«الطغاة يشبهون مرض السرطان، منهم الحميد الذى يسهل استئصاله، ومنهم الخبيث الذى لا يترك صاحبه إلا بعد أن يقتله» هكذا تحدث الأديب والدبلوماسى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه عن صراع الشعوب مع الطغاة فى الوطن العربى فى حواره مع «الشروق»، معتبرا أن القذافى كان «ورما خبيثا» استطاع الشعب الليبى هزيمته. الفقيه الذى ولد فى 28 ديسمبر 1942 ويحمل درجة الدكتواره فى الأدب العربى الحديث من جامعة ادنبره باسكتلندا، عمل كذلك سفيرا لليبيا فى أثينا وبوخارست وكانت تربطه بالقذافى علاقة وطيدة.. ومن هنا كان منطلق حوارنا معه. ● ما هى حدود علاقتك بالقذافى؟ كنت مقربا من القذافى ليس إيمانا به، ولكن لأتقى شره وإجرامه، فقد كان على مدار 42 عاما هى مدة حكمه لليبيا شاذا فى كل شئونه وتصرفاته وقراراته. أدخل ليبيا فى معارك لا دخل لها فيه، وأهدر ثروات الشعب الليبى، واستخدمها لجلب المصائب والبلاء للشعب. ● هل كان لديك يقين أن القذافى سيسقط؟ فى حروب التحرير التى تخوضها الشعوب ضد الطغاة، تبدأ نهاية الطاغية حينما يرتفع صوت الشعب بكلمة «لا» فى وجهه، إنها لحظة المواجهة، فحينما يسقط جدار الخوف بين الشعب والطاغية تأتى لحظة حسم الصراع لصالح الشعب، وفى فبراير دق الليبيون المسمار الأول فى نعش القذافى، حينها تأكدت يقينا أن نظام العقيد انتهى. الطغاة يشبهون مرض السرطان، منهم الحميد الذى يسهل استئصاله، ومنهم الخبيث الذى لا يترك صاحبه إلا بعد أن يقتله، ولكن إذا كان قوى الإرادة وقوى العزيمة سيهزمه مهما طال الزمن. والقذافى كان «ورما خبيثا» استطاع الشعب الليبى صرعه ونجح فى الانتصار عليه انتصارا تفخر به البشرية جمعاء ● هل كنت تتخيل تحرير طرابلس بهذه السرعة؟ كانت لحظة تفوق الوصف، لم نكن نتخيل أن تحرير طرابلس سيأتى بهذه السرعة، ستة أشهر من النضال، كللت بسيطرة الثوار على باب العزيزية، فكتائب القذافى أنهكت فى القتال فى الجبل الغربى ومصراته والبريقة، وتجلت بشائر النصر منذ بدأت انتفاضة طرابلس من الداخل لاستقبال الثوار، فكان دخول طرابلس سهلا يسيرا رغم الخسائر المادية والبشرية فإن الحرية لا تقدر بثمن. ● كيف ترى مصير القذافى؟ أتمنى ان يقبض عليه حيا ونراه فى قفص الاتهام يحاكم فى ليبيا، ليرى العالم سجلا أسود لا نظير له فى تاريخ البشرية، واتمنى ايضا أن يحاكم أولاده، فذريته أعظم منه بطشا وأكثر منه شرا وعلى رأسهم سيف الإسلام. ● متى يعود الاستقرار إلى ليبيا؟ طالما ظل القذافى حرا، ستستمر المعارك، فالقبض على رأس الأفعى سيوقف سيل الدماء، وسيعيد الاستقرار لليبيا، خاصة أن المجلس الوطنى الانتقالى مستعد للمرحلة الانتقالية ببرنامج يضم تشكيل حكومة انتقالية وصياغة دستور جديد وإعداد قانون للانتخابات، وهذه الإجراءات لن تستغرق أكثر من سنة. ● إذن.. ما هى أهم مهام المجلس الانتقالى فى الفترة المقبلة؟ أهم مشكلتين هما الأمن والاقتصاد خاصة ان فلول القذافى ليسوا كذيول نظام مبارك أو بن على، هم فلول إجرامية دموية ستخطط للانتقام من الشعب الليبى، لذا فإن تأمين حياة الناس ستأتى على رأس أولويات المجلس، كما أن إعادة بناء الاقتصاد الليبى هى المهمة الثانية. واعتقد أن ليبيا لديها من الامكانات المادية ما يمكنها من استعادة مكانتها الاقتصادية سريعا. ● البعض يرى أن المواطن الليبى غير مؤهل لممارسة الديمقراطية؟ غير صحيح على الإطلاق، فلا يمكن أن يكون شعبا انتفض ضد طاغية غير مؤهل لممارسة الديمقراطية، الليبيون مروا بتجربة مريرة ومؤلمة دفعوا ثمنها من دمائهم، وأهم الدروس المستفادة من هذه التجربة هى ترسيخ كل المبادئ المعاكسة لنظام القذافى. وهناك توافق على إنشاء دولة مدنية ديمقراطية. ● هل سيستغل الإسلاميون الفرصة للصعود للحكم؟ المجتمع الليبى عميق الإيمان ولكنه وسطى معتدل، والإسلاميون ليس لهم تأثير فى الشارع الليبى وهم أبعد ما يكونون عن حكم طرابلس برغم أنهم كانوا طرفا فى الثورة باعتراف المجلس الوطنى الانتقالى. ولكنهم لن يركبوا الثورة من وجهة نظرى لأن الشعب الليبى لن يسمح لأى فصيل أو حزب بسرقة ثورته. ● هل يطمع الغرب فى السيطرة على النفط الليبى كثمن لمساندته للثورة؟ لا أعتقد أن الغرب سيضع يده على النفط الليبى، فحلف شمال الأطلسى «الناتو» حينما بدأ فى تنفيذ عملياته فى ليبيا، كان ذلك تطبيقا للشرعية الدولية وتنفيذا لقرار الأممالمتحدة رقم 1973. وكثير من الليبيين ينظرون للناتو باعتباره هبة من السماء ساعدتهم على التخلص من الطاغية. ومسألة النفط تحكمها تعاقدات وشركات ستنظمها وتحفظ حقوق الليبيين. ● ما رأيك فى موقف مصر من الثورة الليبية؟ على مستوى الشعب المصرى أشعر بالامتنان لأن كل مواطن مصرى كان يؤيد الثورة كما حرص العديد من المصريين على إرسال مساعدات لإغاثة الشعب الليبى، لكن على المستوى الرسمى أنا حزين لتأخر اعتراف مصر بالمجلس الوطنى الانتقالى. فصحيح أن الحكومة المصرية ارتأت تأخير مساندة الثورة حرصا على حياة المصريين فى ليبيا وخوفا من انتقام القذافى لكن عز على أن تتاخر مصر عن نجدة شقيقتها ليبيا، كما أن استمرار بث قنوات القذافى قبل تحرير طرابلس على النايل سات كان يستفزنى. ● هل ستكتب عملا أدبيا عن الثورة الليبية؟ تدور فى مخيلتى إرهاصات رواية عن الثورة، ولكننى أنتظر نهاية الطاغية لأبدأ فى كتابة رواية عن الشيطان الأكبر الذى يعرفه الناس باسم «القذافى».