الشعب يريد اسقاط النظام" عبارة شباب على الجدران في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وكانت شرارة انطلاق "الثورة في سوريا" أسوة بما حدث من ربيع عربي في تونس ومصر، ومع مرور عام من القتل والعنف استهدف الشعب السوري الأعزل على يد نظام بشار الأسد، أضحت الحصيلة الأولية للثورة السورية أكثر من 10 آلاف شهيد و15 ألف مفقود و90 ألف معتقل و200 ألف نازح وعدد لا يحصى من الجرحى، وتدمير مدن وبلدات كاملة وذبح أسر بأكملها دون أن يتدخل العالم لوقف حمام الدم والقتل الممنهج والثأري الباطني ضد شعب سوريا. والواقع أن استمرار الثورة في سوريا حتى الآن يعود إلى التجاذبات العربية والإقليمية والدولية التي أرخت بظلالها على عدم استجابة النظام في سوريا لأي مبادرات للحل ووقف إراقة الدماء ضد ثوار عزل، الأمر الذي بات يؤكد أن مآلات الأزمة السورية مرتبط بمواقف هذه القوى العربية والإقليمية والدولية. هذه المواقف خلال العام الأول من عمر الثورة السورية لم تمثل عوامل ضاغطة بالشكل الكافي على نظام بشار فحسب، بل مكنت النظام السوري من ممارسة القوة الغاشمة والبطش ضد قوى الثورة. ومما ساعد النظام السوري على استقوائه، تشتت قوى المعارضة في الداخل والخارج وعدم وضوح استراتيجية موحدة للخلاص، ولا شك أن موقف التعليق والانتظار والتأخر الدولي في دعم إسقاط الأسد لم يكن موقفا داعما أو محايدا في الحالة السورية، بل مثل دعما للأسد على أرض الواقع، فالأنشطة والتصريحات المتتابعة من الخارج التي تستمر وتؤكد -لفظيا فقط- عدم شرعية الأسد، وأن سقوطه مسألة وقت، بجانب القول بعدم القدرة على التدخل، كلها دفعت الأسد لمضاعفة إندفاعه باعتبار عدم وجود ما يخسره سياسيا.
الجهود الدبلوماسية ورغم الجهود الجبارة التي بذلتها الجامعة العربية على مدار العام من أجل إقناع النظام السوري بضرورة حل الأزمة سلميا ومن خلال بعثة المراقبين والمبادرة التي قدمتها الجامعة العربية تجنباً لتدويل الأزمة والعمل على حلها في الإطار العربي، إلا أن مماطلات وتسويف نظام بشار الأسد حال دون التوصل إلى حل، الأمر الذي كان يستوجب إحالة الموضوع إلى الأممالمتحدة. ومع تباين مصالح قوى النظام الدولي الفاعل واختلال هيكل القوة فيه، كان لابد من أن تضع كل دولة مصالحها فوق أي اعتبار حتى لو كان على حساب الدم السوري، ومن هنا كان الفيتو الروسي والصيني حليف أي قرار دولي ضد نظام بشار الأسد. ورغم ذلك لم يعدم المجتمع الدولي من الإصرار على ضرورة وضع حد لإراقة الدماء في سوريا، ولذلك جاءت زيارة المبعوث الدولي - العربي كوفي عنان لدمشق، من أجل طرح مبادرة أخرى على الرئيس بشار تتكون من ثلاث نقاط: وقف اطلاق النار، تسهيل وصول المساعدات الانسانية وبدء حوار سياسي. ولكن النظام السوري يستمر في سياسة المماطلة والتسويف في ظل استمرار الولاياتالمتحدة اتباع الأسلوب الدبلوماسي مع روسيا ومراهنتها على تغير الموقف الروسي بعد وصول بوتين للرئاسة بشأن الموقف من سوريا..فالولاياتالمتحدة لا تريد أصلا التدخل المباشر في سوريا وستظل متبعة أساليب الضغط السياسي والاقتصادي بكافة أشكالها على النظام السوري. وتتضح هذه السياسة من خلال فرضها الأخير العقوبات المالية على الهيئة العامة للتلفزيون السوري ووضعها على القائمة السوداء الأمريكية.
الموقف الصيني لكن يبدو الموقف الصيني أكثر نضجاً وتعاملاً مع الواقع الدولي، وقد بدا أكثر مرونة بالتعامل مع الملف السوري، وهو مايؤكده تصريح وزير خارجية الصين بأن "شعوب منطقة الشرق الأوسط أدرى بوضعها الراهن". ويحكم هذا الموقف الصيني حسابات متعددة منها القضايا متشابكة المصالح مع الولاياتالمتحدة، خاصة فيما يرتبط بملف تايوان والتبت التي تحاول من خلالهما الولاياتالمتحدة الضغط على الصين في هاتين المنطقتين الحليفتين لأمريكا، تريد أن لاتسخن الصين العلاقة بينها وبين الولاياتالمتحدة فضلا عن العلاقات الاقتصادية الوطيدة بين البلدين. في هذا السياق تأتي المبادرة الصينية المؤلفة من ست نقاط والتي تنص على "وقف فوري وشامل وغير مشروط لكل أعمال العنف من الحكومة السورية والأطراف المعنية"، و"إطلاق فوري لحوار سياسي شامل من دون شروط مسبقة ولا حكم مسبق بين الحكومة السورية ومختلف الأطراف تحت الوساطة النزيهة للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية . كما تنص على "دور قيادي للأمم المتحدة في تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية.. على أساس احترام سيادة سوريا"، وترفض "التدخل العسكري ضد سوريا أو فرض ما يسمى (تغيير النظام)".
ويجب أن يلتزم أعضاء مجلس الأمن الدولي بمقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة والقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية". يبقى التأكيد أن الموقف التركي مرهون بالغطاء الدولي فتركيا غير مستعدة لخوض حرب بالإنابة عن الغرب في سوريا وهي ترى الدعم الإيراني للنظام وتحاشيها الدخول بحرب إقليمية قد يدفعها ثمن الاستحقاقات الداخلية وفقدان حزب العدالة والتنمية قاعدته الشعبية. تسليح المعارضة فضلاً عن ذلك ثمة ضرورة لتشكيل تحالف الدولي يتولى تدريب الجيش السوري الحر وتنظيمه وتسليحه في شكل غير مباشر لتمكينه من الدفاع عن نفسه وحماية المدنيين، وقد يكون من المستبعد أن تقوم بذلك دول أوروبية أو الولاياتالمتحدة، لكنها ستشجع عليه وتؤمّن له دعماً لوجستياً وغطاءً سياسياً.
كما يمكن البدء بتقديم الدعم اللوجيستى والاستخباراتى والاتصالات للمعارضة السورية بشتى أطيافها. وأمام كل هذه التجاذبات السياسية الدولية، ثمة طريقين أمام مستقبل الأزمة السورية، الأول: يتمثل في عودة الملف السوري إلى مجلس الأمن، خصوصا بعد نجاح مفاوضات دول الخليج ومصر في استمالة الموقف الروسي من داعم للنظام السوري إلى أن يكون جزءا من الجهود الدولية الجماعية حيال القضية السورية.. فقد خرج اجتماع وزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة في العاشر من مارس الحالي ، بالموافقة على بنود خطة مشتركة تجاه الملف السوري، منها وقف العنف ووضع آلية مراقبة دولية محايدة. ورغم أن هذا الاتفاق هو أقل مما يهدف إليه العرب حاليا، فإنه يمثل خطوة مرحلية مهمة لتخفيف التموضع الروسي المعارض، حتى العودة المقبلة إلى مجلس الأمن لإصدار قرار ضد نظام الأسد، الذي من المتوقع العودة إليه بعد مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا الذي سيعقد في إسطنبول خلال شهر مارس الحالي. الطريق الثاني: الرهان على البنية الداخلية للثورة السورية والحفاظ على مكتسبات هذه الثورة التي خرج من أجلها الشعب السوري، ويعتقد البعض أن النظام استطاع أن يجر الثورة إلى التسلح لكي يظهر بمظهر الضحية أمام العالم ليقول للعالم بأنه يواجه "جماعات إرهابية متشددة" وليختزل مطالب الثورة بإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة بينما من المفترض أن يكون التفاوض على انتقال سياسي سلمي للسلطة. ويبقى القول أن خيار الحالة اليمنية هو الأقرب للتطبيق على الحالة السورية، تجنباً للوصول إلى الحالة الليبية بكل تبعاتها السياسية مع ظهور بدايات الانقسام في الداخل.