* الشيخ طنطاوي رفض مقابلة المعارضة في 2005 واستقبل حاخاما يهوديا * الإخوان تعاملوا مع أبوالفتوح بطريقة النظام السابق * الأمن طلب مني السماح بدخول وفد إسرائيلي إلى معرض الكتاب 2010
حاورته - سميرة سليمان انتقد رئيس مؤسسة "دار الهلال" حلمي النمنم مؤسسة الأزهر معتبرا أن أداءها في العقود الأخيرة يؤكد التبعية للسلطة، وأكد في كتابه الصادر مؤخراً عن مكتبة مدبولي " الأزهر.. الشيخ والمشيخة"، أن المطالبة بدولة مدنية من صميم الإسلام .. إلى نص الحوار.
محيط : لماذا اعتبرت أن الأزهر دخل في عباءة السلطة؟ - حين قام الرئيس السادات برحلة القدس في 18 نوفمبر عام 1977، وكان جزء كبير من الشعب المصري والعربي ضد هذه الزيارة، ظهر الأزهر على عكس المتوقع مسانداً للرئيس السادات، ورأينا تصريحات لشيخ الأزهر حينها عبدالحليم محمود وعدد من القيادات يخوضون حرباً إعلامية بجوار السادات، ولا أطالب قيادة الأزهر أن تعارض رئيس الدولة، لكن كان من الممكن لها أن تلزم الصمت.
علاقة الأزهر بقيادة الدولة طوال القرن ال20 بل ومنذ القرن التاسع عشر لم تتغير، فالأزهر في مصر الملكية وفي مصر الجمهورية وفي مصر الخديوية، كان موقفه مسانداً لقيادة الدولة، بقوة وضراوة، حين ندرس المطالب التي قدمها عرابي من الخديوي توفيق عام 1881 يوم مظاهرة عابدين، وهي إقالة وزارة رياض باشا، وعزل وزير الحربية، والوصول بتعداد الجيش إلى الرقم المتفق عليه في الفرمانات، كان من ضمنها مطلب تتجاوز عن ذكره كتب التاريخ وهو عزل شيخ الإسلام "شيخ الأزهر" وكان حينها محمد مهدي العباسي لأنه كان مؤيداً للخديوي، ولرياض باشا دائماً، وقد عُزل هذا الشيخ وأعيد ثانية إلى المشيخة بعد هزيمة عرابي.
من المواقف التي يذكرها الكتاب كذلك لتبعية الأزهر للسلطة، أنه في مظاهرات 18 و 19 يناير 1977 التي اعتبرها السادات "انتفاضة حرامية"، اعتبرها شيخ الأزهر معادية للإسلام، رغم أن الانتفاضة كانت بسبب رفع الدعم عن رغيف الخبز.
وفي عهد مبارك كانت تبعية الأزهر للسلطة أشد، فلا ننسى مصافحة شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بحرارة، وكذلك موقفه الرافض لمقابلة الحركات السياسية المصرية عام 2005، وأوامره أن تغلق المشيخة أبوابها، بينما استقبل في اليوم التالي حاخام اليهود الأكبر!.
محيط : ومن يخسر بتراجع دور الأزهر الوطني ؟ - دور الأزهر ما زال موجوداً، لكنه لم يعد بنفس قوته، وأول الخاسرين من هذا التراجع هي الدولة المصرية، بإصرارها على أن يكون الأزهر أقرب إلى مؤسسة حكومية، وهو ما أفقدها صوتاً معتدلاً، كان من الممكن أن يكون موجهاً لها.
الخاسر الثاني بعد الدولة هو نموذج الإسلام المصري الوسطي المعتدل، الذي تراجع لصالح الاتجاهات المتشددة، والراديكالية أو الأصولية.
الدولة المصرية في العقود الأخيرة وتحديداً منذ بداية السبعينيات لم تحسن التعامل مع بعض مؤسساتها، لأن هناك مؤسسات مصرية يتجاوز دورها وتأثيرها حدود مصر، وفي مقدمتها الأزهر، الذي تعاملت معه الدولة على أنه مؤسسة حكومية، وطاوعتها قيادات الأزهر في ذلك.
محيط : ومتى أصبح الأزهر تابعاً للسلطة؟
- الأزهر منذ تأسيسه لم يخالف الدولة وسلطتها، فهو يعد مؤسسة من مؤسساتها، ولا اعترض على كونه كذلك، لكن اعتراضي أن تحوله الدولة إلى مؤسسة حكومية، فهو يمثل مصر ودولتها ولا يمثل الحكومة، فلا يعقل إذا كانت الحكومة ضد المعارضة، أن يصبح الأزهر كذلك ضد المعارضة.
الأزهر إذا تبع الحكومة، هذا يعني أنها إذا كانت حزبية أن يصبح الأزهر كذلك، وهو أمر لا ينبغي أن يكون، فهو مؤسسة مصرية لا ينبغي لها أن تصطبغ، لأنه لكل المصريين.
وفي كل الثورات المصرية منذ ثورة القاهرة الأولى أيام الحملة الفرنسية، مروراً بثورة القاهرة الثانية، وثورة عرابي، وثورة 1919 حتى ثورة 25 يناير، هناك قاعدة تفيد بأن كبار مشايخ الأزهر وقياداته يكونون ضد الثورة، في حين أن شبابه يكونون معها.
محيط : وكيف يصبح الأزهر معبرا عن نبض الشارع ؟
- الأزهر بالأساس مؤسسة وطنية وليست حكومية، وعلينا أن نفرق بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات تلعب دوراً يتجاوز حدود مصر، مثل الأزهر الذي يتجه إليه كل مسلمي السنة في العالم الإسلامي، وكذلك جامعة القاهرة، والمجمع العلمي المصري، ودار الكتب والوثائق القومية، والقضاء المصري.
هذه مؤسسات لا يمكن أن نغرقها في التفاصيل اليومية، أي لا تضغط الدولة عليه أو على قياداته ولا داعي للزج به في القضايا السياسية الآنية، وأن يدرك مشايخه طبيعة رسالتهم، وأنهم مؤسسة للعالم الإسلامي بأكمله.
وأن يعود اختيار شيخ الأزهر إلى ما كان عليه قبل عصر محمد علي، حين كان فقهاء المذاهب الأربعة وقضاتها يختارون من بينهم، ويرفعون اختيارهم إلى الوالي.
المشكلة في الأزهر ليست مشكلة اختيار قيادة، لكن الأزهر يعاني من أمور تنظيمية فهو يحتاج إلى العمل من داخل المؤسسة، وبالتالي لن يحدث تطور أو نهضة في عمل الأزهر دون إصلاح الداخل.
محيط : لماذا تهاجم دوما جماعة الإخوان المسلمين ؟
- بعد ثورة يناير من كان ينتقد الإخوان المسلمين من أجل النظام السابق، سيكف عن انتقادهم، ولأنني لست كذلك فلازلت انتقد الجماعة، الذي كنت أحذر من خطورة التعامل معها كملف أمني فقط، بينما الإخوان حالة مجتمعية وسياسية واقتصادية.
والتحدي الحقيقي أمام الإخوان الآن هو ضرورة تخلصهم من العقلية الأمنية التي انسحبت عليهم من جراء معاملاتهم الطويلة مع الأنظمة السابقة، وهو ما بدا جلياً في طريقة تعاملهم مع دكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، رغم كونه وجه مشرق وإيجابي في الجماعة، منذ عهد مبارك، فلا ننسى له ذهابه إلى نجيب محفوظ، وتقديم هدية له في يوم ميلاده، رغم مهاجمة الجماعات الإسلامية لمحفوظ في ذلك الوقت.
التحدي الحقيقي أمام الجماعة كذلك ألا يكرروا الخطأ الذي وقعوا فيه عام 53 و 54 حين تعامل معهم نظام محمد نجيب وجمال عبد الناصر بانفتاح، بينما تعاملوا هم بالعقلية المخابراتية، كذلك ضرورة التخلص من اللعب في الخفاء، فعليهم إدراك أن التعاطف الذي اكتسبوه في ظل النظام السابق، كان كراهية في الحزب الوطني، وبسبب الملاحقات الأمنية المستمرة لهم، لكن بعد الثورة الأمر تبدل ورهانهم على الشارع ينبع من ممارساتهم فقط.
- ولماذا ذكرت أن إسلامك ومصريتك يمنعانك من قبول الدولة الدينية ؟ - مصريتي وتاريخي جعلوني أدرك أن عمرو بن العاص حين جاء لفتح مصر، لم يجعل مصر دولة دينية، بل ترك أمور الإدارة بها من زراعة وري، للكتبة الأقباط، ولم يقم الدولة الدينية.
وكمسلم اعتز بأنه لا كهانة في الإسلام، والدولة الدينية هي أعلى درجات الكهانة، وفي الحديث الصحيح يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم اعلم بشئون دنياكم"، وفي غزوة الخندق حين أشار النبي برأي في القتال، سأله أحد الصحابة "أهو أمر ديني بل الرأي والمشورة"، وحين أجابه بأنه الرأي، اقتنع برأي الصحابي ونزل النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه.
كذلك في معظم آيات القرآن أرجأ الله عقوبة الكافر إلى الآخرة، لأن عقوبته متروكة لله وليست إلى الحاكم، فالإسلام يرفض الدولة الدينية، وكذلك أرفضها.
محيط : هل قامت ثورة يناير بعيداً عن النخبة الثقافية ؟
- ثورة 25 يناير ما كان لها أن تقوم بهذا الشكل لولا التراكم النضالي ضد النظام الذي قامت به فئات من المثقفين، حركة كفاية التي ظهرت عام 2004 قام عليها مجموعة من المثقفين منهم الراحل عبدالوهاب المسيري، وعبدالحليم قنديل، أحمد بهاء الدين شعبان، جورج اسحاق، وغيرهم، كل هذه الحركات أدت إلى الزخم الذي انفجر في 2011.
النخبة لم تكن بعيدة، فقد كتبت في سبتمبر 2005 بجريدة "الدستور" مقال عنوانه "اليوم سقط النظام، واعتبرته كذلك فعلا، حين تم انتهاك عرض صحفية على سلم نقابة الصحفيين، من قبل بلطجية الحزب الوطني، أثناء وقفة احتجاجية ضد التمديد والتوريث، وهو الأمر الذي اعتبرته سقوطاً أخلاقياً للنظام، وقد سقط بالفعل حينها، وتوقعت الثورة في 2005، لكنه أتت متأخرة في 2011.
النضال من قبل النخبة لن يتوقف بل سيستمر، لأن الثورة المصرية لم تكتمل بعد، فلا زال ينقصها صدور دستور جديد، وأن يكون لدينا دولة مدنية حقيقية، وديمقراطية تقوم على تداول السلطة، واحترام المواطنة، ورفض التمييز على أساس ديني أو عرقي، أو على أساس الثروة.
محيط : رفضت من قبل دخول وفد إسرائيلي لمعرض الكتاب .. ما حقيقة ذلك ؟ - في منتصف معرض الكتاب عام 2010، طلبت جهة رسمية مني دخول وفد صحفي إسرائيلي إلى المعرض، وهو ما رفضته، ورفضه كذلك رئيس الهيئة حينها دكتور صابر عرب، وقلت حينها أن هذا المعرض للمثقفين المصريين، ووزارة الثقافة ترفض بوضوح وجود تطبيع مع إسرائيل، كذلك لا أريد جرح مشاعر المصريين، وسيعقب هذه الزيارة في العام القادم مشاركة الناشرين الإسرائيليين بالمعرض، والمعرض مفتوح لكل السائحين الأجانب، وقد يكون في المعرض إسرائيليون دون علم بذلك، لكن دخول وفد صحفي يعني أن الصحف العالمية ستنشر ذلك، وهو الأمر الذي سيسئ إلى سمعة المعرض، وإلى دور مصر العربي ثقافياً.
مصر لن تستقبل إسرائيل إلا حين تصبح دولة طبيعية في المنطقة، وأن تقام على حدود قرار التقسيم نوفمبر 1947، بعد أن يصبح هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ولم يناقشني أحد في ذلك وتم احترام القرار.