فاطمة بنت السمرقندى كانت فقيهة وعالمة كبيرة ، يستفتيها الملوك ، ويطلبون وصالها ، ترعرت فى بلاد تركستان بمدينة كاسان ، على حب العلم والفقه وفضائل الأخلاق ، فهى ابنة العلامة محمد بن أحمد السمرقندي، والذي كان من كبار فقهاء عصره، وصاحب كتابَيْ "اللُّباب" و"تُحفة الفقهاء" الذي يُعد عمود الفقه الحنفي . يقول الإمام عبد الحي اللكنوي في كتابه "الفوائد البهية": "كانت فاطمة فقيهة علاّمة تفقّهت على أبيها، وحفظت تحفته". كما أنها تعلّمت الخط حتى كان خطها معروفاً مميزاً، وأصبحت فاطمة بنت محمد السمرقندي أشهر فتاة في كاسان علماً وفهماً وذكاء، يعرض عليها والدها الفتاوى على الأسئلة التي كانت تأتيه من أنحاء البلاد، ويطلب منها التعليق عليها، فكانت تُعلّق بخطها الجميل، وتوقّع بعد توقيع أبيها على تلك الرُّقَع، فلا تخرج فتوى من عند السمرقندي إلا وعليها توقيعان: توقيعه، وتوقيع ابنته العالِمة فاطمة. انتشر صيت فاطمة في تركستان كلها، حتى أنّ جماعة من ملوك بلاد الروم من المسلمين وأمراء ذلك الزمان سعَوْا إلى أبيها، يطلبون يد ابنته فاطمة والقرب منه، فلم يكن يجيب أحداً إلى ذلك. و عندما صنف أبو بكر الكاسانى الملقب ب " ملك العلماء " كتابه " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " ، وهو شرح التحفة ، وهو عمدة في الفقه الحنفي، ومن أحسن مراجعه ترتيباً للتدريس، عرضه على شيخه علاء الدين السمرقندى ، فازداد به فرحا وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك الكتاب ، فقالوا " شرح تحفته وتزوج ابنته ". واستمرت رقاع الفتوى تخرج من بيت أبيها السمرقندي بتوقيعه، وتوقيع ابنته فاطمة، وانضم إلى توقيعهما توقيع ثالث جديد: هو توقيع زوجها الكاساني . و يحكي المؤرخ الحلبي المشهور «ابن العديم»: أن فاطمة كانت تنقل المذاهب نقلاً جيداً، وأن زوجها ربما يَهِمُ في الفُتيا فتردّه إلى الصواب، وتعرّفه وجه الخطأ فيرجع إلى قولها، وأنها كانت تُفتي زوجها فيحترمها ويُكْرِمها. فكانت فاطمة فقيهة عالمة بالفقه والحديث ، أخذت العلم عن جملة من الفقهاء ، و أخذ عنها الكثيرون ، و كان لها حلقة للتدريس ، وقد أجازها جملة من كبار القوم ، وكانت على قدر كبير من الزهد والورع ، وألفت العديد من المؤلفات فى الفقه والحديث ، وانتشرت مؤلفاتها بين العلماء ، مثل "مجمع الفوائد لِجَمّ العوائد شرح تحفة الملوك" في الحديث . وكان نساء زمانها يستفتينها في مسائل الدين، ويقتدين بها في معضلات الأمور التي كانت تواجههن في حياتهن اليومية. تنقلت فاطمة مع زوجها إلى بلاد الروم، ثم إلى بلاد الشام، واستقرا في حلب مجاورَيْن للملك الأيوبى العادل نور الدين محمود . وفى حلب بحسب قول العلاّمة الحافظ عبد القادر القُرَشي في كتابه الجواهر المضيئة: قال داود بن علي وهو أحد فقهاء الحلاوية: فاطمة هي التي سَنّت الفِطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية - وهي مدرسة من المدارس الشرعية الكثيرة في حلب ، وكان في يديها سواران أخرجتهما وباعتهما وعملت بالثمن الفطور كل ليلة، واستمرت هذه العادة إلى اليوم. والملك نور الدين كان يستشير فاطمة فى بعض أموره الداخلية ، وأخذ عنها بعض المسائل الفقهية ، وكان دائما ينعم عليها لمعرفته بعلمها ورجاحة عقلها وجُودة رأيها، ، وحين علم بعزمها على عودتها إلى بلدها استأذن زوجها ببقائها ، وأرسل الملك رسالة إليها مع امرأة يرجوها البقاء بحلب فأجابته إلى ذلك، وأقامت في حلب إلى أن ماتت رحمها الله ، قبل عام 581ه، ودُفنت في مسجد إبراهيم الخليل بظاهر حلب. ولم يقطع زوجها الكاساني زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات، وأوصى أن يُدفن بجوار قبر زوجته داخل مقام إبراهيم الخليل عليه السلام .