أكد الفنان التشكيلي والناقد عز الدين نجيب أن مشروع د. ثروت عكاشة كان قائما على أساسين، الأول هو الانطلاق إلى الجمهور في محافظات مصر المختلفة، والثاني هو عمل بنية تحتية للثقافة على مستوى الجمهورية. جاء ذلك خلال الندوة التي أقيمت أول أمس في معرض القاهرة الدولي للكتاب بمناسبة صدور ثلاثة أجزاء من موسوعة عكاشة الكبرى والتي صدرت بعنوان "العين تسمع والأذن ترى". وقال نجيب أن عكاشة كان من المقربين إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وكان من الضباط الأحرار، وتولى منصب وزير الثقافة لاهتمامه بالثقافة منذ البداية، وعندما زار أوروبا وجد أن هذه البلاد التي تقدمت حولت القصور الرئاسية إلى قصور للشعب، ومن هنا كانت فكرته أن تكون القصور في مصر صورة مما رآها في الدول المتقدمة. مضيفا أن العمل الأول الذي قام به حين تولى وزارة الثقافة وبناء عشرة قصور ما بين الوجه البحري والقبلي، تمثل الرئة التي تشمل المثقفين ويتواصلون فيها مع الجمهور. ومن هذه البنية التحتية التي وضعها عكاشة حملة لإنشاء متاحف نوعية، من بينها متحف الفن الحديث، الحضارة، محمود خليل، إلى جانب تطوير المتاحف التي كانت موجودة من قبل، كالمتحف المصري والإسلامي والقبطي؛ حيث كانت المتاحف هي الأعمدة الأساسية في فكر ثروت عكاشة؛ لأنه كان يرى أن تقدم الأمم يبنى على الأصالة والانفتاح على العالم المتقدم، ومن هنا كان يرعى الفنون التراثية والحضارية كما رعى الفنون والآداب الحديثة. وأشار نجيب إلى أن فكرة معرض القاهرة الدولي للكتاب كانت ضمن مشروع ثروت عكاشة في الدورة الثانية من توليه وزارة الثقافة عندما شغلها عام 1966، إلى جانب قصور الثقافة والمتاحف وهيئة الكتاب؛ حيث كان مشروعه يعتمد على بناء المؤسسات الثقافية التعليمية كأكاديمية الفنون التي تضم معاهد فنية خمس وهو من وضع أساسها منذ توليه وزارة الثقافة. وكان لديه مشروع رائع يتطلع لتنفيذه وهو مدينة الفنون لكنه لم ينفذها بعد، وهو نفس المكان الذي تشغل أكاديمية الفنون جزء منه، وكان على مساحة 16 فدانا، وكانت ستضم الفنون الشعبية والحرف التقليدية. وأوضح نجيب أن ركائز مشروع عكاشة هو إحياء الحضارة والتراث المصري، وتذكر نقل معبد أبو سمبل إلى مكانه الحالي بعد أن كان سيغرق في مياه بحيرة السد العالي، وهذه كانت معجزة علمية، لأن معبد ابو سمبل كان جزء منحوت في داخل الجبل وعمره أكثر من 4000 عام، وكان هذا المشروع صعب تمويله، لكنه وصل فكرته إلى من حمله دولية واستطاع أن يتعاون فيها مع منظمة اليونسكو التي دعت الخبراء والعلماء ليقوموا بهذه المعجزة العلمية. كما اهتم عكاشة بالآثار الحية فانشأ مجموعة من المراكز للحرف التقليدية منها مبنى وكالة الغوري، ومبنى سبيل أم عباس، وسراي المنسترلي في الروضة، وبيت السناري، هذه المباني الأثرية القديمة كانت خاوية لا يوجد فيها أي استغلال ونجح عكاشة بوضع استراتيجية بالعمل فيها، بهدف تطوير التراث الحرفي القديم، وربطه بالفنون المعاصرة. أيضا اهتم عكاشة بإنشاء الفرق الفنية المختلفة بين فرق مسرحية، موسيقية، غنائية، باليه، ولم تشهد القاهرة هذه الفنون إلا بعد إنشاء أكاديمية الفنون التي أنشأها عكاشة. وأيضا دعم السينما وعمل مؤسسة عامة للسينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وكانت الدولة هي المسئولة عن هذه الأنشطة لأن الدولة كانت تتبنى فكرة أن الفن والثقافة ضرورة للمواطن لابد من دعمها على عكس ما يحدث الآن. وذكر نجيب بتصريح وزير الثقافة السابق أبوغازي، حين أشار أن نصيب المواطن المصري من قصور الثقافة 35 قرشا في العام، على الرغم من أن نصيبه في السيتينيات كان عشرة أضعاف هذا الرقم . وأضاف نجيب أن عكاشة كان معنيا بخلق قيادات جديدة للعمل الثقافي من الشباب، وقال أنه شخصيا أحد هؤلاء الشباب الذي أسند إليه إدارة قصر ثقافة في كفر الشيخ وعمره لم يتجاوز ستة وعشرين عاما، وعمل وقتها على إنشاء هذا القصر بالجهود الذاتية. كما وضع عكاشة مشروع منحة التفرغ، وأسس مشروع صندوق الرعاية الاجتماعية للفنانين والأدباء، اختص بحالات المرض والعجز والوفاة للذين لم يستطيعوا مواجهة هذه الظروف سواء من الشباب أو الشيوخ، وهنا أعطى للمبدع حقه في الدولة أن ترعاه . وأوضح نجيب أن عكاشة كان يدعم الإبداع أيضا عن طريق المقتنيات التي تقتنيها الوزارة من الفنانين التشكيليين لتزود المتاحف الفنية. إلى جانب بعثات الشباب للدراسة في دول اوروبا الشرقية. وقال نجيب أن أهم ما نذكره الآن ونحن في خضم ثورة الحرية والديمقراطية، أن عكاشة تبنى الثورة ولم يدخل فنان أو مثقف إلى السجون في عصره، وكانت هيئة الكتاب يرأسها محمود أمين العالم وكان من قادة اليسار الذين حاربهم عبد الناصر، وما إن غادر عكاشة الوزارة حتى تم التخلص من كل هذه القيادات. وتحدث نجيب عن السلسلة التي أصدرها عكاشة في 12 جزء، تبنت الدولة نشر حوالي خمس أجزاء وكان لا يزيد ثمن الجزء عن 20 جنيها، والباقي نشر عن دور نشر خاصة، لكن الآن يباع الجزء الواحد بأكثر من مائة جنية أي يصل المجلد إلى 2000 جنية للمجموعة كلها، إذا أصبحت الثقافة للأغنياء فقط!!. وأشار نجيب إلى أن الأعمدة التي قام عليها مشروع عكاشة في المؤلفات، هو تأسيس ثقافة موسوعية عن الفنون تقوم على قاعدة معرفية عريقة من الفن التشكيلي للعمارة والموسيقى وغيرها من إبداعات، وكان عكاشة معني في كل جزء بأن يختص بحقبة تاريخية أو فن من الفنون، وسلط الضوء على الحضارات القديمة، وأول جزأين من الموسوعة كانا عن الفن المصري القديم، وقام المنهج على تعميقه هو التحليل المنهجي والنقدي بلغة علمية ذات جماليات أسلوبية. ومن جانبه رأى الناقد أسامة عفيفي أن عكاشة ظاهرة ثقافية بنت عصرها وجيلها، فهو ولد في عشرينيات القرن الماضي عام 1921، ونمى وعيه وهو شاب يافع في الثلاثينيات من القرن؛ حيث كانت مصر مليئة بتيارات النهضة المختلفة، وكان مقتنعا برعاية الدولة للثقافة والأخلاق . وكان يهتم بالبطولة، ويقرأ سير العظماء؛ كتب عن البطولة عند جنكيس خان، وطبعه على نفقته الخاص عام 1951 قبل الثورة، وحصل على مؤهل عسكري وآخر بالترجمة ، وكان يترجم روايات أدبية في صغره وكتب مقالات تحت اسم ثروت محمود في الفترة من 1949، وحتى 1952 في جريدة المصري باسم مستعار. وكان عكاشة ليبراليا، ومع ذلك حين أوكل إليه عبدالناصر رئاسة مجلة "التحرير" وكان طاقمها من اليسار كعبدالرحمن الخميسي واحمد الشرقاوي لم يغير منهم أحد، وتبنى حملة اليونيسكو لمحو الأمية والسلام العالمي ونشر المعارف بالأرياف، ودعم إنقاذ آثار النوبة .