"محمد بوعزيزي" شاب يبلغ من العمر ستة وعشرين عاما، يحمل شهادة جامعية واضطر للعمل بائع خضر متجولا بسبب البطالة، أحرق نفسه في ديسمبر 2010، أمام مبنى محافظة سيدي بوزيد احتجاجا على معاملة الشرطة السيئة وإهانتها لكرامته، وتوفي في أوائل يناير 2011 في المستشفى متأثرا بجراحه. احتجاجه على حياة الفقر والهوان أطلق موجة غير مسبوقة من المظاهرات العفوية على سياسة التهميش التي تشهدها المناطق الداخلية من البلاد. نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية بلغ أربعة عشر بالمائة تقريبا وهي ظاهرة تقلق المجتمع التونسي. وعلى الرغم من التضييق الأمني الشديد إلا أن عددا كبيرا من المحتجين وجد متنفسا في التعبير على شبكة الإنترنت.
شاب آخر ينتحر علانية في الثاني والعشرين من ديسمبر، في منزل بوزيان، وهي نفس المدينة التي شهدت مقتل شخصين برصاص الشرطة عندما تدخلت قوات الأمن لفض الاحتجاجات.
لم تعتد البلاد هذا النوع من الاحتجاجات في عهد الرئيس بن علي، الذي يتربع على كرسي الرئاسة منذ ثلاثة وعشرين عاما، بسبب السياسة القمعية التي يتبعها نظامه.
لكن تزايد عدد المنضمين إلى حركة الاحتجاج أجبره على كسر الصمت فقام بتهديد المحتجين وسارع بإقالة محافظ سيدي بوزيد وبتعديل حكومي استهدف وزير الإعلام.
سياسة كم الأفواه نجحت في وضع المعارضة في صفوف المشاهدين الذين يراقبون ما يدور في الشارع دون المخاطرة بالتدخل، الجميع يعرف أن أحداث سيدي بوزيد ربما لن تقود إلى تغيير سياسي جوهري في البلاد، ولكنها تظل شاهدا على عمق المأساة التي يعيشها المجتمع والشباب التونسيان.
ولكن تطورت الأحداث في تونس بشكل ملحوظ، وخرج الشعب التونسي إلي الشوارع مطالبا بحقوقه، وانطلقت المظاهرات والاحتجاجات التي راح ضحيتها الكثير من أبناء تونس، مما يدل علي أن الشعب التونسي شعبا أصيلا لا يتنازل عن حقوقه.
فقد خرج هذا الشعب محتجا ومنددا بسياسة القمع وتردي الأحوال المعيشية وارتفاع الأسعار وتزايد معدلات البطالة، وبعد العديد من المظاهرات والاحتجاجات، قام الرئيس زين العابدين بإقالة وزير الداخلية وأمر بالإفراج عن المعتقلين جراء المظاهرات ووعد الشعب التونسي بان الأحوال سوف تتحسن وانه يطلب من الشعب التونسي أن يهدأ. ولم يمض علي هذا الخطاب طويلا إلا وفؤجئ الشعب التونسي والعالم كله بخبر هروب الرئيس التونسي زين العابدين خارج البلاد، وتولي الوزير الأول محمد الغنوشي مهام الرئاسة مؤقتا لحين إقامة انتخابات مبكرة، وفرض علي الشعب التونسي حظر التجول.
ثم توالت الأحداث كالتالي، قرر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا في تونس فصل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وستة من أقرب معاونيه من صفوفه، على ما أعلنت وكالة الأنباء الحكومية. قدم الرئيس التونسي بالإنابة فؤاد المبزع ورئيس الوزراء محمد الغنوشي استقالتهما من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ، حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، على ما أعلنت وكالة الأنباء التونسية الحكومية. قال علي العريض القيادي في حزب "النهضة" الإسلامي المحظور في تونس، إن حركته "تنوي تقديم طلب ترخيص" لتكون "طرفا مثل باقي الأطراف" السياسية في البلاد عودة منصف المرزوقي المعارض التاريخي لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى تونس، على ما أعلنت وكالة الأنباء التونسية الحكومية.
وقالت الوكالة "عاد منصف المرزوقي رئيس "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" المحظور"اليوم الثلاثاء إلى تونس بعد سنوات من منفاه بالعاصمة الفرنسية باريس".
وأضافت أن المرزوقي استقبل في مطار تونسقرطاج الدولي من قبل "عدد هام" من مناضلي حزبه "الذين رفعوا شعارات احتجاجية على الوضع السياسي الراهن في تونس
قدم ثلاثة وزراء ينتمون للاتحاد العام التونسي للشغل استقالاتهم من حكومة الوحدة الوطنية التي أعلنت الاثنين، بطلب من الاتحاد على ما أعلن أحدهم حسين الديماسي، وقال الديماسي "نحن ننسحب من الحكومة بطلب من نقابتنا". كما أكد حسين الديماسي استقالة وزيرين آخرين يمثلان أيضا الاتحاد العام التونسي للشغل وهما عبد الجليل البدوي الذي يشغل منصب وزير لدى الوزير الأول وأنور بن قدور، وزير الدولة للنقل والتجهيز. وقد أكدت وكالة الأنباء الحكومية التونسية استقالة الوزراء الثلاثة. أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن اعتزام ثلاثة وزراء يمثلون الاتحاد الاستقالة من حكومة الوحدة الوطنية التي أعلنها الوزير الأول محمد الغنوشي.
ثم توالت الأحداث بعد ذلك إلى أن وصلت إلى مرحلة الانتخابات الحرة التي أسفرت عن إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فوز حزب النهضة الإسلامي في انتخابات المجلس التأسيس البالغ عدد مقاعده 217 مقعدا والذي سيشكل المؤسسات الديمقراطية الجديدة في تونس بعد 10 أشهر من ثورة أطلقت انتفاضات «الربيع العربي».
وفيما يلي جدول يظهر نتائج الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر كما أعلنتها الهيئة
- حركة النهضة 90 مقعد - حزب المؤتمر من اجل الجمهورية 30 مقعد - التكتل الديمقراطي 21 مقعد - قائمة العريضة الشعبية 19 مقعد - الحزب الديمقراطي التقدمي 17 مقعد - حزب المبادرة 5 مقاعد - القطب الديمقراطي الحداثي 5 مقاعد - حزب آفاق تونس 5 مقاعد - حزب العمال الشيوعي التونسي 3 مقاعد - مستقلون/أحزاب صغيرة 12 مقعد ثم تلا ذلك إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي على أن يتولى اليساريان منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر منصبي رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي على التوالي، بينما يصبح الأمين العام لحزب «النهضة الإسلامي» حمادي الجبالي رئيسا للحكومة. المنصف المرزوقي يتولى رئاسة تونس في الذكرى الأولى لاندلاع الثورة وقد أدى الرئيس التونسي الجديد "محمد المنصف المرزوقي" اليمين الدستورية أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بحضور كبار مسئولي الدولة.
وكان المجلس التأسيسي قد انتخب المرزوقي زعيم حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" رئيسا للجمهورية بأغلبية كبيرة.
وقد تعهد المرزوقي أثناء أدائه القسم بالحفاظ على المصالح الوطنية ودولة القانون والمؤسسات وأن يكون "وفيا للشهداء وأهداف الثورة" ، كما وعد المرزوقي بأن يكون "رئيسا لكل التونسيين وألا يدخر جهدا من أجل تحسين مستوى معيشة مواطنيه".
وتجدر الإشارة إلى أن المرزوقي البالغ من العمر 66 عاما قد حصل على 153 صوتا مقابل ثلاثة أصوات معارضة وامتناع اثنين عن التصويت و44 بطاقة بيضاء من إجمالي 202 عضو من أعضاء المجلس البالغ عددهم 217.
وسيشغل المرزوقي المنصب لمدة عام إلى أن يوضع الدستور الجديد وتجرى انتخابات جديدة. يشار إلى أن المرزوقي الذي تعرض للسجن والنفي لمعارضته الرئيس السابق زين العابدين بن علي يحظى باحترام كثير من التونسيين لثباته في معارضة الحكم الاستبدادي.
في الوقت نفسه ، ينظر إلى اختيار المرزوقي لشغل منصب الرئيس على أنه سيشكل توازنا علمانيا لمواجهة حركة النهضة الإسلامية المهيمنة حاليا على الساحة السياسية في تونس.