وهي الدولة التي ُتحكم شرع الله بفهم الصحابة والسلف الصالح كما قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100 . والذي اختلفت عليه الفرق الإسلامية فمنها من قدم العقل على النقل في الفهم كالمعتزلة ومنها من قدم الظاهر على المقاصد كالخوارج ومنها من قطع بالظن كالشيعة الذين قطعوا بعصمة أئمتهم من خلال الأدلة ظنية الدلالة أو ظنية الثبوت . ولقد ظل السواد الأعظم من المسلمين متوازنون يدافعون عن فهمهم للشرع الحنيف . وكل فترة تخرج علينا خارجة تشبه من سبق من الفرق وتكون فتنة كفتنة خلق القرآن أو كفتنة تكفير المسلمين أو فتنة الجماعة المعصومة بعصمة الإمام أو الجماعة الربانية كيفما كانت المسميات فهي فكرة التزكية للنفس أو الجماعة على باقي المسلمين. وقد ُتمكن تلك الفرقة في الأرض إلى حين ثم تكون الغلبة للسواد الأعظم ولفهم السواد الأعظم من المسلمين . والفرق تجعل لها أدبيات خاصة تميزها على السواد الأعظم ولقد تميزت فرقة الخوارج بكثرة العبادة ويحقر أحدنا صلاته إلى صلاتهم ويقرءون القرءان ولا يجاوز تراقيهم أي لا يفهمونه على وجهه . كما تميزت فرقة الشيعة بتقديس أئمتهم وأن الأخبار عندهم لا ُتصدق إلا من محدثيهم فتميزوا بسندهم في الأحاديث . وتشدق المعتزلة بأصولهم الخمس وهم التوحيد –العدل – الوعد والوعيد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-المنزلة بين المنزلتين . وليس المجال مجال استعراض الأفكار إلا أن المقصد أن الفرق خالفت دوما جموع المسلمين وأتت بأدبيات تفرقهم عن السواد الأعظم فتمايزوا ببيعات خاصة وأفكار تصادم المعاني التي استقرت من خلال تأويل نصوص شرعية قد حفظوها وتدربوا على الاحتجاج بها من خلال أسر تربوا داخلها على السمع والطاعة لهيكلهم التنظيمي فتمايزوا عن باقي المسلمين وغالبا ما تبدأ الفرق سرا بين أظهر المسلمين القائمين بالفرائض حتى إذا ما أحسوا بالقوة أعلنوا مذهبهم ولقد تمكنت فرقا من إقتطاع أراضي ودولا إلا أنهم ظلوا دوما قلة بجوار السواد الأعظم من المسلمين. نرجع إلى دولة الخلافة ويحضرني قول الله تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26 . فدولة الخلافة تراعي مقاصد الشريعة وتطبق قطعياتها بفهم السواد الأعظم الذي يضم قطعا علماء الأمة فعوام الناس هم تبع لعلماء الأمة . وتطبيق الشريعة واجب على الحاكم والمحكوم .. والأمم تتقدم بقدر تطبيقها للشرع .. فالصدق والأمانة واتقان العمل والبذل والعطاء وعدم العدوان والشجاعة والمروءة وكل خلال الخير هي من الشريعة ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق (حسن) .. وكل ألوان الخير هي من الشريعة .. فالشريعة هي كل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة المتفق على معانيها .. والأمم الإسلامية تطبق الشريعة بنسب مختلفة حسب قدراتها وعزائمها والكل مشترك في التعاون على البر والتقوى -وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ- (المائدة: 2). فالشريعة مسئولية الحاكم والمحكوم وما يجري في المجتمع ما هو إلا محصلة تفاعل كل قوى المجتمع وليس تطبيق الشريعة مسئولية فردية بل هي مسئولية جماعية وأول طريق لتطبيق الشريعة هو إصلاح ذات البين بين أفراد المجتمع .. فبذر الشقاق (الخلاف) وسوء الأخلاق بالسباب للغير والعدوان القولي المفضي إلى العدوان العملي يصد عن سبيل الله ويقف ضد تطبيق جيد للشريعة .. فمن العجب أن الخوارج يرفعون شعار -إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ-، وواقعهم لا حكم إلا لنا فهم ضد الشريعة، فالشريعة ضد الاستبداد وهم مستبدون هدفهم الملك والاستئثار بالرأي .. ولو أن كل منا قد أقام الشريعة في نفسه بفهم السواد الأعظم لأدى ذلك إلى دولة الخلافة على الأرض.