الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار والتفاؤل بشأن اتفاق أمريكا والصين    ترامب يؤكد ضرورة إنهاء بوتين للحرب في أوكرانيا    جامعة حلوان تطلق تطبيقا لتعزيز الخدمات الرقمية للطلاب    أبو الغيط: إسرائيل استفادت من اضطرابات الربيع العربي والسادات من أعظم قادة القرن العشرين    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في بورسعيد    أسعار الخضراوات والفاكهة بأسواق كفر الشيخ.. الفلفل ب20 جنيها    وزيرا الخارجية والتخطيط يشيدان بدور الأمم المتحدة في دعم السلام والتنمية    ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى في الصين 3.2% خلال أول 9 شهور    أسعار السمك والمأكولات البحرية الشعبية بأسواق الإسكندرية اليوم 27 أكتوبر 2025    قانون اللاجئين الجديد ينظم أوضاع نحو 9 ملايين لاجئ في مصر.. تعرف على التفاصيل    اصطفاف العشرات من شاحنات المساعدات أمام معبر رفح تمهيدًا لإدخالها غزة    بعد غد.. وزيرا دفاع اليابان والولايات المتحدة يجتمعان في طوكيو    رضا عبد العال: توروب غير مقنع مع الأهلي حتى الآن.. والسوبر المصري الاختبار الحقيقي    فاركو: الفوز على الإسماعيلي جاء في التوقيت المناسب.. وتأثرنا برحيل القوام الأساسي    مصرع شاب وإصابة آخر في تصادم دراجة نارية بطوخ    العظمي 27..تعرف على حالة الطقس اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    وفاة شخص إثر تصادم تريلا مع ملاكي في قنا    «صحة البحر الأحمر»: تحويل حالتين من مصابي «أتوبيس الزعفرانة» لمستشفى الغردقة    السيارة تحطمت .. صور حادث الفنان على رؤوف صاحب أغنية "أنا بشحت بالجيتار"    محافظ الإسكندرية يوجه بالرعاية الطبية لمصابي حادث انهيار عقار العصافرة    إصابة الفنان علي رؤوف إثر انقلاب سيارته في السويس    رئيس اتحاد المبدعين العرب: المتحف الكبير صرح حضاري يجسد عبقرية المصري القديم وريادة مصر الحديثة    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    استقرار نسبي في أسعار الأسمنت اليوم الإثنين 27أكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    فريدة سيف النصر تعلن تفاصيل عزاء شقيقها اليوم    بطولة محمد سلام.. التفاصيل الكاملة لمسلسل «كارثة طبيعية» قبل عرضه الأربعاء    اتحاد المبدعين العرب: المتحف الكبير يجسد عبقرية المصري القديم وريادة مصر الحديثة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 27اكتوبر 2025 فى المنيا    وجبات عشاء خفيفة لا تسبب زيادة في الوزن    التنظيم والإدارة ينتهي من عقد الامتحانات الإلكترونية للمتقدمين لوظيفة مدير عام بمصلحة الضرائب    مستند رسمي.. عضو اتحاد الكرة السابق ينشر خطاب إيقاف دونجا في السوبر (صورة)    أول أيام الصيام فلكيًا.. متى يبدأ شهر رمضان 2026؟    قوات الدعم السريع السودانية تعلن سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر    عاد إليها بعد إصابتها بالسرطان.. الفنان ياسر فرج يروي تفاصيل ابتعاده 5 سنوات لرعاية زوجته الراحلة    ميليسا يتحول إلى إعصار من الفئة الرابعة ويهدد بفيضانات كارثية في جامايكا وهايتي    حملة أمنية مكبرة لضبط الخارجين عن القانون وتجار الكيف بحدائق القبة    بسملة علوان ابنة القليوبية تحصد المركز الثاني ببطولة الجمهورية للكاراتيه    مصرع شخص سقط من الطابق الرابع بمنطقة التجمع    فنزويلا: اعتقال مرتزقة مرتبطين بالاستخبارات الأمريكية فى ترينيداد وتوباغو    مباريات اليوم الإثنين بمجموعتي الصعيد بدوري القسم الثاني «ب»    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 27 أكتوبر    وصفة «الميني دوناتس» المثالية لأطفالك في المدرسة    التوقيت الشتوي،.. نظام يساعد الأطباء على تحسين جودة الخدمة الطبية وتوازن الحياة العملية    لاتسيو يقهر يوفنتوس.. وتعادل مثير بين فيورنتينا وبولونيا في الدوري الإيطالي    أمين عام حزب الله يتحدث عن إمكانية اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    أنظمة الدفاع الروسية تتصدى لهجمات بطائرات مسيرة استهدفت موسكو    النجم الساحلي يودع الكونفيدرالية ويبتعد عن طريق الزمالك والمصري    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    الداخلية تضبط شخصين روجا شائعات وأكاذيب تحريضية بواقعة المنيا    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    من هو صاحب الذهب المشتراه من مصروف البيت ملك الزوجة ام الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه حلب .. كم أدخلت ملوكها في خبر كان!
نشر في محيط يوم 07 - 05 - 2016


أول مدينة مأهولة بالبشر ومطمع الغزاة
دمرها الأكاديون والحيثيون والفرس والبيزنطيون.. فعادت أقوى
الشاعر المعري : للوارد جنة .. وللغادرين نار سعير
قائد الجيش الرومي يعلن إسلامه بعد الفتح636
قلعتها هزمت الصليبيين والتتار .. وأبوابها شهدت أيام الحضارة
الرحالة والقناصل ينصبونها درة الشرق بالعصر الإسلامي
مؤامرة غربية لفصلها .. وهنانو يقود أضخم ثورة نحو الاستقلال
حرب عالمية على جسد سوريا .. وربيعها يتحدى الحديد والنار
"صمود حلب وعدم سقوطها في يد الفرنجة رغم حصارهم المديد لها عام 1124م نقطة تحول هامة في تاريخ العالم لأنها حالت دون تشتت الشرق كله ليصبح إمارة لاتينية " توينبي
هكذا وصفها المؤرخ العالمي ذات يوم، لكنها اليوم "تحترق" فيرتقي آلاف الشهداء وينزف مصابون ويخرج مهجرون، تحولت مدينة الأبواب والأسواق العتيقة لمرمى آلة مذعورة فاستحال المشهد لفصل من الجحيم
كان قدر حلب هكذا دائما بوصفها درة الشرق الساحرة كما وصفها الرحالة ومطمع غزاة العالم شرقا وغربا، ولا يمكن وأنت تقلب صفحات هذه المدينة الخالدة إلا أن تمتليء إجلالا لصمود شعبها الذي تمكن من إذلال التتار والصليبيين والإنجليز عبر العصور .
ولقد جنت حلب نصيبا كبيرا من التضحيات مع اندلاع الثورة السورية قبل خمسة أعوام ، يكفي أن نصف سكانها غدا بين شهيد ومصاب ومعتقل ومطارد ، وأصبح التراث الحلبي المؤلف من 150 شاهدا أثريا عريقا عرضة لتدمير واسع عبر حرب ممنهجة وكانت النتيجة انهيار المسجد الأموي ، واحتراق مكتبته التاريخية، وانهيار السور الرئيسي لقلعة حلب إحدى أكبر القلاع وأقدمها في العالم
وبحسب المصادر، فللمدينة أبواب 9 قديمة شهيرة ما يزال معظمها صامداً حتى اليوم. تعرّض محيط باب الحديد أو "بنقوسا" للقصف بالقذائف الصاروخية والبراميل المتفجرة، كونهُ يقع حاليا ضمن سيطرة المعارضة في حلب، لكنهُ مايزالُ واقفاً على بُعد مئات الأمتار من الباب الأثري الآخر "باب النصر" الذي تعرّض لأذية أكبر نظراً لوقوعه على خطوط التماس.
تتوزع بقية أبواب حلب "باب انطاكية" و"باب قنسرين" و "باب المقام" و"باب النيرب" و "باب الأحمر" و "باب الجنان"، بين شطري حلب، بعد أن أمست المدينة مقسمة إلى نصفين "شرقية و غربيّة".
تحوي حلب العدد الأكبر من المساجد في سوريا، ومع ذلك فقد تم إلغاء صلاة الجمعة فيها لأول مرة منذ دخولها الإسلام يوم الجمعة 29 أبريل/نيسان 2016، نتيجة استمرار المجازر من طيران الأسد وحليفته روسيا ، ويجني الأسد عطايا عسكرية ولوجستية سخية من بلدان تطمع بنصيبها من الكعكة السورية وبينها إيران والصين .
وباتت حلب أيضا ساحة حرب عالمية بامتياز الخاسر فيها هو البشر والحجر ، بعد دخول القوات الغربية على الخط باسم الدفاع عن الثورة، أما انتشار الفصائل الإسلامية الأشد تطرفا كداعش بين صفوف المقاومة فكان ذروة المأساة والهدية التي قدمت لبشار على طبق من فضة لمزيد من إراقة الدماء باسم حماية البلاد من الإرهاب
في السطور التالية نعود لتاريخ مدينة الصمود، نتوقف أمام أيامها الحاسمة، ففي التاريخ عبرة لأولى النظر
عيون التاريخ
يقول الرحالة بازيلي ب"رحلات في القرن السادس عشر" : ظلت مدينة حلب بالرغم من كل ما دهاها، المدينة الثالثة في الإمبراطورية العثمانية بعد القسطنطينية والقاهرة، بل أنها كانت تفوق الأخيرة لموقعها الجغرافي المتوسط- الذي جعلها مركز توزيع عالمي، وظل السياح يعلقون بدهشة وإعجاب على اختلاف اللغات والأجناس التي تلتقي على صعيدها ، وتنوع منتوجاتها وسلعها، ويصفون بتقدير حماماتها العامة وأسواقها الحجرية النظيفة وقلعتها العربية الشامخة وخاناتها الواسعة وأبوابها العشرة وأبنيتها الحجرية المزخرفة وطرقها المرصوفة التي كانت أجمل مما هو موجود في أية مدينة أخرى .
أما ابن بطوطة فيخبرنا: قلعة حلب تسمى الشهباء، وبداخلها جبلان ينبع منهما الماء، فلا تخاف الظمأ .. ويطيف بها سوران، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وسورها متداني الأبراج، وقد انتظمت بها العلالي العجيبة المفتحة الطيقان، وكل برج منها مسكون، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد .. وبها مشهد يقصده بعض الناس، يُقال : إن إبراهيم الخليل -عليه السلام- خلال هجرته كان يتعبد به، وهذه القلعة تشبة قلعة مالك بن طوق "الرحبة"، ولمّا قصد قازان طاغية التتر مدينة حلب، حاصر هذه القلعة أيامًا ونكص عنها خائبًأ ..
وهكذا أكد الرحالة الإنجليز والفرنسيين أن المدينة أنظف ما يكون بالسلطنة العثمانية وأجملها بناء وألطفها عشرة وأصحها مناخا والحلبيون هم أكثر أهل السلطنة تمدنا فهناك اليهود والتتر والفرس والأرمن والمصريون والهنود والأوروبيون والكل يتمتع بحرية العقيدة، وقد حافظت على ذوقها المعماري الإسلامي، ولهذا كله لقبت حلب ب"ملكة الشرق"
ويضيف كتاب "حلب القديمة والحديثة" لفؤاد هلال، والذي تم اعداده بمناسبة الاحتفال بحلب عاصمة الثقافة الإسلامية كلمات امتنان العظماء لحلب، فكان لامارتين يصفها بآثينا الشرق وأهلها يمتازون بالنبل والكرم، ، أما المؤرخ ابن جبير فيقول : هذه حلب كم أدخلت ملوكها في خبر كان "
ويشير التاريخ إلى أن أرسطو بعد أن تحقق من طيب هواء حلب استأذن تلميذه الاسكندر المقدوني ليبقي في حلب لمرض أصابه، فبقي فيها حتى شفي . كما اعجب الرحالة ابن بطوطة بها واعتبرها تصلح للخلافة، وذكرها شكسبير في مسرحياته، وقد تغزل بالمدينة فحول الشعراء كالمتنبي والصنوبري والمعري والبحتري وأبي فراس الحمداني
بحر الغزاة
تقع حلب في الجزء الشمالي من سوريا، وهي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ عرفت الاستيطان البشري منذ الألف الحادي عشر قبل الميلاد، من خلال المساكن المكتشفة في (تل القرامل). فقد كانت حلب ملتقى الحضارات، وتعاقبت عليها الحضارات والشعوب والدول منذ الألف الرابع قبل الميلاد.وتتميز بموقع جعلها تصبح حلقة وصل بين الطرق التجارية التي تربط الشرق بالغرب والشمال، ويعود أول ذكر لها إلى ما قبل القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد في عهد «ريموش بن سارغون الأكادي» مؤسس الإمبراطورية العربية، وذكرت وثائق بأنه دمرها وأسر ملكها ثم عاود بناءها.
يذكر د. فؤاد هلال بكتابه أن الوثائق تشير إلى بدايات التاريخ المسجل للمدينة منذ 2900 ق . م حيث حكمها السومريون ثم الأكاديون بزعامة ريموش، وفي 2000 ق. م حكمها البابليون ومن بعدهم العموريون والهكسوس، وتعرضت المدينة لاجتياح الحيثيين بمملكة يمحاض الحلبية وتدميرها. وتولى حكم حلب منذ 1650 ق. م الميتانيون والفراعنة والحيثيون الذين عادوا إليها ثم الآشوريون الذين تخلل عهدهم اجتياح سلمنصر للمدينة .ثم حكم الكلدانيون حلب 612 ق. م ومن بعدهم الفرس والإغريق والاسكندر المقدوني 333 ق. م ثم السلوقيون والرومان والبيزنطيين على التوالي، وكانت حلب مركز مقاطعة سورية العليا 64 ق.م.
وقد تعرضت حلب للغزو الفارسي الساساني إبان حكم كسرى 540 م
كانت حلب في العصر البيزنطي مركز أسقفية مسيحية هامة، ويقال بأن الإمبراطورة هيلانة والدة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين قد بنت كاتدرائية حلب الكبرى التي رممها الإمبراطور جستنيان بعد تدمير الفرس لحلب عام 540 م، ثم تحولت عام 1124 إلى مسجد السراجين وفي العام 1149 م، في عهد نور الدين الزنكي ، حولت إلى المدرسة الحلوية، وبني جامع حلب الكبير بجانب الكاتدرائية الكبرى في عهد الوليد بن عبدالملك وربما بناه أخوه سليمان في مطلع القرن الثامن للميلاد
فتح حلب
جرت معركة حلب في سوريا في الأشهر بين يوليو وأكتوبر من عام 637 ميلادي بين الروم البيزنطيين ، مع حلفائهم الغساسنة، وجيوش الخلافة الراشدة الإسلامية. وكان القائد العام للجيوش الإسلامية أبو عبيدة بن الجراح، وفي معركة حلب قاد عياض بن غنم القوات الإسلامية في الميدان، وكان خالد بن الوليد على الخيل على الأرجح.
بعد معركة اليرموك توجه المسلمون في عمق سوريا شمالاً، وبعد غزو مدن كبيرة وصغيرة اجتمع جيشا أبوعبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد مجددا في قنسرين ليتابعا بعد فتحها زحفهما إلى حلب، حيث كانت هناك حامية رومية قوية بقيادة "يواخيم". وكانت حلب مؤلفة من مدينة كبيرة محاطة بالأسوار وحصناً صغيراً منيعاً خارج المدينة يقع على تل منعزل.
وقد دخل أبوعبيدة الجراح حلب سلما من باب إنطاكية وأعطى الأمان إلى أهلها على أموالهم ومنازلهم ودور عبادتهم وسور مدينتهم وقلعتها وسمح لحاميتها البيزنطية بمغادرتها .
وفي شهر أكتوبر من عام 637 ميلادي استسلمت الحامية الرومية البيزنطية، حيث سُمح لها بالرحيل بسلام، ولكن القائد البيزنطي "يواخيم" لم يرغب بالمغادرة، بل أعلن إسلامه واختار أن يخدم تحت راية الإسلام. وبالفعل فقد أثبت ولاءه في الأسابيع اللاحقة بشكل مميز وقاتل تحت رايات العديد من القادة المسلمين.
العصر الإسلامي
منذ 661م توالى حكام الأمويين على حلب، وبلغوا 13 خليفة من دمشق وحدها و16 بالأندلس، ثم حكمها العباسيون 749 وبلغوا 39 خليفة ببغداد و16 خليفة بالقاهرة ، ثم حكم الطولونيون حلب منذ 868م ومن بعدهم الإخشيديون والحمدانيون وفي عصرهم ضم بلاط الدولة نخبة من رجال الفكر والعلم والأدب في ذلك العصر فنافست حلب بغداد وقرطبة.
في العام 944، غدت عاصمة الدولة الحمدانية تحت حكم سيف الدولة الحمداني، عاشت المدينة عصراً ذهبياً أيام الأمير سيف الدولة وكانت أحد الثغور الهامة للدفاع عن العالم الإسلامي في وجه المد البيزنطي.
وفي عام 962م دمر إمبراطور بيزنطة نقفور فوكاس مدينة حلب وتوفي حاكمها سيف الدولة عام 965م وخلفه ابنه سعد الدولة الذي قاتل خاله أبي فراس وخلفه ابنه سعيد الدولة عام 991م وبعده ابنة مرتضى الدولة 1009 م . والذي جاءت من بعده دولة الفاطميين بحلب عبر 14 حاكمها، ومن بعدهم المرداسيون والعقيليون والسلجوقيون والارتقيون والزنكيون .
كانت حلب أول مدينة شامية واجهت الغزو المغولي بعد سقوط بغداد، حيث خرج هولاكو في العام 1259 مع حلفائه من أمراء جورجيا وأرمينيا من عاصمة دولته مراغة في أذربيجان، متجها إلى الشام، فاستولى على مدينة ميافاريقين عاصمة ولاية ديار بكر، وكانت تحت سيطرة الملك الكامل محمد الأيوبي.
لكن بعد عدة مواجهات سقطت المدينة في 25 يناير 1260، وأباح هولاكو المدينة لجنوده لمدة 7 أيام، فقتلوا الكثير من أهلها وسبوا العديد من النساء والأطفال، كما نهبوا القصور والممتلكات، وبعد أن انتهوا قاموا بحرقها.
استعاد المملوكيون زمام المبادرة بعد انتصارهم في موقعة عين جالوت في 3 سبتمبر/أيلول من العام 1260 بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز، وقُتل القائد النسطوري كتبغا الموالي لهولاكو، ولتتم استعادة دمشق بعدها ب 5 أيام وحلب بعدها بشهر.
عادت حلب للحكم الذاتي إذاً عام 1317، في عام 1400 قام القائد المنغولي تيمورلنك بأسر المدينة وذبح الكثير من السكان، وبعد تراجع المغوليين، عاد السكان المسلمون خاصةً ليحتموا في المدينة، أما المسيحيون فقد قام بعضهم ممن لم يستطيعوا الدخول مرة أخرى بإنشاء حي جديد عام 1420 خارج حدود السور الشمالي تم تسميته بالحي الجديد أو الجديدة. ولعبوا دور همزة الوصل في التجارة بين تجار حلب والمحيط الخارجي لتمتعهم بحماية نسبية من قبل الممالك الصليبية في القدس وانطاكي
في عام 1453م فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية وسماها استنبول وفي عام 1516م انتصر السلطان العثماني سليم الأول على السلطان المملوكي قانصوه الغوري في معركة مرج دابق قرب حلب وتنازل له المتوكل على الله آخر خليفة عباسي في القاهرة عن الخلافة عام 1517م وبدأ العهد العثماني الذي دام 402 سنة تخللها احتلال إبراهيم باشا المصري من 1832 حتى 1840 م وانتهى حكم العثمانيين الذي شهدت فيه حلب ازدهارا بالغا وكانت محطا لأسفار الرحالة، مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 م .
ونظراً لموقعها الاستراتيجي القريب من الأناضول، لعبت حلب دوراً محورياً في الدولة العثمانية، وكانت المدينة الثانية بعد القسطنطينية، والمدينة الرئيسية للتجارة بين بلاد الشرق والغرب
شهدت حلب العديد من المجازر في تلك العصر العثماني ويبرز منها "حركة الانكشارية" وهم الجنود المتمردون على السلطة العثمانية وقد أوقعوا مذابح بالقرن التاسع عشر بمدينة حلب لم يعرف مداها، ووقعت أيضا "قومة حلب" 1850 وهي مجزرة تسببت بها الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بحي الصليبة بحلب ونتج عنها مقتل 14 ألف شخص ونهب بيوت وكنائس.
أتون الحروب العالمية
استمرت المدينة تحت الحكم العثماني حتى انهيار الإمبراطورية مع نهاية _العالمية_الأولى"الحرب العالمية الأولى، حددت _سيفر"معاهدة سيفر مقاطعة حلب كجزء من سوريا، بينما تم وعد الأرمن بتحقيق استقلال هضبة أرمينيا من قبل فرنسا في المعاهدة الفرنسية الأرمنية المبرمة عام 1916، لكن _كمال_أتاتورك"مصطفى كمال أتاتورك رفض هذه المعاهدة واستمر بضم حلب والأناضول وأرمينيا إلى تركيا وخاض حروباً لاستقلال التراب التركي.
وقد دعم السكان العرب والأكراد في المدينة النضال التركي بدايةً ضد الفرنسيين باعتقادهم أنه سيجلب لهم الاستقلال ومن أشهرهم – بحسب الموسوعة الحرة- _هنانو"إبراهيم هنانو الذي قام بالتنسيق في فترة من الفترات مع كمال أتاتورك، لكن النهاية جاءت كارثية على حلب، فمع عقد _لوزان"معاهدة لوزان تم انتزاع معظم مقاطعة حلب باستثناء حلب نفسها ولواء الاسكندرونة، وهكذا تم سلخ حلب عن الأناضول ومدنه التي كانت تضمها علاقات تجارية مكثفة، الأسوأ من ذلك، كانت معاهدة _سايكس_بيكو"سايكس - بيكو التي قسمت بلاد الشام وفصلتها عن العراق. وزادت عزلة حلب أكثر بعد أن تم أيضاً سلخ لواء الاسكندرونة عام 1939 فتم حرمان حلب من مينائها الرئيسي ليجعلها معزولة تماماً.
ويذكر كتاب د. فؤاد هلال أنه بعد أن اندمجت حلب بالنفير العام الذي أعلنته الدولة العثمانية لمناصرة انجلترا بالحرب العالمي الأولى، عين جمال باشا قائدا للجيش الرابع في سوريا.
شهدت حلب تحت الانتداب البريطاني مناوشات مع العثمانيين انتهت بمقتل عشرات الجنود بالجيش الإنجليزي بمنطقة حريتان، وهي ما يسميها الحلبيون "القبر الإنجليزي"ا .
1919 انسحب الجيش الإنجليزي من حلب وسلمها إلى السلطة العربية برئاسة جعفر باشا العسكري ، ثم عقد المؤتمر السوري المنتخب ومثل ولاية حلب فيه رضا الرفاعي وسعد الله الجابري ومحمد المدرس وسسليم جنبرت وتيدوري إنطاكي وأعلن : وحدة البلاد السورية واستقلالها من جبل طوروس إلى رفح وجنوب العقبة وشرق الخابور والفرات بما فيها فلسطين بدون حماية أو وصاية على أن تحكمها حكومة نيابية مدنية، ملكها فيصل، وعلى أن تحفظ حقوق الأقليات .
وتم إعلان الاحتجاج على قيام عصبة الأمم باعتبار البلاد السورية بحاجة إلى دولة منتدبة، كما أعلن المؤتمر تمسكه بالمباديء التي أعلنها الرئيس الأمريكي ولسن وأهمها إلغاء المعاهدات السرية، ورفض فصل غرب سورية (لبنان) وجنوبها (فلسطين) عن البلاد السورية ورفض جعل فلسطين وطنا للإسرائيليين وهجرتهم إليها، أما عن اليهود السوريين الأصليين فلهم ما لهم وعليهم ما علينا
ولكن للأسف انتهى الحكم الفيصلي بعد عامين من بدايته وبعد أن أصبح اسم الدولة الحكومة السورية العربية نتيجة ضغوط غربية على الملك فيصل للقبول بالانتداب الفرنسي على البلاد.
ولمعاقبة الحلبيين على التصدي لفرنسا بمعركة ميلسون، قسم الجنرال الفرنسي غورو سورية إلى خمس دول مستقلة هي دمشق وحلب وجبل الدروز والعلويين وجبل لبنان الذي سمي بعدئذ بلبنان الكبير الذي يضم بيروت وطرابلس وصيدا وصور وعكار وبعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا ، وأقيمت دولة حلب على أراضي ولاية حلب القديمة حتى البوكمال
وفي 1922 وافقت عصبة الأمم على صك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان ثم أعادت السلطات الفرنسية توحيد دول حلب ودمشق والدروز والعلويين بعد أن خشت من خطر استقلالها على بقاء الانتداب، وأبقيت دولة جبل لبنان خارج الاتحاد وفي عام 1926 جعلت لبنان جمهورية مستقلة فوقع بذلك انفصال لبنان عن سورية .
وقد اندلعت ثورة ابراهيم هنانو الذي أعلن قيام السلطة الوطنية في انطاكية وحاصرت قوات الحامية الفرنسية في قلعة حارم وقتلت العديد منها وخاض إبراهيم هنانو منذ 1919 أكثر من 27 معركة ضد الفرنسيين في إنطاكية وجبل الزاوية، لم يهزم في أي منها وألف حكومة وطنية في بيلان وسافر إلى الأردن للاتصال بالأمير عبدالله بن الحسين فاعتقله الإنجليز وسلموه للفرنسيين وحوكم في حلب وأعلنت براءته بتاريخ 1922 وتوفي عام 1935
وكان قد سبق للشيخ صالح العلي أن قام بثورته ضد الفرنسيين في الساحل السوري عام 1920 ثم1925 قامت الثورة السورية في جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش وامتدت للمناطق الأخرى، وفي 1925 قصف الفرنسيون دمشق واحترقت عدة أحياء وأسفرت الأحداث عن انتخابات وصلت بهاشم الأتاسي لرئاسة البلاد تحت الانتداب للمرة الأولى ولعدة مرات لاحقة، لكنه استقال بعد التخلي عن لواء الاسكندرون لتركيا وفق معاهدة الغرب
وقد قرر مجلس الأمن 1946 جلاء القوات الاجنيية عن سورية ولبنان تتويجا لنضال زاد على الربع قرن وهنا أصبحت حلب مستقلة . وكانت سوريا أول دولة في العالم تحصل على استقلالها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .
سوريا المستقلة
شهدت سوريا انقلابات حسني الزعيم 1949 وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي ومصطفى حمدون خلال الخمسينات، وما بين أعوام 1958 و1961 تمتعت مصر وسوريا بوحدة عربية تحت اسم دولة واحدة "الجمهورية العربية" بزعامة جمال عبدالناصر وأدت المؤامرات وتفضيل عناصر الجيش المصري بالمناصب لعودة الانقلابات للساحة السورية بعد تولي لؤي الأتاسي ومن بعده
برز والد بشار الأسد والرئيس السابق لسوريا حافظ الأسد للساحة في 1966 حين أصبح وزيرا للدفاع وقد قاد حركة التصحيح وفاز برئاسة البلاد 1971 وقاد حزب البعث العربي الاشتراكي
وفاز لدورات كثيرة لاحقة برئاسة البلاد بلا منافس وقاد سوريا بمقامع من حديد فكانت سجون بلاده هي الأشهر بقسوتها عالميا ضد المعارضين، ومنذ عام 2000 تولى بشار الأسد الرئاسة خلفا لأبيه بعد رحيله وقد تعدلت رتبته بالجيش خصيصا لهذا الغرض، وكان طبيعيا أن يسير على النهج ذاته، فهذا الشبل من ذاك .. واستمر مسلسل تولية عائلة الأسد العلوية بالمناصب العليا للبلاد لإحكام السيطرة، وكذلك المفاصل الحيوية بالجيش وهو ما يصعب المشهد كثيرا اليوم ويلون ربيع سوريا بالدماء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.