رويترز: بنهاية يناير جذب ضيف جمهورا كبيرا من الدبلوماسيين بشكل غير معتاد إلى الدور الثالث والثلاثين من مبنى وزارة الخارجية بالقاهرة بحيث اضطر من حضروا متأخرين إلى الوقوف. وما جعل الحدث فريدا ليس حجم الحضور لكن المتحدث.. محمد مرسي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة يوما الذي حضر ليطرح رؤية الجماعة لمكان مصر في العالم.
يقول عمرو رشدي المتحدث باسم الخارجية المصرية عن خطاب مرسي في مبنى الوزارة المطل على نهر النيل "منذ عام لم يكن من الممكن تصور الأمر لكن الكثير من الأمور كانت غير متصورة في مصر قبل عام."
ولم يتسن لوزير الخارجية محمد كامل عمرو حضور اللقاء فقد كان مشغولا مع ضيف أجنبي. لكنه التقى مرسي لدى مغادرته المبنى ودعاه لمكتبه لتناول القهوة. وتبادل الرجلان الحديث لمدة ساعة.
وخلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك كان يمكن أن تزج أراء مرسي السياسية به في السجن، لكنه اليوم يرأس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وهو أكبر حزب في مجلس الشعب والذي بدأ يتمتع بنفوذ في أروقة السلطة بالرغم من أنه لم يتول أي منصب رسمي.
وكانت هناك بعض النتائج.. تقول الجماعة إن الضغوط التي تمارسها حملت وزارة الخارجية على تشديد موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد بسبب محاولته قمع الانتفاضة في سوريا وهو تأثير ملموس في أمور سياسية كانت يوما حكرا على مبارك.
يقول دبلوماسي غرب في القاهرة طلب عدم نشر اسمه "إذا ما أردت التأثير على سياسة الحكومة المقبلة فيجب أن تتحدث إلى الإخوان وأن تتحدث معهم بتعمق."
وفاز حزب الحرية والعدالة بأكثر من 43% من مقاعد مجلس الشعب ليحول جذورا عميقة في المجتمع إلى نجاح انتخابي أثار التساؤلات حول كيف سيحقق الحزب التوازن بين برنامجه الإسلامي والواقع الذي تفرضه معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979 واقتصاد يعتمد علي السياحة في توفير أكثر من عشرة% من الوظائف.
ويشير التدفق المستمر للوفود المختلفة على مقر الإخوان الجديد في هضبة المقطم المطلة على وسط القاهرة إلى حقيقة أن الدول الغربية والشركات الأجنبية والمؤسسات الدولية تتودد للجماعة على اعتبار أنها ستشكل الحكومة المقبلة للبلاد.
وكان دبلوماسيون أمريكيون كبار وأعضاء في مجلس الشيوخ من بين زوار المقر الجديد حيث تنتشر في حجرة الاستقبال صور لرجال ملتحين من قادة الجماعة في السابق.
وأصبحت جماعة الإخوان المنتشية بالفوز الانتخابي أكثر صراحة في التعبير عن أرائها فيما يتعلق بحكم البلاد.
ولم ينصب تركيزها على تطبيق الشريعة الإسلامية لكن على الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني والإصلاح السياسي، ووعيا منها بان الناخبين يعقدون عليها الآمال في تحقيق تقدم تسعى الجماعة لتشكيل الحكومة.
ويمارس الإخوان ضغوطا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد لتعيين حكومة تعكس تشكيلة البرلمان وهو ما يعني ائتلافا يقوده الإخوان، وجلب تحرك الإخوان إلى صدارة وقلب الحياة العامة معه إمكانية وقوع المزيد من الاحتكاك مع الجيش الذي يبدو حريصا على المحافظة على نفوذه حتى بعد تسليم السلطة لرئيس جديد بنهاية يونيو/ حزيران.
وحتى الآن تجنب الإخوان في أغلب الأحيان أي توتر مع المجلس العسكري خشية أن تتبدد المكاسب السياسية الكبيرة التي حققوها عقب سقوط مبارك،وتجمع الآراء على أن الجماعة لن تتخلى عن هذا النهج الحذر قريبا. ويدين الإخوان بالفضل إلى نهجهم البراجماتي في النجاة من الإجراءات القمعية الحكومية منذ تأسيس الجماعة عام 1928. لكن قد يتعذر تجنب المزيد من التوتر فيما يسعى الإخوان إلى المضي في إصلاحات قد تتحدى الصلاحيات السياسية والاقتصادية للجيش الذي كان لاعبا أساسيا مؤثرا في مصر منذ قيام ثورة 1952 التي أطاحت بالملكية.
وهناك بالفعل علامات على وجود توتر، يرى شادي حامد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في مركز بروكنجز الدوحة "أنها علاقة عمل لكنها متوترة ومرشحة لمزيد من التوتر...ستكون أشبه بمواجهة يتصاعد فيها الغضب تدريجيا"، ويأتي على صدارة برنامج الإصلاح السياسي للإخوان تشكيل برلمان قوي يعمل على تقييد صلاحيات الرئيس الجديد وهو منصب قرر الإخوان عدم الترشح له في الوقت الحالي.
وقال محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين إن السلطات الرئاسية التي سيحددها الدستور الجديد للبلاد يجب أن تكون محدودة حتى لا تسفر عن ظهور "فرعون" آخر،وسيشكل البرلمان الجمعية التأسيسية المؤلفة من100 شخص والتي ستكون مسئولة عن صياغة الدستور الجديد، ويتعرض مجلس الشعب المصري لنقد من المواطنين الذين يتوقون لنتائج منذ أن اجتمع المجلس لأول مرة بعد انتخابه قبل أسابيع.
ورغم أنه ما زال يفتقر للإصلاحات اللازمة لدعمه إلا أن مجلس الشعب يلعب دورا أقوى الآن، بث نواب حزب الحرية والعدالة الحياة في عدد من اللجان البرلمانية وبينها لجنة الشؤون الخارجية وهي من بين الأدوات التي ساعدت على الضغط على الحكومة لتشديد موقف مصر تجاه ما يحدث في سوريا.
ويقول مسئولون من جماعة الإخوان المسلمين إن النتيجة كانت القرار الذي اتخذته الحكومة يوم 19 فبراير شباط باستدعاء سفير مصر لدى سوريا احتجاجا على العنف الذي تلجأ إليه حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لكبح الاحتجاجات على حكمه.
وقال رشدي المتحدث باسم وزارة الخارجية إن قرار الوزارة اتخذ بسبب الوضع على الأرض لكنه أضاف أن الوزارة اطلعت على كلمات نواب البرلمان، وتابع "انتهى وقت تجاهل مطالب الشعب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية." وعقد نواب حزب الحرية والعدالة عددا من الاجتماعات مع وزير الخارجية خلال الأسابيع الأخيرة.
ووجهت الدعوة إلى النائب عصام العريان الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب لحضور الغداء الذي أقيم يوم 19 فبراير مع الوزير والرئيس الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة وهو قطري، وقال رشدي "إنهم الإخوان المسلمون" يريدون العمل مع الجميع هذه هي الرسالة التي تصلني كمصري".
وربط جمال حشمت عضو البرلمان من حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب بين الضغط البرلماني والخطوة التي اتخذت بشأن الوضع في سوريا، وقال "أظن سحب السفير كان استجابة لضغوط موجودة."
ويضغط البرلمان من أجل اتخاذ المزيد من الخطوات فقد طلب من الحكومة توضيح سبب السماح لسفينتين حربيتين إيرانيتين رستا في سوريا يوم 18 فبراير بعبور قناة السويس، وطهران حليف وثيق لدمشق.
ويقول مسئولون من جماعة الإخوان المسلمين أيضا إن الضغط البرلماني هو الذي دفع الحكومة لاتخاذ قرار يوم 21 فبراير بزيادة إمدادات الطاقة إلى قطاع غزة.
ووجه إسماعيل هنية رئيس حكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المقالة في غزة الشكر إلى مصر لتزويد غزة بالوقود بعد لقاء يوم 23 فبراير في القاهرة مع رئيس مجلس الشعب محمد سعد الكتاني وهو من الإخوان أيضا، وفي اليوم التالي انقلبت حماس علنا على حليفها منذ فترة طويلة الأسد وأيدت الانتفاضة الشعبية هناك لأول مرة.
وقد تكون الخطوات المصرية تجاه غزة وسوريا أول مؤشر على نوعية السياسة الخارجية التي سيتخذها الإخوان المسلمون والمتمثلة في التأكيد على دور إقليمي مصري أقوى.