فى مثل هذا اليوم من العام 1950 من القرن الماضى رحل عن عالمنا القارئ المصري الشهير الشيخ محمد رفعت والملقب ب"قيثارة السماء" عن عمر يناهز 68 عاما. ولد الشيخ في يوم الاثنين 9 مايو 1882، بحي المغربلين بالقاهرة وتوفي في نفس تاريخ ميلاده يوم الاثنين 9 مايو 1950، ولقب ب"المعجزة" نظرا لعذوبة صوته الشديدة. فقد بصره صغيراً وهو في سن الثانية من عمره، فقد كان جميلا جدا عند ولادته، فحسدته إحدى السيدات فقالت: له عيون ملوك فالعين حق تدخل الجمل القدر وتدخل الرجل القبر، فأصيب بالعمي نتيجة مرض أصاب عينيه. حفظ القرآن في سن الخامسة، حيث التحق بكتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب ودرس علم القراءات وعلم التفسير ثم المقامات الموسيقية على أيدى شيوخ عصره. توفي والده محمود رفعت والذي كان يعمل مأمور بقسم شرطة الخليفة وهو في التاسعة من عمره فوجد الطفل اليتيم نفسه مسئولا عن أسرته وأصبح عائلها الوحيد، فلجأ إلى القرآن يعتصم به ولا يرتزق منه، تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب سنة 1918م وهو في سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس. أفتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، وذلك بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتي له بجواز ذلك فافتتحها بقول من أول سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، ولما سمعت الإذاعة البريطانية بي بي سي العربية صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتي الإمام المراغي فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم. يروي عن الشيخ أنه كان رحيما رقيقا ذا مشاعر جياشا عطوفا علي الفقراء والمحتاجين، حتي أنه كان يطمئن على فرسه كل يوم ويوصي بإطعامه، ويروي أنه زار صديقا له قبيل موته فقال له صديقه من يرعي فتاتي بعد موتي، فتأثر الشيخ بذلك، وفي اليوم التالي والشيخ يقرأ القرآن من سورة الضحى حتي وصل الي قول (فأما اليتيم فلا تقهر) فتذكر الفتاة وانهال في البكاء بحرارة، ثم خصص مبلغا من المال للفتاة حتي تزوجت. ومع اقتراب شهر رمضان المبارك فانه يعد أحد أهم ملامح شهر رمضان الكريم عند المصريين ، حيث تتم تلاوة القرآن بصوته ثم يصافح صوته أذان المغرب في معظم المحطات الإذاعية والتليفزيونية. وجاءت شهرته بسبب إخلاصه في عملة بالإضافة إلى تركيز الإذاعة المصرية على تلاواته خاصة في شهر رمضان، إلى أن ارتبط صوته في أذهان المصريين بهذا الشهر الكريم. ولا يزال صوت محمد رفعت يغرد في تليفزيونات العالم العربي والإسلامي وينجذب إليه الكثير من الأجيال الشابة الذين لم يعاصروه ولم يروه. كان لمحمد رفعت أسلوبا مميزا ومدرسة متفردة، أعد بها أحد الأقطاب الذين ساهموا في تشكيل وجدان الشعب المصري، فكان كفاحه الأكبر في تنمية موهبته وصقلها، كما كان همه طيلة حياته تلاوة القرآن الكريم وتبليغ رسالته. وقد نادى حفيده المحاسب إبراهيم محمد رفعت بإنقاذ تراث جده، وقال إنه طلب كثيرا من المتخصصين في هذا المجال بإذاعة نوادر تسجيلات الشيخ الراحل التي تبلغغ 60 ساعة. الحفيد قال إن أغرب ما حكي عن جده أن من يسمع صوت الشيخ الراحل يحس بأن الملائكة تسمعه، وأضاف: "الشيخ كان يقرأ ذات مرة في الحقل، فوجدنا شيئا عجيبا قد حدث، وهو أن العصافير التي كانت تجلس على الشجرة التي كان يجلس تحتها تصمت حينما كان يقرأ، وتتراقص وتصبح عندما كان يتوقف عن التلاوة من شدة جمال الصوت وعذوبته". أصيب الشيخ محمد رفعت في عام 1943م بمرض سرطان الحنجرة الذي كان معروفاً وقتئذ "بمرض الزغطة" وتوقف عن القراءة، ويقال: انه بالرغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن قبول أي مدد أو عون ألح به عليه ملوك ورؤساء العالم الإسلامي، وكانت كلمته المشهورة "قارئ القرآن لا يهان".