عز الدين نجيب :أبو المجد احد رواد الفن المصري المعاصر المنسيين احسان عبدالقدوس :ابوالمجد مارس فنه العظيم في صمت دون ادعاء او مظهرية يلتقي عشاق الفن التشكيلي السبت القادم 5 نوفمبر ، في جاليري ضي –اتيليه العرب للثقافة والفنون - بمعرض الفنان الراحل محمود أبو المجد أحد الفنانين المصريين الكبار المنسيين من ذاكرة الحركة التشكيلية المصرية وهومن 1930م ويستمر المعرض لمدة أسبوعين . ومن المقرر أن يعرض الجاليري جميع أعمال الفنان في التصوير والرسم والنحت والجرافيك والتي تبلغ مائتي عمل .كما سيدشن اتيليه العرب علي هامش ليلة الافتتاح كتاب كبير يتناول جميع أعمال الفنان والكتاب تقديم الناقد العربي الكبير عز الدين ويحوي ايضا كلمة عن الفنان ابوالمجد كتبها الاديب الكبير احسان عبدالقدوس وكلمة بقلم الفنان ابو المجد . من جهته أوضح هشام قنديل رئيس مجلس ادرارة أتيليه العرب للثقافة والفنون وأشار أن المعرض سيكون مفاجأة للساحة التشكيلية المصرية والعربية بكل المقارييس وألمح قنديل أن معرض ابو المجد هو باكورة لمعارض قادمة في نفس الاتجاه بالبحث والتنقيب عن المواهب المصرية الكبيرة التي لم يلق أعمالها الضوء أو التي سقطت سهوا أو عمدا من ذاكرة الحركة التشكيلية المصرية وخصوصا أن أعمال هذا الفنان لا تقل بأي حال من الأحوال عن أعمال العظيمين عبدالهادي الجزار وحامد ندا علي حد تعبير الفنان المبدع صلاح المليجي الرئيس الاسبق لقطاع الفنون التشكيليه بمصر العربية أضافة الي ان هذا الفنان نحات أيضا وحفار عن تجربة الفنان أبو المجد يقول الفنان والناقد الكبير في جزء من دراسته عنه: هذا فنان خارج الزمان و المكان بعالمه غير المألوف، لذلك سقط سهوا من ذاكرة الحركة الفنية المعاصرة .. قدم خلال حياته ملاحم تراجيدية من أعمال التصوير و النحت تدخل في مجال الرؤى الميتافيزيقية، ما يجعلها جديرة بأن توضع ضمن أعمال كبار المبدعين في جيل الستينيات الذي ينتمي إليه، لكنه لم يلق إلا التجاهل و النسيان "حيا و ميتا" ، حتى من كلية الفنون الجميلة التي تخرج فيها عام 1959 و هي تحتفل بعيدها المئوي ! وأضاف لم أقرأ عن محمود أبو المجد )1930-2004(دراسة أو مقالا نقديا، بالرغم من حرصه على المشاركة بأعماله في المعرض العام السنوي للفنون التشكيلية منذ أولى دوراته عام 1969 حتى أوائل السعينيات و لا أدري إن كانت وزارة الثقافة التي عمل فيها كموظف نصف سنين عمره قد إقتنت بعض أعماله لمتحف الفن الحديث أم لا .. أغلب الظن أنها لم تفعل .. ! بالرغم من أن مشاركاته القليلة تلك قد شدت انتباه زوار المعرض العام في سنواته الاولى، إلى غرابة رؤاه الميتافيزيقية و أسلوبه الملحمي، إلى درجة أنك قد تجد تأثيرات واضحة من لوحاته الأسطورية بأسلوبه المميز في ثنايا أعمال بعض كبار فنانينا المعاصرين، دون أن يشيروا إلى هذا التأثر أو إلى أهمية الفنان نفسه، علما بأن مثل هذا التأثر أمر مشروع و لا يعيب المتأثر إنما يعيبه إنكار تأثره و عدم إعطائه كل ذي حق حقه . ! واستكمل : عرفت أبو المجد شخصيا في بداياتي الفنية أواخر الستينيات عند ترددي على مقر الادارة العامة للفنون الجميلة بمقرها القديم في سراي النصر بالجيزة، حيث كان يعمل موظفا بها، وكان يشكو دائما من تهميشه الطويل - عن عمد - بتسكينه في عمل إداري لا يناسب تخصصه فوق ما كان يعانيه من سوء معاملة المدير العام له، والمفترض أنه فنان يقدر قيمة المبدع و يعمل على مساعدته و إن كان رئيسا له، وربما عانيت شخصيا من سوء معاملة نفس المدير فترة عملي تحت رئاسته لكن لأسباب أخرى، إلا أن شخصية محمود أبو المجد جعلته يفضل قضاء ما تبقى من فترة خدمته بالحكومة بعيدا عن أية صراعات ويعمل في صمت و صبر بمنزله سنوات طويلة، دون أن يسعى لإقامة معارض لأعماله حتى يتواصل من خلالها مع متذوقي الفن و نقاده، ويوضع في مكانه الصحيح في الحركة الفنية، باستثناء معرضين علمت أنه أقامهما عامي، 1962 ،1968ولم أكن أقيم بالقاهرة خلال هذه الفترة، و قد حاولت مرارا معرفة مصيره و مصير أعماله و قت كتابتي لفصول كتابي » فنانون و شهداء » وأضاف فشلت في الامساك بخيط يوصلني إليه أو إليها، وظل بالنسبة لي فصلا مجهولا و عالما يستعصي الدخول إليه .. لكن هذا لا يعفيني من المسؤولية في الحقيقة .. ! و هأنذا الآن أعتذر عن تقصيري في حقه كأحد شهداء الفن في مصر! واليوم تقدم إلينا قاعة » ضي » بالمهندسين أعمال هذا الفنان بعد تجميعها من أسرته ربما لأول مرة , فيبدو بمثابة مفاجأة سارة إكتشاف مهم لفنان أصيل يملك رؤية ذاتية متفردة و حسا بنائيا. وقال عنه الاديب الكبير إحسان عبد القدوس: منذ عشر سنوات تقريبا زارني أبو المجد وهو يحمل ملفا ضخما، يحوى مخطوط ومجموعة كبيرة من الرسوم ، وطلب مني أن أراها و أساعده على نشرها ، ان كانت تصلح لذلك. كنت منشغلا بأعمال كثيرة هامة صرفني عن هذا الملف، وكان يزيدني إحجاما عنه كبر حجمه وضخامته .حانت الفرصة وفتحته، فرأيت عجبا ! كم هائل من الرسوم التي تأسر العين بروعتها وقوة تأثيرها، ونص أدبي مبسط عن رائعة أبي علاء المعرى» رسالة الغفران «ضمنه إضافات ومواقف درامية تزيد من قيمته وعمق معناه .وكان انطباعي الشخصي عنه، أن» أبو المجد «قد هام بفكرة العمل الأدبي، لكن موهبته الفنية جذبته إلى تجربة التعبير عن ذلك بالرسم فجاء هذا العمل القيم، الذي يلعب فيه الفن التشكيلي دورا يوازي الكلمة الأدبية .وطباعة هذا النوع من الكتب باهظ التكاليف يحتاج الى وقت طويل في انجازه وتوزيعه .ويزيد هذا العبء أو يقل تبعا لمكانة مؤلفه ...وبالنسبة لأبو المجد، فإن الأمر كان يبدو شاقا فعلا .حاولت اقناعه باختصار عدد صوره الى الربع، لكن رأيي هذا لم يوافقه، وحمل أوراقه ومضى .ومرت فترة من الوقت لم أراه فيها ، ففكرت في زيارته ..كان منهمكا في نحت كتلة ضخمة من الخشب، ومن حوله تتناثر الأزاميل والآلات الحادة التي يستخدمها، وقد بدا مشعثا غريب الشكل، تلتصق نشارة الخشب بملابسه وشعر رأسه، فتملكتني الدهشة وسألته- :هل وفقت الى ناشر يطبع لك كتابك ... فأجاب بالنفي وأشار الى جانب من مرسمه وقال- :انه هناك في مكانه، منذ جئت به من عندك- .هل ضايقك حديثي عنه يومئذ .. فقال وهو يبتسم- :لقد كان هذا الكتاب تجربة فنية أردت أن أخوضها ففعلت، وذلك شأني مع أعمال كثيرة قمت بها .انها كلها تجارب أخوضها لأشبع. ومن كتابات الفنان ابو المجد التي عثرنا عليها يقول تمضي الحياة في دروبها المتباينة، تهبط وتعلو بنا دون أن نقدر على تغيير مسارها إلى ما نحب ونرغب، والسعادة والشقاء عنصرين خالدين فيها، ولكل امرئ نصيبه منهما .و في كل الأحوال، فإن الفن ملجأ ظليل يأوى اليه الإنسان ليحتمي من وهج انفعالاته وح ّدتها في مواجهة الظروف التي لا قبل له بها .انها نعمة كبرى أحمد الله عليها أن جعلني قادراً على ممارسة الفن بصورة تستغرق كل تفكيري و اهتمامي، و تصرفني عن الانشغال بما يحيط بي من مغريات الحياة. فشظف العيش، و أنواء المسئولية، وقسوة البشر، تتلاشى جميعا أمام أي فنان حين يخلو إلى عمله بين أدواته و أصباغه ، وينسى كل شئ ما عداهم .لذلك تتنوع الخامات، وتتعدد طرق التنفيذ بين رسم ونحت وتصوير حسب مزاجي النفسي .إن هذا التنوع في استخدام الخامة عرض لمهاراتي التكتيكية، والحقيقة أني أحاول دائما أن أجد متنفسا لطاقتي، وطريقا أدفع اليها توترات نفسي الجياشة بمختلف العواطف والانفعالات . وأعمالي لها طابعها ، الذي يأخذ من تراث الأجداد ما يساعد على حرية العمل ، واتساع مداه الفكري والرمزي، ليتطابق تماما مع واقع الحياة التي أحياها.