إذا كان عادل إمام متهماً بإزدراء الأديان وأنه يستحق الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة مائة ألف جنيه حسبما قضت محكمة جنح القاهرة التي أيدت الحكم في جلسة الثلاثاء 24 أبريل الجاري مستندة في ذلك إلي الأدلة التي ساقها المحامي صاحب الدعوي من كون الفنان قدم أفلاماً تسيء إلي الإسلام مثل الإرهابي وطيور الظلام والإرهاب والكباب ، فنحن لا نحاججه فيما يدعي وإنما نذكر القراء الأعزاء بأفلاماً أخري قدمها أيضاً عادل إمام كانت سابقة علي النماذج المدرجة بالدعوى القضائية وكادت أن تودعه السجن بتهمة التحريض علي قلب نظام الحكم وإثارة البلبلة والإخلال بالأمن العام آن ذاك .
ولمن لا تسعفه الذاكرة باستحضار الإيجابي والبناء في مسيرة من أيدته الملايين والتفت حوله طوال أربعين عاماً أو يزيد سنورد بعض الأمثلة للأفلام التي كانت موضع نزاع وخلاف بين بطلها والجهات الرقابية ، وأولها فيلم " الغول " الذي تصدي للفساد والرأسمالية المستغلة وأتهم دون مواربة رؤوس النظام وأصحاب النفوذ بتسهيل مهام حيتان الاقتصاد والبيزنس للإحتكار والسيطرة علي مقدرات الشعب وقوته الضروري ، وكان في دورة المتميز يقدم شخصية صحفي شريف يرفض الرشوة ويمتنع عن بيع نفسه بالتدليس علي الشعب لقاء راحته الشخصية وهو الفقير المعدم ، وأنتهي الفيلم باختيار الحل الفردي حيث قام الصحفي بعد يأسه من القضاء علي مافيا التخريب بقتل " الرجل الكبير " - كبير اللصوص ولم تكن النهاية عبثية بقدر ما كانت إشارة إلي ضرورة التخلص من رأس الأفعي أولاً وقبل كل شيء .
هذا واحد من أفلامه ، أنتج في فترة الثمانينيات وأحدث عرضه دوىً هائل .. أما في فيلمه " حتى لا يطير الدخان " فقد انتقد عصر الإنفتاح الإقتصادي الذي قلب الموازين وسمح للعناصر الطفيلية بالصعود إلي قمة الهرم الاجتماعي بالسلب والنهب فقضي علي الطبقة الوسطي وخلق " برجوازية " صغيرة ظلت نواة لمجتمع غير متكافئ ينمو إلي الآن .. وكذلك قدم عادل إمام فيلمه " الأفوكاتو " كاشفاً الغطاء عن بعض العناصر الإنتهازية في مهنة المحاماة بتجسيده لشخصية المحامي " حسن سبانخ " ، الرجل المنوط به إثبات الحق وتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين ، بينما هو في الواقع بعيد كل البعد عن هذه الخصال النبيلة ، فانحرف إلي الشهوات والأطماع متخلياً عن ضميره الأخلاقي والمهني ، وقد فتح عدد من المحامين النار عليه متهمين إياه بتشويه صورتهم مع إن الفيلم لم يعمم الحكم علي كل المحامين وخص بنقده النموذج السيىء فقط مثلما يحدث عند التعرض لمثالب الصحفيين والأطباء والمهندسين وغيرهم .
كما أن ما تم الإشارة إليه من أفلام في الدعوي القضائية التي بموجبها صدر الحكم بالسجن ثم تأييده بما يضيق الخناق علي البطل وحده دون غيره ممن كتبوا الأفلام وأخرجوها وسمحوا بعرضها من الرقباء لم يرد بها إزدراءاً ، صريحاً اللهم إذا إعتبرنا شخصية علي في فيلم " الإرهابي " حجه علي الإسلام والمسلمين مع إنها في الأصل شخصية إفتراضية من خيال المؤلف لينين الرملي ولا يمكن أن تكون الإساءة إليها إساءة للديانة الإسلامية قاطبة وإلا نعتبر بنفس المقياس أن شخصية السيدة المسيحية المتزمتة التي جسدتها الفنانة ماجدة زكي بالفيلم ذاته تعريضاً بالسيدات المسيحيات اللاتي لهن نفس قناعات الشخصية الدرامية ، غير أن ما تم تناوله في فيلم " الإرهاب والكباب " كان إحتجاجاً علي البيروقراطية والروتين ودعوه للتمرد والعصيان والإعتصام داخل مجمع التحرير للفت النظر إلي تقصير الحكومة تجاه الشعب بصفه عامه ، لذلك جاء التنوع في الفئات المحتجزة داخل المجمع فكان من بينهم الموظف وهو دور عادل إمام نفسه وماسح الأحذية والمثقف السوداني الذي يدلل علي الديمقراطية بأوروبا والدول المتقدمة كنموذج أمثل لتطبيقها ، وأيضاً لم يستثن الفيلم حتى المرأة المنحرفة من حقها في الحياة الكريمة .
هذا هو السياق الصحيح للقراءة النقدية وليس حصر المغزى كله في شخصية الموظف الملتحي أحمد عقل لأن القراءة علي هذا النحو نوع من التعسف والتصيد وهو أمر نربأ بالقضاء المصري النزيه عنه ونهيب به أن يعيد النظر في أوراق الاتهام في جلسة الاستئناف حتى لا تكون هناك حاجة للطعن مرة أخري علي الحكم .
ونعود إلي فيلم " حسن ومرقص " كأحد الأفلام الواقعة تحت طائلة القانون من وجهة نظر المدعي ، إذ نؤكد أنه أنتج خصيصاً لغرض وطني عقب أحداث الفتنة الطائفية بالأسكندرية ، حيث طرح مفهوماً راقياً للتسامح والتصالح بين عنصري الأمة ، مسلمين وأقباط وأشترك في بطولته الفنان العالمي عمر الشريف ولم ينفرد عادل إمام وحده بالبطولة المطلقة حتى يتحمل وحدة الوزر كاملاً فيما هو متعلق بالأساس بحرية التعبير والإبداع بغير إخلال أو تجاوز .
ولعل الإشارة هنا في هذا المقام واجبه للفيلم الأهم ّ" طيور الظلام " ، ذلك أن العنوان حمل تلميحاً وإسقاطاً علي من إستهدفهم كاتب السيناريو وحيد حامد بالرسالة السياسية وليس الذم أو القدح أو التعريض بالأفكار الدينية ، فالخطاب لم يتعد مسألة الخلاف في الرأي برغم حدته وتحفظه علي مقتضيات اللعبة في مباراة الوصول للسُلطة ومحاولة استخدام نفوذ المال والقوة وهو نوع من إستباق الأحداث والتدقيق في معطيات الواقع الإجتماعي والسياسي ، وللكاتب الحق في الإفصاح عن وجهة نظره أياً ما كانت ، وعلي الطرف الآخر الرد بنفس الطريقة ، وفي كل الأحوال لا يجب أن تُلقي المسئولية كلها علي عادل إمام لمجرد أنه البطل والشخصية الأشهر فلا يجب أن يؤدى بنا الخلاف في الرأي إلي استباحة كل منا دم الآخر وحريته ، فليس السجن هو ما يشفي الغليل ويثبت منطق القوة .. لنكن نبلاء لو أردنا بالفعل الديمقراطية .