التاريخ الإسلامى حافل بنماذج مشرفة للمرأة المسلمة التى لم تمنعها ظروف المجتمع القبلى من أن تكون فقيهة أو أن تعمل بأعظم الأعمال كالوعظ والإفتاء والتعليم الشرعى، وهذه النماذج تحدثنا عنها الدراسة التى أعدها المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب والذى يقول إن التاريخ يحدثنا عن الفقيهات اللاتى أتقن الأحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات ، كذلك المحدثات وهن على علم بما ورد عن الرسول ? من قول أو فعل من خلال علم محدد له مناهج خاصة به وطرق محددة للنقل يلتزم بها كل من يقوم بنقل الحديث أو الاشتغال بعلومه. ، وكان هناك أيضاً المفتيات وهن الفقيهات اللاتى أتممن دراسة الأحكام الشرعية وأصبحن مؤهلات لإصدار حلول وآراء لمشاكل وخلافات شرعية تعرض عليهن وهن من كانت لديهن ملكة يقتدرن بها على استنتاج الأحكام من أدلتها الشرعية ، وكان هناك أيضاً المدرسات وهن الفقيهات اللاتى قمن بتدريس الشريعة فى إحدى المؤسسات التعليمية كما كان هناك الواعظات وهن من اعتمدن على القرآن والحديث لتوجيه النصائح للناس وتذكيرهم بمسئولياتهم الدينية وبواجباتهم تجاه الله تعالى، وكان هناك شيخات الربط وهن اللاتى قمن على إدارة دور الصوفية ورعاية المتصوفين وتدريب المريدين وتعليمهم التلاوة والذكر فضلا عن القيام بإدارة شئون الدار. وعن العمل بمجال الفقه يقول إبراهيم العنانى ظهر اسم المرأة كفقيهة بداية من القرن الأول للهجرة وحتى القرن الثانى عشر للهجرة وكانت أقدم الفقيهات «زينب بنت أبى سلمة المخزومية « المتوفية سنة 73 ه من أفقه نساء زمانها بالمدينة، كذلك الفقيهة «هجمية بنت حى الأوصابية الدمشقية «المشهورة بأم الدرداء» المتوفية سنة 81 ه وهى فقيهة كبيرة زاهدة واسعة الإطلاع والذكاء وهناك أيضاً «عمرة بنت عبد الرحمن» وتوفيت سنة 100 ه وكانت مصدر ثقة واحترام المجتمع فى المدينة، وفى القرن الرابع الهجرى نرى «أم عيسى بنت إبراهيم بن اسحق الحربى» والتى توفيت عام 328ه، وأمه الواحد بنت عبد الله الحسين المحاملة وتوفيت عام 377 ه وكانت من أحفظ الناس للفقه على المذهب الشافعى وكانت تعد مصدراً من مصادر الأحكام الشرعية الخاصة بالمواريث فى عصرها، وفى القرنين الخامس والسادس الهجريين برزت عائشة بنت الفضل بن أحمد الكيسانى ، وفاطمة بنت محمد أحمد السمرقندى ولها مؤلفات فى الفقه وكانت مصدراً للأحكام الشرعية فى حلب وفى القرنين السابع والثامن الهجريين تبرز «فاطمة بنت أحمد الرفاعى الكبير» وأم البقاء « خديجة بنت حسن» و «خديجة بنت القيم البغدادية» و «فاطمة بنت عياش بن أبى الفتح» البغدادية وابنتها «زينب» ، « وأم العز نصر بنت أحمد « ، وفاطمة بنت محمد بن أحمد بن عبد الله العكبرى» و «فاطمة بنت محمد بن مكى»، وهناك أيضاً «دهماء بنت يحيى المرتضى» وهى فقيهة وعالمة فاضلة قامت بتأليف بعض الكتب فى مجال الفقه وهى من الفقيهات القليلات اللاتى سجلت المصادر أسماء مؤلفاتهن وتراثهن. وفى القرن العاشر الهجرى «عائشة الباعونية» والتى تعرف بالشيخة الصوفية الدمشقية الأديبة العالمة العاملة، وقد وفدت إلى القاهرة ونالت من العلوم حظاً وافراً وأجيزت بالإفتاء والتدريس وألفت مجموعة كتب، وهناك أيضاً خديجة بنت محمد العامري، وخديجة بنت محمد البيلونى وباى خاتون، وفى القرن الحادى عشر الهجرى بنت على النشار، أما فى القرن الثانى عشر الهجرى فلقد برزت قريش بنت عبد القادر الطبرية إلا أنه حدث اختفاء تدريجى فى الفقيهات فى الساحة العلمية حتى اختفين تماماً فى القرن الثانى عشر الهجرى / الثامن عشر الميلادى، وإلى جانب النساء اللاتى عملن بالفقه واستنبطن الأحكام الشرعية كانت هناك نساء متفقهات أى فى طور دراسة الفقه، وفى بعض الأحيان كانت المرأة الواحدة توصف بالفقيهة والمتفقهة فى آن واحد. أما عن عمل المرأة بمجال الإفتاء فيقول إن الأمثلة كثيرة لنساء مفتيات يلجأ إليهن الناس لمعرفة أحكام الدين لما يقابلهم من مشاكل وخلافات شرعية فى حياتهم اليومية ، وكانت الفتوى بعد وفاة الرسول مباشرة مرتبطة بالحفاظ على السنة النبوية الشريفة فلعبت السيدة «عائشة» دوراً مهماً فى هذا المجال حيث كان المسلمون يلجأون إليها لمعرفة ما كان يقوم به الرسول فى حياته ومعيشته اليومية ولكن بموت هذا الجيل من الصحابة والصحابيات فقد المسلمون مصدراً مهماً كان يوجههم ويرشدهم لأدق تفاصيل حياة الرسول وسنته الشريفة ، ولهذا بدأ المسلمون مع القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) يطلبون المشورة والنصيحة من الأشخاص الذين تميزوا بالعقل والثقة والتقوى والعدل والعلم الواسع بالأحكام الشرعية أصولها وفروعها، ومن هنا أصبحت هذه الصفات صفات أساسية فى المفتى الذى تقبل فتواه، وبدأ الإفتاء يتبلور فى المجتمع الإسلامى ويصبح نشاطاً واضحاً له شروط وقواعد تحكمه، شروط اتفق عليها رجال العلم والدين فالإفتاء فى البداية كان عملاً حراً مفتوحاً لأى شخص تتوافر فيه الصفات التى يختص بها المفتى، لذا عملت المرأة فى هذا المجال وبرزت فيه، ومن أبرز النساء فى هذا المجال «خديجة بنت سحنون بن سعيد النتوخى» - توفيت سنة 270 ه - وكانت تعد من أشهر مفتيات القرن الثالث الهجرى فى بلاد المغرب وتميزت بالعقل والرأى والعلم، وقد أخذت العلم عن والدها حامل لواء المذهب المالكى فى المغرب وكان يستشيرها فى مهمات أموره ويستفتيها الناس فى مسائل دينهم، كذلك «أم عيسى بنت إبراهيم الحربى» - توفيت سنة 338ه - وأيضاً الفقيهة « أمة الواحد بنت القاضى أبى عبد الله بن إسماعيل المحاملى» - توفيت عام 377ه - كما أنها كانت تفتى مع أبى على بن هريرة ، وهناك أيضاً «فاطمة بنت محمد أحمد السمرقندى» التى عاصرت الملك العادل «نور الدين» المتوفى سنة 596 ، وكانت مفتية لها شهرة واسعة كما أنها فقيهة من فقيهات المذهب الحنفى ، وأيضاً كانت الفقيهة الشيعية «فاطمة بنت محمد بن مكى» وكانت مفتية مشهورة بين الناس بالعقل والتقوى فكان يلجأ إليها الناس طلباً للمشورة والفتوى وكانت النساء يرجعن إليها فى أحكام الحيض والصلاة، فإن معظم الصحابيات والتابعيات فى القرن الأول للإسلام كن مفتيات يلجأ إليهن المسلمون فى مسائل دينهم، ولكن وبمرور الوقت بدأ الإفتاء يرتبط بالسلطة ويأخذ صيغة أكثر رسمية حيث إن بعض العاملين بالإفتاء ارتبطوا بالإدارة القضائية فى الدولة الإسلامية وأخذ دور المرأة يتقلص بالتدريج حتى اختفى تماماً بعد القرن العاشر الهجرى وكانت عائشة الباعونية المتوفية عام 922ه آخر مفتية ذكرتها المصادر، فقد ذكرت المصادر أنها أجيزت بالإفتاء والتدريس، وهى تعتبر أول مفتية تأخذ فتواها صبغة رسمية. وفى القرن الثالث عشر بدأت الدولة العثمانية بمؤسسة الأفتاء حيث قام السلطان العثمانى بإنشاء هيئة رسمية لإصدار الفتاوى يعمل بها موظفون حكوميون يرأسهم مراقب أو مشرف عام يعرف بأمين الفتوى وكلهم يخضعون لسلطة شيخ الإسلام الذى كان يرأس الهرم الدينى فى الدولة العثمانية كلها. وعن عمل المرأة فى مجال الوعظ يقول كان للمرأة تواجداً كبيراً فى هذا المجال باستثناء الوعظ من خلال خطب الجمعة، ومن أهم الواعظات «سمراء بنت نهيك» والتى أخذت على عاتقها وعظ المسلمين فكانت تمر بالأسواق فى أيام الرسول? تعظ الناس تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وهناك ميمونة بنت ساقوله - توفيت سنة 393ه -، وفى القرن الخامس الهجرى ظهرت «خديجة بنت موسى بن عبد الله»، وهناك «حمدة بنت واثق بن على بن عبد الله»، وكانت تتصدر مجالس للوعظ يحرص الرجال والنساء على حضورها، وفى القرن السادس الهجرى كانت «ياسمينة السيراوندية» واشتهرت بالوعظ وتفسير سور القرآن، و «زينب بنت أبى البركات البغدادية، وزينب بنت معبد بن أحمد المروزى» وكانت تعقد مجالس للوعظ ببغداد ومكة، وهناك أيضاً ضوء الصباح بنت المبارك بن أحمد بن عبد العزيز، وهناك تاج النساء بنت رستم بن أبى الرجاء الأصبهانى أم أيمن المتوفية سنة 611ه وكانت (شيخة الحرم) فى مكة وهذا المنصب كان يتطلب صفات خاصة ويفرض على صاحبته مسئوليات كبيرة كذلك كانت «زينب بنت فاطمة بنت عياش البغدادية» فقيهة ومتفقهة ومفتية.