تربية الأطفال ليست بالأمر السهل على الإطلاق، فكثيراً ما يواجه الآباء والأمهات مشكلاتٍ صعبةً خلال التنشئة والتربية، وقد يُسبب التعامل الخطأ مع المشكلة عواقب وخيمة على الأسرة، وتترك أثرها السيء على الطفل مدى الحياة. من ضمن تلك المشاكل عسر القراءة أو ما يطلق عليه اسم الديسلكسيا Dyslexia، حيث تواجه الأهالي والمعلمين خلال مراحل التعلم الأولى للأطفال، وحلها أمرٌ هام للمضي قدماً في العملية التعليمية والحياة عامةً، وهذه أبرز الأسباب التي تقف وراء الإصابة بعسر القراءة،حسب صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية: 1- أسباب وراثية في الغالب يكون سبب عسر القراءة مرتبط بتركيبة دماغية مختلفة للطفل، تؤدي إلى عدم الفعالية في الربط بين قسمي المخ الأيمن والأيسر، إذ تكون المنطقة السمعية في مخ هؤلاء الصغار مختلفة، كما تكون منطقة اللغة بالمخ في الجانب الأيسر، أو عدد خلاياها أقل من المعدل الطبيعي، أو تنشأ بسبب الاختلاف في النشاط الكهربائي في الجانب الأيسر من المخ عن مثيله لدى الأطفال العاديين، وغالباً ما ترتبط تلك المشكلة بسبب عامل وراثي. 2- عوامل نفسية ولغوية وراء الديسلكسيا للعامل النفسي دوراً كبيراً في ظهور عسر القراءة، فالاضطرابات اللغوية التي قد تنشأ بسبب تشوه في بعض مخارج الحروف لدى الأطفال، أو بسبب اضطرابات الذاكرة سواء السمعية أو البصرية، إذ أثبتت أبحاث علمية أن الذين يصعب عليهم الاسترجاع التتابعي للمثيرات المرئية بسبب عدم كفاءة عمليات الانتباه أو قلة فاعلية استراتيجيات الحفظ والتذكر والاسترجاع يعانون من عسر القراءة. عملية الإدراك أساساً عملية تبدأ باستثارة الحواس، وتمر بخطوات معقدة، حتى تتم معالجة المعلومات في الدماغ لفهمها، وأي خلل قد يكون سبباً لعسر القراءة والتي هي عملية معقدة يتداخل فيها عمليتا إدراك في آن واحد، وهما الإدراك السمعي في كيفية نطق الحروف، وإدراك بصري بشأن كيفية كتابتها. في بعض الحالات تكون خصائص اللغة المنطوقة ونظام الكتابة وقواعد الإملاء وطريقة القراءة وكل تلك العوامل مساهمة في ظهور المشكلة حتى إن تلك العوامل قد تكون عائقاً في تعلم الكبار لغة جديدة، إذ تكون التهجئة معقدة ومقسمة لأنماط ومستويات عديدة. هناك العديد من الطرق التي قد يستخدمها الآباء لمساعدة أبنائهم على التغلب على تلك المشكلة، وبعض الأمور التي يجب أن يتجنبوها حتى لا تتفاقم وإليك بعض منها: 1- حل المشكة ليس بقراءة المزيد! يظن بعض الآباء خطأً أن قراءة أولادهم للمزيد قد يحل من تلك المشكلة، وهذا سيفاقم المشكلة ولن يحلها، بل على العكس قد يُسبب شعور الأطفال بالإحباط والغضب. 2- صعوبة في فك رموز التعليمات المتعددة قد تكون مشكلة الطفل عدم قدرته على إدراك التعليمات المتعددة في آنٍ واحد، بإعطائه أكثر من أمر في نفس الثانية، كأن تطلب منه أن يفتح الكتاب المادة كذا على الصفحة رقم كذا لقراءة الفقرة كذا، وتلك التعليمات معقدة بالنسبة لعقله، وخلال سعيه لفك الترميز في الجملة، تكون أدمغتهم في مرحلة فهم أول مرحلة، بينما يكون زملاؤهم انتهوا من المطلوب، رغم أن الطفل قد استنفد جهده لفك التعليمات الكثيرة لمحاولة تنفيذها. 3—التعديلات العاطفية تساعد يُمكن أن تكون الاحتياجات العاطفية عاملاً مساعداً للتغلب على عسر القراءة، فقد تكون قراءة المعلم بصوتٍ عال تسبب التوتر والقلق للطفل ما يُسبب تفاقم المشكلة، أو أنه يوجه له كلمات سلبية مثل "كسول"، "فاشل"، لذلك من الضروري مساعدة الصغار للتعبير عن مشاعرهم والاستماع لهم لفهم أسباب عسر القراءة، وأيضاً لتجنب إصابتهم بالقلق والغضب والاكتئاب. 4- ما خيارات طفلك التعليمية؟ بما أن عسر القراءة قد ينجم جراء طريقة معالجة الطفل للمعلومات، فيمكن لفهم خيارات الطفل التي يستجيب لها أن تكون مساعدة للتغلب على عسر القراءة، فبعض الصغار يمكن عبر تعليمهم الصوتيات فهم أساسيات ارتباط الأصوات والحروف ببعضها، وهذا يساعدهم على تعلم القراءة، ووقتها قد تكتشف أسباباً أخرى وراء عسر القراءة فقد تكون المشكلة بسبب قصور في مشاكل حسية أخرى مثل السمع والبصر لذا ينبغي معالجتها. 5- مشوشون من التفاصيل محاولة اهتمام الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة بالتفاصيل يجعلهم مشوشين ويشعرون بالفوضى، وقد يؤثر ذلك على الأمور الحياتية أيضاً وتجدهم يواجهون صعوبة في تنظيم وقتهم وإدارته، لذلك لا داعي لإرهاقهم بالتفاصيل، وإعطائهم وقتاً للراحة لإعادة تركيز نشاطهم. 6- الرؤية بالعكس.. قدرة عقلية عظيمة! في بعض الأحيان تكون المشكلة بسبب عكس الحروف والكلمات، فالطفل يراها بشكل مختلف عما تظهر عليه في الصفحة، أو أنه يرى الكلمات والحروف تتحرك، أو تضيء وتظلم، أو تتلخبط وتنقلب. رغم أن تلك المشكلة تجعل الطفل يعاني من عسر القراءة، إلا أنها قدرة عقلية عظيمة، فعالمة الأحياء كارول غريدر التي حازت جائزة نوبل عام 2009 في علم الأحياء الجزئي بعد كشفها إنزيماً جديداً في الحمض النووي يرتبط بمرضي الشيخوخة والسرطان، كانت تعاني من عسر القراءة. هناك أمثلة عديدة لأناس عانوا من عسر القراءة وبرعوا في مجالاتهم، مثل توماس أديسون، ألبرت أينشتاين، ألكسندرجراهام بيل، هنري فورد، جاي لينو، ووبي جولدبرج، توم كروز، ستيف جوبز، تومي هيلفيغر، بيكاسو، وريتشارد برانسون، ويمكن استخدام تلك الأمثلة لتشجيع الأطفال ودعمهم معنوياً. 7- التكنولوجيا والصداقات مساعدان أيضاً يمكن استخدام الكتب الصوتية لمساعدة الأطفال على تخطي تلك المشكلة، ويمكن استخدام الصور، فالعامل البصري مهم ويركز في ذاكرتهم بشكل أقوى، أو استخدام التطبيقات الإلكترونية وهناك العديد من التطبيقات التي تحول النصوص المكتوبة لصوت، أو تنمي المهارات الصوتية بالألعاب الطريفة. كما يمكن بتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية وتكوين صداقات جديدة، وقد يشمل ذلك الانضمام لمجموعات الدعم، أو التسجيل لهم في الأندية والنشاطات الرياضية المختلفة. 8- طفلك موهوب.. تحلَّ فقط بالصبر الطفل بحاجة إلى جو مهيأ خصيصاً لمساعدته، وهذا يحتاج إلى تشخيص دقيق لحالته أولاً، وإشراك لكل الفعالين من الأسرة والمعلم وزملائه، لإعطاء الطفل الفرصة الكاملة لاستغلال قدراته العقلية بشكل سليم. وبغض النظر عن أسباب تلك المشكلة، فيرى الباحثون أن الأطفال الذين يعانون من الديسليكسيا موهوبون، ويمتلكون خيالاً خصباً، وفضولاً للمعرفة، ويستخدمون جميع الحواس للتفكير، ويمتلكون قدرات ذهنية عالية، لذا من الضروري التفكير في تلك السمات الإيجابية وتوفير المساعدة لهم لاستخدامها. ومن المهم أيضاً تحلّي أولياء الأمور أو المعلم بالصبر، كما أنهم مكلفون بتقديم الدعم والتشجيع المستمر للطفل لرفع معنوياته، ومكافأتهم على كل تقدم بسيط ينجزونه، والصبر ضروري جداً في تلك العملية إذ إن التخلص من عسر القراءة قد يحتاج إلى وقت طويل ربما يستغرق عدة سنوات في بعض الأحيان. 9- مقابلة اختصاصي قد تكون تلك الحلول غير مجدية لطفلك، لذا يكون هناك حاجة ضرورية لمقابلة اختصاصي أو مستشار نفسي ليقوم بالتشخيص الدقيق لحالة الطفل، فقد يكون الطفل في حاجة إلى تعلم كيف يتعامل مع الغضب والقلق والاكتئاب والمشاكل السلوكية. أو في تحديد استراتيجيات تعليمية مناسبة لدعم احتياجات الطفل التعليمية، بعد تحديد نقاط قوته ودعمها، ويمكن أن يكون أولياء الأمور نفسهم هم من في حاجة للمساعدة للتخلص من الضغط النفسي.