يتردد في الصحافة ووسائل الأعلام الأخرى هذه الأيام سؤال، حول ما إذا كان رئيس الحكومة الفلسطينية (الشرعية) في غزه "اسماعيل هنية" سيقوم- خلال جولته الراهنة في المنطقة- بزيارة إيران ؟!!. يقول البعض أن ثمة جدالاً حاداً يدور بين القادة السياسيين في حركة حماس بسبب إيقاف إيران دعمها المالي عن الحركة، حين رفضت طلبها تأييد النظام السوري في محاولته قمع المظاهرات والاحتجاجات التي تعم الشارع السوري.
في نظرنا أن الاختلاف في الرأي حول هذا الموضوع أمرٌ صحي، وبخاصة حين يلتزم الفرقاء بالموضوعية في محاولة الوصول لأفضل القرارات بشأنه .. وحين لا تتناقض تلك القرارات مع المبادئ التي تحكم عمل الحركة وأهدافها وآليات تعاملها مع مختلف الأطراف المعنية بالموضوع قيد البحث والدراسة. من هذا المنظور .. ينبغي على قيادة الحركة أن تنظر في إمكان قيام هنية بهذه الزيارة من عدمه.
ما أوردته جريدة الأخبار اللبنانية عن أن الفريق المعارض لها، يريد أن يوجه رسالة لطهران مفادها أن مواقف حماس وسياساتها، لا يمكن أن تكون رهينة لرغبات طهران أو غيرها .. تقبل بها متى تشاء أو ترفضها متى تشاء ،،،
،،، نقول: إن هذا (لا يبرر) رفض الدعوة التي وجهتها طهران لقيام هنية بزيارتها، ذلك أن قيام الحركة بهذه الزيارة لا ينطوي- حقيقة- على أية إساءة لها .. لا من قريب ولا من بعيد.
فوقف إيران الدعم المالي الذي تقدمه لحركة حماس، يعتبر- سياسياً ودبلوماسياً- أمراً طبيعيا، ذلك أن لا شيء في هذه العلاقات يعلو على استهداف المنفعة المتبادلة بين الفرقاء منها.
وإيران- شأنها شأن جميع دول العالم- حاولت أن (تنتفع) من علاقتها بحماس في دعم موقف حليفها بشار الأسد، بأن تضغط عليها (بوقف الدعم المالي عنها) كي تعلن تأييدها لنظام بشار .. وحماس رفضت .. ثم عادت طهران لتحاول ترميم العلاقات مع الحركة بغض النظر عن موقفها المتوقع من استمرار قطع الدعم أو إعادته .. فما المانع من الاستجابة لهذه المحاولة؟.
قيادة الحركة تعلم جيداً أهمية موقف إيران المؤيد للحركة والداعم لموقفها، وبخاصة حين تُمارس عليها ضغوط هائلة من داخل المنطقة وخارجها بهدف إجبارها على التخلي عن مبادئها، والاعتراف بشرعية قيام الكيان العبري على الأرض الفلسطينية التي اغتصبها عام 48.
هنا ينبغي أن نتذكر الدور المشين الذي لعبته السلطة الفلسطينية في عهدي عرفات وعباس، بشأن محاولة إقصاء الحركة عن العمل السياسي والمقاوم على الساحة الفلسطينية، والذي تجلى في إقامة تنسيق وثيق مع قوات الاحتلال بهدف شل قدرة حماس على القيام بعمليات عسكرية ضد العدو في الضفة وداخل ما يسمى بالخط الأخضر.
وهنا- أيضاً- نقول وبدون تحفظ: إن إيران هي الدولة الوحيدة التي فتحت صدرها لكل الفصائل الفلسطينية التي تصر على انتهاج أسلوب المقاومة المسلحة في التعامل مع العدو الإسرائيلي، ومحاولة إجباره على الانسحاب من أراضي الضفة الغربية، كمرحلة أولى في تحقيق حلم الفلسطينيين في تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر.
ففي الوقت الذي حظيت فيه قيادات السلطة بتأييد الأنظمة العربية التي تعتمد أسلوب التفاوض مع العدو خياراً استراتيجياً وحيداً، كانت إيران تمد يد العون والدعم الفاعل للحركة الذي اعانها على مقاومة الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزه، والذي أصبح الموقع الوحيد الذي تنطلق منه حماس في التصدي للعدو.
تقول أنباء صحفية أن جملة ما كانت تدفعه طهران لحركة حماس وحدها سنويا، يصل لنحو مائتي دولار سنوياً.
وهنا نسأل : إذا صح هذا القول .. فهل هناك من الأنظمة العربية من كان (أو هو على استعداد الآن)، لتأمين هذا المبلغ للحركة كي تستمر في التصدي للعدو، دون أن تُفرَضُ عليها شروط من شأنها أن تعيق حرية أدائها (أو إعاقة أداء غيرها من الفصائل الفلسطينية التي تنتهج أسلوب المقاومة المسلحة في التعامل مع العدو)؟.
بالقطع لا يوجد .. لسبب بسيط وهو أن الراعي الأمريكي للنظام الرسمي العربي، يرفض النهج المقاوم الذي تسير عليه الفصائل الفلسطينية التي تعتمد أسلوب المقاومة المسلحة في التعامل مع العدو الإسرائيلي، كما يحرم على الفلسطينيين إقامة علاقات مع النظام الحاكم في طهران بدعوى أنه يعمل على مد نفوذه في المنطقة العربية، والهيمنة عليها ونشر المذهب الشيعي بين مجتمعاتها السنية.
والدليل على ذلك ما تردد عن أن البلدان العربية التي طلبت من قادة حماس قطع علاقات الحركة مع طهران .. لم تعرض أية بدائل تعوض الحركة عن علاقتها بطهران، وتكفل لها وجوداً آمناً على أرضها (دون المساس بحريتها في اتخاذ القرارات التي تراها).
فلو صح هذا القول .. فليس هناك ضيرٌ من قبول دعوة طهران لهنية بزيارة إيران، إذا ما تخلت عن وضع شروط تنتقص من حرية حماس، في اتخاذ المواقف والقرارات التي ترى فيها خدمة للقضية الفلسطينية.
وإذا ما قدر أن ندلي برأينا في هذا الموضوع ، فلا نرى أية غضاضة في أن يقوم هنية بزيارة طهران، وبخاصة أن القيادة الإيرانية هي التي وجهت الدعوة للحركة كي يقوم بها.
لكن هذا .. لا ينبغي أن يكون على حساب مبادئ حماس وثوابتها التي تحكم مواقفها حيال ما يجري في المنطقة العربية. فتأييد طهران للجرائم التي يرتكبها نظام بشار بحق الشعب السوري، الذي انتفض ضد نظام مارَسَ كل أنواع الظلم والاضطهاد وارتكب أبشع الجرائم ضد شعبه على مدى أربعة عقود متواصلة .. لا يمكن أن يكون مقبولا .. لا من حماس .. ولا من كل فصائل وأطياف الشعب الفلسطيني الذي ذاق كل أنواع الظلم والإذلال على يد الصهاينة وغيرهم.
لذلك فإن على هنية- باعتباره ممثلاً لحركة حماس- أن يخطر الإيرانيين، بأن الحركة لا يمكنها القبول بالتأييد الإيراني لنظام بشار الأسد، كما ترفض أي دعم تقدمه طهران للحركة مقابل تأييدها للجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه.
قد يقول قائلٌ بأن اتخاذ حماس لموقف رافض للنظام السوري، سوف يعرض قيادتها السياسية المتواجدة في دمشق للطرد إن لم يكن للخطر.
نعم .. هذا صحيح .. بل إن وقوعه بات أمراً حتمياً. ولكن هل حرص الحركة على هذا التواجد .. يمكن أن يبرر لها التنازل عن ثوابتها، حتى في حال رفض أي من دول النظام الرسمي العربي استضافة قيادتها السياسية بدلاً من دمشق؟.
بالقطع لا .. وإلا فإن على حماس أن تستعد للتنازل عن ثوابتها بشأن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني من أيدي مغتصبيها الصهاينة .. فتقبل بشروط اللجنة الرباعية .. وتقبل باتفاق أوسلو .. وقبل هذا وذاك .. تعترف بالكيان العبري .. وبشرعية قيامه على الأرض الفلسطينية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية عام 48 .. وغير ذلك الكثير الكثير.
على أية حال .. يبدو أن القيادة السياسية لحركة حماس، تعرف ما ينبغي عليها عمله حيال مسالة تواجدها على الأرض السورية .. وهذا ما رأيناه مؤخراً في مغادرة معظم عناصرها وعائلاتهم- إن لم يكن جميعهم- لدمشق دون أن يغلقوا مكاتب الحركة، الأمر الذي يُعدُّ تصرفاً سليماً .. يجمع ما بين التأييد الضمني لثورة الشعب السوري، وبين تجنب الوقوع في براثن نظام بشار الأسد من ناحية أخرى.