يستغرب الكثير من الأخوة لما يحدث في ليبيا هذه الأيام , وخصوصا بعد تحرير طرابلس , وبعد إعلان تحرير كامل التراب الليبي بتخليص مدينة سرت من بقية أزلام الطاغية , و قتل المقبور وابنه والقبض على الآخر وهروب بقيتهم إلى دول إفريقيا . بالطبع كنا جميعا نتمنى أن تمر المرحلة الانتقالية من سقوط الطاغية إلى الانتخابات العامة , بهدوء , وان تكون أكثر سلاسة , كما حدث في تونس الحبيبة , ولكن هذه أماني لم تتحقق , وإن كان الهدوء بدأ يعود للمدن الليبية , وتعود الحياة اليومية إلى مسارها الطبيعي تدريجيا . وسبب هذا في رأيي ورأي الكثير يعود إلى عدة أسباب ,سأتناول بعضها في هذه المقالة , السبب الأول , هو طول المدة التي حكمها القذافي والتي امتدت إلى اكثر من أربعة عقود , وهذا يجعل تأثيره الثقافي والاجتماعي والتعليمي ممتد , فأكثر الموجودين الآن تعلموا وتثقفوا ودرسوا من خلال نظام القذافي , وتشربوا ببعض طرقه ووسائل تعامله , ولم يتعرفوا على سبل أخرى في التعامل مع الآراء المختلفة والرؤى المتعددة , فهم يعرفوا شيئان فقط , نعم أو لا , أبيض أو أسود , صح أو خطأ , وطني أو خائن , وهذه الرؤية تجعلهم محتارين كيف يتعاملون مع الأحزاب التي بدأت تظهر , والآراء المتباينة التي بدأت تطفوا على السطح , فلا هم يقبلونها كلها ولا هم يرفضونها كلها . وهذه إشكالية لا تزول سريعا , وتحتاج إلى توعية مكثفة . فحتى في الإسلام ليس الكفر كله واحد , فهناك كفر الإلوهية وهنالك كفر النعمة , وبينهما فرق كبير , وحتى في الفتاوى فنجد إن علماء الدين اختلفوا فيما بينهم في الكثير , ولذلك لا أرى سببا يدعوا للخوف من هذه النقطة , والتي لا تلبث أن تزول بالتوعية والثقافة .
السبب الثاني , وهو أيضا ناتج عن طول فترة حكم القذافي , وكراهية الشعب لهذه الفترة واعتبار كل من عمل مع القذافي أو ارتبط معه ولو حتى بصورة فوتوغرافية , هو أو أبناءه , أزلام وتابعين للقذافي . وهنا نجد إن اكثر الناس إما عمل من خلال مؤسسات وهيئات ليبية خلال فترة القذافي , أو استفاد بطريقة ما خلال فترة حكمه , وكل هؤلاء موصومون بالعمالة , أو مشكوك في ولائهم للثورة . وهذه تكاد تكون من أهم المشاكل التي تعاني منها الحكومة والقيادة الليبية اليوم , فهي تحتاج للكثير من الكفاءات والتي لها خبرة في إدارة العمل في الدولة , وهي لا تجد إلا ليبيون عملوا في فترة القذافي أو ليبيون مقيمون في الخارج , وهؤلاء أيضا تدور حولهم شكوك البعض , فالذي عمل خلال فترة القذافي مرفوض للبعض , والشخصيات المقيمة في الخارج مرفوضة من البعض الآخر .
السبب الثالث , اعتقاد البعض أن ليبيا ستتحسن خلال أيام , واستعجالهم قطف نتائج الثورة , فهم يريدون الرخاء والتطور والمستشفيات خلال أيام قلائل . مما يجعلهم يغضبون إن لم يروا أحلامهم وآمالهم تتحقق وسريعا .
السبب الرابع , ضعف أداء المجلس الوطني الانتقالي في التجاوب مع الشارع , وانعدام الشفافية , وتحميل كل الثقل على السيد المستشار مصطفى عبد الجليل , يصاحب ذلك تصريحات غير مسئولة لبعض أعضاءه , وعدم قدرة المجلس الانتقالي على الالتحام مع الشعب بصورة تغلق الطريق على كل من يحاول الاصطياد في الماء العكر . وإن كنا نرى تصريحات متواصلة للمجلس ولكنها تصريحات تتسم بعدم الوضوح أو بإعطاء وعود لم تتحقق أو بإصدار قرارات تنفيذية وتضارب هذا من السلطة التنفيذية في حكومة الكيب . مما جعل عامل عدم الثقة يتوسع لدى الكثير ,
السبب الخامس , تولي بعض المعارضين السابقين والثوار لبعض المناصب , ولكنهم للأسف عملوا لمصالحهم الذاتية ولم يلتفتوا لحاجات الوطن والمواطن , مما ولد حاله من السخط لدى الكثيرين . وهؤلاء لم يتقدموا بما نسميه إقرار للذمة المالية قبل تعيينهم , ولم نرى أي طريقة لمحاسبتهم على ما استخدموه من المال العام ,
السبب السادس , تولي مجموعة ممن تدور حولهم شكوك بالإثراء على حساب الشعب في النظام السابق , دون أن يسبق تعيينهم تقديم أي تقرير حول أموالهم وأموال أسرهم , وكيفية اكتسابها , أو ما نسميه إقرار الذمة المالية ,
السبب السابع , تصارع القوى السياسية مع بعضها ومحاولات تشويه بعضها البعض بنفس أسلوب الطاغية وهو الاتهام بالفساد والخيانة والتبعية للخارج وغيرها من الأساليب التي جعلت المواطن الليبي يفقد الثقة في الكثير منها , بينما لو استغلت هذه الفترة للتوعية حول الديمقراطية وتقبل الفكر والفكر الآخر وتقبل الآراء المخالفة , لكان خير لها ولليبيا .
كيف يتم التخلص من هذه المشاكل وحل هذه المعضلات ؟
هنالك واجبات على المجلس الوطني الانتقالي و الذي أظن إننا سنرى خلال الفترة القريبة القادمة عمليات استقالة كثيرة بدأت بالسيد عبدالحفيظ غوقة وستشمل الكثير منهم , منها الشفافية ووضع المواطن الليبي أمام الصورة الحقيقية , ومثال على ذلك , المواطن الليبي يسمع عن مليارات من النقود والذهب التي وجدت في أماكن في الدولة , ويسمع عن مليارات القذافي التي أفرج عنها أو في طريقها للإفراج ويسمع عن تصدير كميات كبيرة من النفط , ولكنه لا يرى أي أثر لهذه الأرقام الكبيرة على ارض الواقع . كما يجب على المجلس الوطني الانتقالي أن يرفع يده كاملا عن السلطة التنفيذية , ويكون مراقبا وسلطة محاسبة للمسئولين فيها , مما يخفف من عبئ العمل اليومي وفي نفس الوقت يرى المواطن الليبي أن المسئولين التنفيذيين يحاسبون على كل دينار صرفوه , ويمكنهم الاستعانة بمؤسسات عالمية مختصة بمثل هذه المحاسبة .
وهنالك واجبات على الحكومة الليبية , وهي أن تضع أولويات الشعب أولويات لها , وهي إنشاء للأمن العام والجيش ونشر الآمان ثم الأمن الغذائي ,
ولا ننسى قضية الجرحى الليبيين , وهذه القضية حاولت شخصيا التدخل فيها جاهدا ولكن دائما توضع العراقيل في وجهي , بينما لدي حل جذري لها وخلال ما لا يزيد عن أسبوعين , ولكن بسبب هذه العراقيل استغرقت محاولاتي أشهر , والى الآن لم أرى أي تجاوب يذكر . وهذه أصرح بها وللمرة الأولى . ولدي من الوثائق ما يثبت ما أقول . مما يجعلني أقول انه ليس هنالك سعي صادق لحل مثل هذه المشكلة البسيطة , فكل خطوة أخطوها تأخذ اكثر من شهرين من الاتصالات .
إذا حلت هذه الثلاث قضايا الأمن والأمن الغذائي والجرحى , فلا أظن انه ستكون هنالك مشاكل كبيرة , بل سنكون دخلنا في الثورة السياسية بعد الثورة المسلحة , ولكن بعدم حل هذه المشاكل , سيستمر السلاح في أيدي البعض لأنهم لا يحسون بالأمان , ويشعرون بان تضحياتهم معرضة للخطر .