عيد الوحدة اليمنية، وبحضور وزير الدفاع اليمني، وقع انفجار مؤسف استهدف مقر الأمن المركزي في حي السبعين بصنعاء، مما أسفر عن أكثر من مائة قتيل و300 مصاب بعضهم حالات خطيرة.
وفي أعقاب هذا الانفجار تمكنت قوات من الحرس الجمهوري اليمني من إلقاء القبض على انتحاريين اثنين في ميدان "السبعين" بالعاصمة اليمنية صنعاء أثر عملية التفجير الانتحاري .
وأكد أحمد الصوفي السكرتير الصحفي لحزب المؤتمر الشعبي العام أنه تم إلقاء القبض على انتحاريين اثنين يحملان أحزمة ناسفة أثناء محاولتهما تنفيذ عمليات انتحارية بعد حادث التفجير الذي وقع صباح اليوم خلال العرض التجريبي النهائي لاحتفالات الذكرى 22 للوحدة اليمنية.
وأضاف الصوفي أن الانتحاريين كانا يرتديان الزي العسكري لقوات الأمن المركزي، لافتا النظر إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع جراء الإصابات البالغة التي تعرض لها الجنود، وأن هذا المخطط الإجرامي يحمل بصمات مخططي ومنفذي تفجيرات مسجد دار الرئاسة "مسجد النهدين" الذي استهدف الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح ومرافقيه، وكان يستهدف قوات الحرس الجمهورى والقيادات العسكرية والأمنية في المقام الأول ومحاولة إيجاد نوع من التوترات لإفشال احتفالات الذكرى 22 للوحدة.
ساحة مغلقة للعرض العسكري ورغم تلك أحداث المؤسفة أفاد مصدر عسكري بأن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لن يلغي العرض العسكري المقرر إقامته يوم غد بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين للوحدة اليمنية.
ونقل عن المصدر قوله: "إن الرئيس هادي ابلغ مقربين منه تصميمه على إقامة العرض رغم الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته المئات ما بين قتيل وجريح"، لكن المصدر أشار إلى إمكانية نقل مكان العرض إلى ساحة مغلقة بدلاً عن ساحة ميدان السبعين المفتوحة والتي قد تشكل خطرا على الحاضرين.
وأكد المصدر أن العرض المقرر أن يحضره كبار المسئولين اليمنيين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى اليمن سوف يشهد إجراءات أمنية مشددة.
الجنوب يحتفلون بالانفصال
وفي الوقت الذي يحتفل فيه اليمنيون بذكرى إعلان الدولة اليمنية الموحدة، إلا أن بعض من قوى الحراك الجنوبي احتفلوا الاثنين، لمناسبة الدعوة إلى فك ارتباط الجنوب عن الشمال، في صورة تعززت خلال السنوات الأخيرة، وعكست انفصالاً في المواقف من حدث لطالما كان أمل وحلم اليمنيين جميعاً جنوباً وشمالاً قبل مايو/ أيار عام 1990 .
وبين الوحدة والانفصال يتأرجح شعور القلقين على البلاد بغض النظر عن قبولهم أياً من الاتجاهين، ومثل هكذا حال يعيد الذاكرة إلى لحظات تاريخية في حياة اليمنيين، فإعلان الوحدة بين شطري اليمن مثّل حدثاً تاريخياً جرف مشاعر اليمنيين إلى حلمهم الكبير، دون أن يلحظ الساسة أن اندماج نظامين سياسيين مختلفين لا يحمل معه عوامل الاستمرار والصمود، فكان أن أعد أحدهما نية تصفية الآخر.
وبدأت ملامح ذلك بعد فترة قصيرة، عندما استهدفت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني بسلسلة من الاغتيالات، واستمر الوضع في المرحلة الانتقالية تصحبها ملامح التشطير، حتى قامت حرب 1994 وغيب ملامح الدولة ووضع كل شيء تقريباً في تصرف الفيد والنهب، وهي الأسباب التي بذرت عوامل الاحتجاج التي تصاعدت تدريجياً، لتجد لها تعبيرها في 7 يوليو/ تموز 2007 في الحراك الجنوبي السلمي الذي باتت قياداته تتبنى دعوة الانفصال أو فك الارتباط في الموقف المتشدد أو في طرح فكرة الفيدرالية، تمهيداً لاستفتاء “شعب الجنوب” في تقرير المصير.
الوحدة والانفصال
وتجدر العودة إلى أهم إعلانين يتعلقان بالوحدة والانفصال، حيث جاء في مقدمة "اتفاق إعلان قيام الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية في دولة الوحدة"، الموقّع في صنعاء بتاريخ 22 إبريل/ نيسان 1990 من قبل علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح أن "تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من مايو/ أيار عام 1990 بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني) وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخصية دولية واحدة تسمى الجمهورية اليمنية".
أما ما عرف بإعلان الانفصال الذي ارتبط بنائب الرئيس علي سالم البيض في 21 مايو 1994 في خضم الحرب حينها فقد تضمن 16 نقطة، كانت الأولى فيها تعد "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دولة مستقلة ذات سيادة"، واللافت أن الإعلان لم يتخل عن الوحدة، فقد أكدت مادته الثانية ما يلي: "تظل الوحدة اليمنية هدفاً أساسياً، تسعى الدولة في ظل التحالفات الوطنية الواسعة وتعزيز الوحدة الوطنية إلى إعادة الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية وسليمة".
وبعد خمسة عشر عاماً التزم فيها البيض الصمت في منفاه الاختياري بالعاصمة العمانية مسقط، خرج مجدداً ليدلي في مايو/ أيار 2009 بما يمكن تسميته "الإعلان الثاني للانفصال"، أو "فك الارتباط "، كما يشدد الموالون لهذا الاتجاه.