سعر سبيكة الذهب في مصر بعد الانخفاض الجديد في جميع الأوزان    رد فعل محمد صبحي بعد تبديله يفجر حيرة جماهير الزمالك    سقطت من الدور الخامس.. النيابة تحقق في مصرع ربة منزل بالعبور الجديدة    نكبة جديدة ونهائية    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    جمعية الخبراء: الضرائب الرقمية تحدد مسار قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات    الكرة النسائية.. الزمالك يخطف نقاط المقاولون بهدف نظيف    انطلاق قمة "رايز أب 2025" من المتحف المصري الكبير    المخرج محمد عبد العزيز يكشف كواليس علاقته بعائلة محمود عبد العزيز    قصور الثقافة: مكتبات وبيوت الثقافة التي تضم أندية أدب وفرقا فنية مستمرة في أداء دورها    قصص «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» لوئام أبوشادي ترصد الصمود الإنساني في وجه الأزمات    وزير الثقافة يصطحب نظيرته الفرنسية في جولة بالجناح المصري في بينالي فينيسيا للعمارة    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    نانسي عجرم تستعد للغناء في جاكرتا هذا الموعد    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    حريق في عدد من المنازل بعزبة البهنساوى ببنى سويف بسبب ارتفاع درجات الحرارة    إدارة القوافل العلاجية بالمنوفية تحصد المركز الثاني على مستوى الجمهورية    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    الزمالك يحدد جلسة تحقيق جديدة مع زيزو    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: تأشيرة وتصريح الحج من لوازم شرط الاستطاعة    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    تراجع جديد في أعداد قاطني مخيم الهول السوري    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    سجل الآن.. الوطنية للتدريب تطلق مبادرة "أنا أيضًا مسئول" لبناء وعي القيادة والمسؤولية لدى الشباب    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    عاجل.. الزمالك يُصعّد: نطالب بحسم مصير "القمة" قبل 13 مايو لضمان العدالة في المنافسة على اللقب    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    لجنة المشاركة السياسية بالمجلس تنظم ندوة لتوعية الشباب بجامعة بورسعيد    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية ما بين المقاهي والفلسفات وجديد الكتب!
نشر في محيط يوم 04 - 05 - 2016

ما بين المقاهي، والفلسفات، والأفكار، وجديد الكتب تتألق الحرية كقيمة سامية، وحاضرة دوما في اهتمامات الإنسان عبر المكان، والزمان فالحرية هي الدافع لفلسفة مثل "الفلسفة الوجودية" التي أثرت في الإنسانية كلها، غير أن حرية الإنسان عند هذه الفلسفة لا يمكن أن تنفصم عن المسئولية، كما يوضح كتاب جديد حول هذه الفلسفة.
وكتاب "في المقهى الوجودي" لسارة باكويل يحظى باهتمام ملحوظ في الصحافة الثقافية الغربية، بينما تتسابق كبريات الصحف مثل صحيفة "نيويورك تايمز" في عرض ونقد هذا الكتاب الذي يتحدث عن عصر انتشرت فيه الفلسفة الوجودية وتوهجت أسماء إعلام هذه الفلسفة، وفي طليعتهم جان بول سارتر ورفيقته في مسيرة الحياة سيمون دي بوفوار.
وقد اختارت المؤلفة عنوانا فرعيا لكتابها الجديد هو: "الحرية، الوجود، كوكتيل عصير المشمش"، أو كما نسميه في الشرق "قمر الدين"، فإن اختيارها لهذا العنوان الفرعي جاء ليعيد إلى الأذهان أنه كان المشروب المفضل لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وريمون ارون في حوارات المقاهي حول الفلسفة الوجودية.
ويرى الناقد ادوارد ميندلسون في صحيفة "نيويورك تايمز" أن هذا الكتاب هو بمثابة بورتريه مشترك يجمع بين أهم إعلام الفلسفة والفكر الوجودي في الغرب خلال القرن العشرين، فيما توهج خيال المؤلفة لتتصور أن هؤلاء الإعلام قد اجتمعوا معا في مقهى واحد تمنت أن يكون أحد المقاهي الباريسية التي اشتهرت في زمن توهج الفلسفة الوجودية وذيوع شهرة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر.
وهكذا تتردد في هذا الكتاب المهم أسماء لفلاسفة ومفكرين كبار في الغرب مثل مارتن هيدجر وموريس ميرلو- بونتي وكارل يسبرس وحنة اردنت والبرت كاموس، فيما تتناول المؤلفة معاني وظلال الفلسفة الوجودية التي تعني في أحد جوانبها "حرية ابتكار النفس مع تحمل المسئولية الشخصية لكل إنسان عن خياراته وأفعاله وتصرفاته"، وهذا هو المفهوم الذي تبناه الثنائي الوجودي الأشهر سارتر- سيمون دي بوفوار.
وتتطرق سارة باكويل بأسلوبها السردي الجذاب والطريف معا لأفكار سارتر حول الدمج بين الوجودية والماركسية وخاصة عقب الحرب العالمية الثانية رغم التناقض الكبير بين بعض المكونات لكل من الفلسفتين.
وطرافة أسلوب سارة باكويل لم تكن على حساب جدية تناولها للقضايا الكبيرة مثل مواقف كبار الفلاسفة والمفكرين الوجوديين وغيرهم حيال أهم القضايا السياسية واخطر الأزمات الأخلاقية التي جابهت الإنسانية اعتبارا من ثلاثينيات القرن العشرين.
وهي في سياق هذا التتبع لمواقف فلاسفة ومفكرين كبار راحت تتقصى رؤية كل منهم لنفسه وعلاقاته بالآخرين فيما استعانت بكتابات لهؤلاء الفلاسفة، والمفكرين وسيرهم الذاتية لتمضي بلا هوادة في مقارنات دالة ما بين الأقوال، والأفعال بغية إجلاء الحقائق، والتمييز بين المواقف الحقيقية، والبطولات الوهمية أو الفصل الواضح ما بين الحقائق والأكاذيب.
ولعل ساره باكويل تقدم في هذا الكتاب - حتى دون أن تقصد - درسا مفيدا في كيفية تناول أعقد الأفكار لفلاسفة مثل مارتن هيدجر وأصعب القضايا والمعضلات الفلسفية بأسلوب جذاب وطريف ومفهوم لأي قارئ، ولعلها أيضا تقدم درسا جديدا في معنى "السهل الممتنع في الكتابة".
وإذا كانت الوجودية كفلسفة تقترن بالحرية، فإن هذا الكتاب اتجه منذ فصله الأول لاستعراض مكثف وبليغ "لأفعال الوجوديين" ومدى اتساق هذه الأفعال مع فلسفتهم، فيما لم يكن كتابها لينحصر في حدود فرنسا وحدها، إذ اتجهت بعد ذلك لألمانيا المجاورة وموطن بعض أهم الفلاسفة الوجوديين مثل مارتن هيدجر.
واذا كانت المقاهي سواء كانت حقيقية أو من نبع الخيال حاضرة دوما في هذا الكتاب حول واحدة من أهم الفلسفات الإنسانية، فإنها حاضرة أيضا في تاريخنا الثقافي المصري والعربي الذي قد يوميء كذلك بأن ثمة حاجة ثقافية لطروحات ودراسات من منظور عربي حول مدى تأثير الفلسفة الوجودية في اجيال من المثقفين العرب واهتمامات المبدعين والاتجاهات في الرواية والشعر من المحيط إلى الخليج في السنوات التي توهجت فيها هذه الفلسفة الغربية المنشأ.
ومع أن ساره باكويل سعت لابتكار "مقهى وجودي" بعين الخيال ليجمع بين اقطاب وإعلام هذه الفلسفة، فإنها لم تغفل الواقع الذي يقول أن مقاهي باريس شهدت بالفعل مولد أعظم أفكار الفلسفة الوجودية منذ عام 1932 عندما كان يرتادها جان بول سارتر ليدخل في حوارات مع مفكرين ومثقفين من بينهم صديقه ريمون ارون.
ولئن كانت الكاتبة السورية المقيمة في فرنسا هدى الزين قد أصدرت أيضا كتابا بعنوان: "المقاهي الأدبية في باريس.. حكايات وتاريخ"، فقد يعيد ذلك للأذهان أن المقهى كان ركيزة أساسية من ركائز الحياة الثقافية، والاجتماعية على امتداد مصر المحروسة، وقد يوميء كل ذلك لأهمية توثيق الأدوار الثقافية، والأدبية للمقاهي في أرض الكنانة استكمالا لجهود ثقافية وإصدارت على هذا المضمار، مثل كتاب "القهوة والأدب" لعبد المعطي المسيري.
فهناك مقاه مصرية لها أيضا حكايات وتاريخ وصفحات مضيئة في قضايا الدفاع عن الحرية وأغلبها "مقاهي ثقافية وادبية" على غرار ظاهرة المقاهي الأدبية التي عرفتها باريس وغيرها من العواصم وكبريات المدن الأوروبية منذ القرن الثامن عشر، فيما امست هذه المقاهي أماكن مفضلة لبعض المفكرين، والأدباء، والفنانين.
فمن الذي ينسى أسماء مقاهي مصرية نهضت بأدوار ثقافية وأدبية ناهيك عن دورها في الدفاع عن قضايا الحريات مثل "متاتيا و"الفيشاوي" و"ايزافيتش" و"ريش" و"على بابا" و"عبدا لله" و"بترو" و"المسيري" و"زهرة البستان"؟! .
وكما اشتهرت بعض المقاهي الباريسية، وذاع صيتها بفضل أسماء روادها من كبار المثقفين ونجوم الإبداع مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وجيوم ابولينير الذي ارتبط بمقهى فلوار في منطقة سان جيرمان، فإن مقاهي قاهرية اشتهرت وذاع صيتها بفضل مثقفين ومبدعين في قامة النوبلي نجيب محفوظ والمفكر العملاق عباس محمود العقاد والكاتب الفنان توفيق الحكيم وسيد القصة القصيرة يوسف ادريس والساخر النبيل محمود السعدني.
بل إن هناك من المقاهي المصرية ما كان ساحة، ومنتدى لرواد مؤسسين وآباء ثقافيين ومدافعين عن الحرية مثل جمال الدين الأفغاني وعبد الله النديم ومحمد عبده ومحمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبد العزيز البشري، وبما يبرهن على صحة مقولة إن المقاهي من أكثر الأماكن ودا وتعاطفا مع المثقفين كما أنها شاهد أصيل على التحولات الاجتماعية، والسياسية.
ولئن ذهبت هدى الزين في كتابها إلى أنه لا يوجد كاتب عاش في باريس أو أقام فيها ردحا من الزمن لم يكتب عملا أدبيا من أعماله في المقهى معيدة للأذهان أن سيمون دي بوفوار كانت تكتب أعمالها في مقهى "سيليكيت" بحي المونبارناس، وأن ارنست هيمنجواي كتب قصصه القصيرة في مقهى"غلوسري دي ليلا"، فإن المقاهي المصرية عرفت تلك الظاهرة أيضا على نحو أو آخر كما يتجلى مثلا في حالتي الكاتبين الراحلين سليمان فياض وخيري شلبي اللذين كتبا الكثير من أعمالهما الإبداعية في المقاهي.
والأديب المبدع توفيق الحكيم كتب أجزاء من بعض أعماله مثل "أهل الكهف" و"يوميات نائب في الأرياف" بركن محبب لنفسه في مقهى المسيري بدمنهور، فيما قال الأديب الكبير يحيي حقي عن مقهى المسيري: "ذلك المثقف أو الأديب الذي يفكر في زيارة مدينة التاريخ القديم والتجار الشطار لكي يتعرف إلى صور الحياة، وعادات الناس هناك، لابد أن يجلس على رصيف مقهى المسيري الذي يمثل ظاهرة مهمة عند ابناء المدينة المثقفين والأدباء والزجالين".
وكان مقهى "بترو" في الإسكندرية يتحول لمنتدى ثقافي في أشهر الصيف.. رواده هم كبار ادباء مصر وفي مقدمتهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وثروت اباظة وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد الحميد جودة السحار وحسين فوزي.
ولا تختلف القاهرة عن باريس في ذلك الانتشار الكثيف للمقاهي على مختلف جاداتها وشوارعها، وتلك المقاهي تشكل جزءا لا يتجزأ من المشهد القاهري ومن حياة القاهريين وعاداتهم اليومية وتراثهم وتاريخهم، تماما كما تلاحظ هدى الزين بالنسبة للمقاهي الباريسية في كتابها الذي ركز على المقاهي الأدبية في العاصمة الفرنسية.
وإذا كانت ساره باكويل قد اختارت "المقهى الوجودي" عنوانا لكتابها الجديد عن الفلسفة الوجودية، فيحق للكاتبة السورية هدى الزين أن تقول أن المدارس الواقعية الاجتماعية في الأدب والمنطقية والوجودية في الفلسفة انطلقت من المقاهي الأدبية في باريس وارتبطت هذه المقاهي بالتيارات الفكرية التي شهدتها فرنسا في فترة ذهبية من تاريخها الأدبي والفكري والفني، ومن الحق أيضا القول بأن المقاهي المصرية وخاصة في القاهرة نهضت بأدوار مشابهة إلى حد ما على هذا الصعيد.
وإذا كانت مقاهي قاهرية ذاع صيتها في الماضي بعد أن ارتادها مثقفون كبار ثم اندثرت وتحولت لأنشطة أخرى مثل مقهى ايزافيتش الذي كان من الملامح البارزة لميدان التحرير، فمن الطريف أن الأمر في باريس على صعيد المقاهي قد لا يختلف أيضا عن المشهد القاهري في مسألة تحويل بعض المقاهي الشهيرة لأنشطة أخرى كمحال تجارية أو مطاعم، مثلما حدث لمقهى "كلوني" الباريسي، فيما تنعي هدى الزين بعض المقاهي الغابرة التي جلس فيها بعض عمالقة الفكر واساطين الثقافة وكبار الشعراء.
وقد يعيد ذلك للأذهان دعوات أطلقها مثقفون مصريون منذ فترة ليست بالبعيدة لضرورة الحفاظ على مقهى "ريش" القاهري الذي اقيم منذ عام 1908 وكفالة استمراره في دوره الثقافي المتميز وحمايته من مخاطر الإغلاق أو تحويله لنشاط آخر، فيما كان جاك لانج وزير الثقافة الفرنسي في عهد الرئيس فرانسوا ميتران قد تدخل لنزع ملكية مقهى "الفوكيتس" في الشانزلزيه بعد أن حاول ملاكه الجدد تحويل هذا المقهى التاريخي والثقافي إلى معرض للسيارات.
وتقول هدى الزين في كتابها إن بعض مشاهير الأدب العربي مثل طه حسين وتوفيق الحكيم وسهيل ادريس والبير قصيري كانوا يترددون على مقهى "كلوني" الباريسي، فيما يستدعي بعض محبي الكاتب الساخر النبيل محمود السعدني جلساته في مقهى "عبد الله" بالجيزة والحوارات الفكرية والأجواء الثقافية في تلك الجلسات التي كان يشارك فيها مثقفون كبار مثل أنور المعداوي وزكريا الحجاوي وكامل زهيري وعبد القادر القط وعباس الأسواني، ناهيك عن الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل.
وأول مقهى أدبي عرفته فرنسا كان يحمل اسم "لاموموس" في منطقة سان جيرمان، فيما تورد هدى الزين اسماء بعض المقاهي الأدبية الشهيرة في هذا البلد مثل "ديماجو" في الحي اللاتيني، و"لو بركوب"، و"لافلور"، لافتة إلى ظاهرة جديدة في المقهى الثقافي الباريسي وهي "ظاهرة الحكواتية" التي اخذها الفرنسيون عن طقوس الشرق والمقاهي العربية الأصيلة.
واذا كانت باريس من اشهر مدن العالم وأكثرها توهجا في ظاهرة المقاهي المسرحية والفلسفية، فإن هدى الزين تقدر عدد هذه المقاهي في فرنسا بنحو 150 مقهى، بينما تتوقف ساره باكويل في كتابها الجديد عند دور المقاهي في بناء صداقات وثيقة بين فلاسفة وجوديين كبار مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وموريس ميرلو-بونتي.
في تلك المقاهي التي تشكل جزءا حميما من المجال العام والفضاء الثقافي كانوا يناقشون ويبحثون قضايا الحرية باعتبارها قيمة إنسانية سامية لا يمكن للإنسان التفريط فيها ما دام قد اختار البقاء كإنسان.. إنها الحرية سر الابداع وضوء الدروب والنفوس في كل مكان وزمان!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.