هشام قنديل ليس رئيس الوزراء المصري الحالي، بل صاحب الرؤى الفنية التي تحلم بلم شمل الفنانين التشكيليين العرب في أتيليه الحلم العربي "أتيليه العرب". هو من بدأ الحلم في السعودية منذ أكثر من ربع قرن راعيا للفن الجميل لأكثر من ثلاثة أجيال، عبدالحليم رضوي، محمد السليم، بكر شيخون، عبدالله حماس، فهد الحجيلان، عبدالله ادريس، ومهدي الجريبي. أدار خلال رحلته مع الفن السعودي العديد من المؤسسات التشكيلية منها المركز السعودي للفنون التشكيلية، بيت الفنانين التشكيليين، قاعة "البعد الثالث"، الدار العربية للفنون، وأخيرا أتيليه جدة للفنون الجميلة الذي احتضن العديد من المعارض للفنانين المصريين الرواد والعرب منهم أحمد نوار، عمر النجدي، عادل السيوي، فرغلي عبدالحفيظ، محمد عبله، ومن لبنان عمران القييسي، إضافة إلى معظم نجوم الفن التشكيلي السعودي. الواعدات كن يلجأن إليه ليصوغ لهن "منفستو" دخول عالم الفن الجميل عبر معرض الواعدات السنوي الذي كان وما يزال يدشن الحلم لعالم فني جديد. قال أنه محارب ولن يتراجع عن افتتاحة أكثر من أربع قاعة للفنون التشكيلية في مصر تحت مسمى "أتيلية العرب"، وهذا على الرغم من دواعي التحريم والمرحلة الراهنة الصعبة التي نمر بها. وهدفه ليست البيزنس بل نشر الفن في كل بيت مصري وعربي. هشام قنديل أيضا من أكبر مقتني الأعمال التشكيلية للفنانين المصريين. فاجئنا خلال حواره مع "شبكة الإعلام العربية محيط" أنه فنان وناقد تشكيلي بل وشاعر أيضا. وأليكم الحوار: محيط – ألم يخيفك افتتاح القاعة في ظل الظروف التي تمر بها مصر، وبخاصة بعد إغلاق عدد من قاعات العرض بعد الثورة؟ قنديل : قرار إنشاء القاعة ليست بجديد، وأصر عليه؛ لأنه من المستحيل أن يحارب الفن في مصر، فهو باق منذ آلاف السنين، ومن الصعب جدا أن يفرض أي انهيار في المجتمع وصايا على الفن؛ فالفن في مصر مقدس؛ والدليل أن الفن التشكيلي مزدهر في السعودية التي تحمل نفس التقاليد والعادات الإسلامية، ونحن على مدار أكثر من ربع قرن ننظم المعارض في السعودية بدون أي معارضة، بل نجد التشجيع المستمر من الجهات المسئولة والممثلة في وزارة الثقافة والإعلام، وهناك دعم للفن التشكيلي بكل الصور، ونقوم بعرض أعمال بورتريهات وموديل ومجسمات لفنانين سعوديين ومصريين في "أتيلية جدة" ، ولا يوجد أي قيود، وعرضنا سابقا أعمال الفنانين عادل السيوي، فرغلي عبد الحفيظ، عمر النجدي، عبدالوهاب عبدالمحسن، محمد عبلة، وأحمد نوار وقائمة طويلة من الفنانين والفنانات. محيط – أيعني هذا أن "أتيلية جدة" متحيز للفنانين المصريين بشكل عام؟ قنديل: يوجه لي هذا الاتهام لأنني مصري حتى النخاع، ومؤمن بالتجربة المصرية أنها الرائدة لكل التجارب العربية، بل والنموذج الذي يحتذى به كل الفنانين العرب، كما أن معظم رواد الحركة التشكيلية العربية درسوا الفن في مصر. أما عن وسيلة الحصول على أعمال الفنانين المصريين فهي سهلة وأبسط على سبيل المثال من الحصول على أعمال الفنانين السوريين أو اللبنانيين وغيرهم؛ ولذلك كان الطبيعي أن تكون الغلبة للفنانين المصريين بالإضافة للفنانين السعوديين.ومع ذلك اقمت معارض عديدة لفنانين سودانيين وعراقيين وسوريين وفلسطنيين واعتز جدا بإقامة معرض الفنان الفلسطيني الكبير مصطفي الحلاج. محيط – هل لديك تخوف من التيار الإسلامي على قاعتك الجديدة في مصر؟ قنديل: لا يوجد أدنى تخوف، وهذه أزمة مفتعلة ولي أصدقاء فنانين تشكيليين وشعراء ينتمون لجماعة "الإخوان المسلمين"، وغير طبيعي أن يقرر بعض الفنانين الرحيل من مصر بعد تولي الإخوان الحكم، فالطبيعي هو المقاومة؛ لأنه من المستحيل إلغاء سبعة آلاف سنة فن في مصر، وهذا ما لم يفعله عمرو بن العاص فاتح مصر؛ ولذلك سنتصدى جميعا لكل من يريد تقييد الإبداع. محيط: ماذا ستفعل لو أتى إلى القاعة مجموعة ممن يسمون أنفسهم جماعة "الأمر بالمعروف" لمنع أحد العروض؟ قنديل: سأقاوم بكل ما أوتيت من فكر. والأمور ليست بفوضى. وأرى أن ما يحدث في السويس مغرض ومدسوس ووراءه أهداف سياسية أخرى، وهذا دخيل على مصر. ونحن بشكل عام نحافظ على القيم والمبادي والتقاليد، وضد أي أشياء تسئ للديانات بشكل عام. محيط – بماذا تقيم الحركة التشكيلية السعودية؟ قنديل: الحركة التشكيلية السعودية تطورت بشكل مذهل جدا، وبالفعل حقق الفنانين التشكيليين السعوديين حضورا قويا في البيناليات والترانيليات الدولية، بل فاز البعض منهم في هذه البيناليات، مثل هاشم سلطان رحمه الله الذي حصل على الجائزة الكبرى في بينالي "بنجلاتش" الدولي، كما فاز طه الصبان بجائزة في بينالي "طهران"، ومحمد الغامدي في بينالي "الشارقة". وهناك حضور للتجربة التشكيلية السعودية في الفنون الحديثة أذهل متابعي الحركة التشكيلية بشكل عام في العالم العربي. محيط – ما المساحة التي سيحصل عليها الفنان السعودي في أتيلية العرب؟ قنديل : سيكون حاضرا بقوة مع الفنانين التشكيليين العرب، كما كان للفنان المصري حضورا قويا في السعودية، وهذا نوع من رد الجميل للسعوديين لأنهم رحبوا بالتجربة المصرية. ومن العروض الأولى في "أتيلية العرب" معرض للفنان اللبناني حسين ماضي وهو من أهم الأسماء العربية؛ فأنا مؤمن بوحدة الفنانين العرب، وكل عام أقدم معرض "مختارات عربية" في "أتيلة جدة"، وأرى أن الفن يجمع ما فرقته السياسة. محيط – وهل سيكون هناك مساحة لعرض أعمال الفنانين الشباب؟ قنديل: هذا دور أساسي ستقوم به القاعة (فيديو)، وفي "أتيلية جدة" سبق وقدمت 13 دورة من معرض "فنانات واعدات" أخرج أسماء كثيرة كعلا حجازي، حنان الحلواني، منى أبو الفرج، نجلاء السليم وسارة كلكتاوي وغيرهم. أما في "أتيلية العرب" سنقيم معارض لتجارب الفنانين المصريين والعرب، وسيكون هناك اهتمام كبير بالتجارب الجادة للشباب بالإضافة للفنانين المصريين والعرب الكبار. محيط – هل تأثرت الحركة التشكيلية السعودية بالربيع العربي؟ قنديل: لم تتأثر، وكل شيء على ما يرام، نقيم المعارض بشكل مستمر، ووظفنا هذه الفترة وأقمنا معرض ضم أعمال الكثير من الفنانين المصريين بسبب تأثر العرض في مصر بعد الثورة. محيط – حدثنا عن تخطيطك المستقبلي ل"أتيلية العرب"؟ قنديل: سوف نفتتح الفرع الأول في المهندسين في بداية الموسم القادم، ونخطط بعدها لافتتاح فروع أخري؛ حيث سنفتتح بعدة بفترة قليله جدا فرع في الزمالك، والمسألة غير مرتبطة بالبيزنس وعالم المال، لكنني أؤمن بقيمة الفن التشكيلي؛ فهو مقياس لتقدم وحضارة كل الأمم. كما لدينا هدف اجتماعي آخر وهو نشر الفن في كل بيت مصري أو عربي؛ لأن هناك فجوة شاسعة بين الجمهور والفنون التشكيلية التي يهتم بها نخبة قليلة جدا من المجتمع قد لا تتجاوز 5 %؛ ولذلك سنحاول أدخال الفن في البيوت والشوارع والمدارس. محيط – كيف سيتم ذلك؟ قنديل: سنقوم بدور بسيط، وهو أنه بمجرد افتتاح عدة قاعات في مصر مع مجموعة من المخاطر سننشر الفن، وستختص إحدى القاعات بتعليم الفنون بشكل عام بأسلوب يقترب من التعليم الجامعي؛ حيث سنستقطب مجموعة من الفنانين الكبار أساتذة كلية الفنون الجميلة في كل المجالات، سيقدمون دبلومة خاصة ستكون بمثابة أكاديمية خاصة للفنون التشكيلية. محيط – هل سيكون هناك علاقة تربط "أتيلية جدة" ب"أتيلية العرب"؟ قنديل: بالطبع، ف"أتيلية جدة" هو "أتيلية العرب". محيط: لماذا إذا غيرت مسمى الأتيلية؟ قنديل: أردت التوسع عن مسمى "جدة"، وخصوصا أن اتجاهنا عربي، ولذلك قررت أن يكون "أتيلية العرب". محيط –هل سيقدم "أتيلية العرب" أنشطة أخرى بخلاف عروض الفنون التشكيلية؟ قنديل: بالفعل، سيكون "أتيلية العرب" مركز ثقافي يضم أمسيات شعرية، ندوات أدبية، حفلات موسيقية، مسرح، وكل ما يتعلق بالفنون بشكل عام، فأنا مؤمن تماما بوحدة الفنون. محيط – ما طبيعة العروض التشكيلية التي سيستضيفها "أتيلية العرب"؟ قنديل: سنقدم كل مجالات الفنون التشكيلية الحديثة والقديمة، وليس هناك أي تحفظ على أي من العروض، ولم يكن عندنا تحيز في اتجاه عن غيره. محيط – أنت من أهم مقتني الأعمال التشكيلية المصرية، ما أهم الأعمال لديك؟ قنديل: عندي مجموعة كبيرة جدا من الأعمال للرواد ولجميع الأجيال من بينهم محمود سعيد، راغب عياد, كامل مصطفي, عبدالوهاب مرسي, عمر النجدي, فرغلي عبدالحفيظ, عادل السيوي، الدسوقي فهمي، راغب عياد، إبراهيم الدسوقي، هند عدنان، جاذبية سري, راشد دياب, وفهد الحجيلان وغيرهم الكثير. محيط – كيف ستستطيع إدارة أتيلية جدة والعرب في وقت واحد؟ قنديل: استطيع ذلك مع الوسائل الحديثة والإنترنت؛ فأنا أقوم بعمل الخطط والمنفذين يقوموا بالتنفيذ. وسبق وأدرت ثلاث قاعات كبيرة في جدة، هم "أتيلية جدة"، و"الدار العربية للفنون"، وقاعة "البعد الثالث"، وذلك كله في وقت واحد. محيط – سمعنا أنك ستنقل معرض فنانين "هرم سيتي" الذي ينطلق بداية العام الجديد إلى "أتيلية جدة"؟ قنديل – يشرفني ذلك، ولنا تجارب سابقة في هذا المجال، ونقلنا أسماء مصرية كبيرة وعرضنا لهم في "أتيلية جدة". محيط – ترسم وتكتب الشعر لماذا لم نرى لك أي عروض؟ قنديل: تجربتي محدود بالنسبة للرسم والشعر، وهذا بشهادة الشاعر العظيم عفيفي مطر، لكنه ساعدني في الكتابة النقدية التشكيلية وكان معجب بكتاباتي، لكنني مازلت أرسم وعندي عدد كبير من اللوحات، وعرضت مرة واحدة في قاعة "المرسام" في جدة. وأنا نظمت آلاف المعارض لكنني أرى أن تجربتي لم تنضج بعد. محيط – ما تخطيطك للفترة المقبلة؟ قنديل: بالنسبة للأنشطة ننفذ خطة المعارض التي نظمتها وهي 15 معرض لهذا الموسم في "أتيلية جدة"، أول هذه المعارض هو معرض للفنانة اللبنانية جنان الخليل، ثم معرض "لوحة في كل بيت"، كما عندنا مجموعة من الأنشطة تتضمن عشرة معارض شخصية، وعشرة أخرى عربية، منها "مختارات عربية"، وهذا سينعقد في هذ الموسم. أما الموسم القادم فبالطبع سيختلف الوضع تماما؛ لأنني سأقوم بعمل خطة مختلفة تشمل بعض العروض في مصر والسعودية سواء شخصية أو جماعية.