حملت أفكاري وأشيائي معي، وقالوا لي لا تنس النية، فقلت ومعي البطنية، ورحلت إلى ميدان التحرير والغضب أمرّ على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا فالكل من الاتجاهات والأفكار ممثل، حتى الفلول ومن يطلقون عليهم حزب الكنبة أو (الأغلبية الصامتة)، والكل يقول: أنا صاحب الثورة وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ومنذ جمعة (الاستقرار ورفض وثيقة السلمي) إلى جمعة إنقاذ الثورة وحق الشهداء، والميدان يعج بكل التيارات، وحالة التجاذب والتنظير السياسي تملأ الميدان، وكأننا في مجتمع أثينا الأول (دولة المدينة ومدينة الدولة) . حالة الاستقطاب السياسي كبيرة جدا في الميدان بلغت ذروتها مع حصار الدخان للعديد من أركان الميدان، والسخونة انقلبت من أسطوانة الغاز المصنوعة في الولاياتالمتحدة إلى جدران الميدان. وإلى مشاهدات الميدان بنظارة مكبرة عبر أيام اللهب والنار تحت سماء التحرير. البطل الحقيقي أطباء الإسعاف الوضع في الميدان في المرحلة الأخيرة اختلف عنه أيام ثورة 25 يناير، فالضرب كان في عمق الميدان إبان الثورة بجمعاتها المختلفة، ومشهد الإسعاف لم يكن موجودا. أما هذا الأسبوع فقد ظهر بطل حقيقي مختلف عن أيام 25 وهو سيارات الإسعاف، وكذلك عدد كبير من متطوعي الإسعافات الأولية من أطقم التمريض والأشعة المتنقلة، حيث تم عمل مقرات للإسعافات على طول الميدان وعرضه. وتم عمل غرفة عمليات للحالات الحرجة في مسجد عمر مكرم في دار المناسبات للبت في مدى أهمية انتقالها للمستشفيات العامة والخاصة، وكانت دقة النظام في هذا المجال قللت كثيرا من حجم الخسائر في الأرواح لأن الجميع تكاتف خلال إسعاف المصابين بشكل سريع. وعندما خرج بيان المجلس العسكري بعدم مسئوليته عن دماء الشهداء والجرحى كذب بيان الأطباء هذه الادعاءات في بيان صدر من أطباء الميدان يوم الخميس 25/11. العدو الحقيقي الغاز والرصاص المطاطي انقلب مدخل الميدان من شارع محمد محمود من أيام الأحد إلى الخميس ليلاً، حيث كان ساحة للكر والفر، وتم منه إطلاق آلاف القنابل والرصاص المطاطي، وبعضا من الرصاص الحي، مما أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلا وثلاثة آلاف جريح بعضهم يرقد في المستشفيات حتى هذه اللحظة. إن الغريب أن 90% من الإصابات تركزت بشكل كبير في العينين ومضاعفات في الجهاز التنفسي وبعض الجروح من "البلي المطاطي" الذي كان يضرب بكثافة في الميدان حتى يوم الأربعاء23/11، الذي انتشرت فيه شائعات كثيرة. من هذه الشائعات تعمد قوات الأمن بمساندة الجيش إلقاء قنابل مجرمة قانونيا حتى في الحرب على المتظاهرين، واستخدام غرف التهوية والتكييف بمحطة مترو أنفاق السادات في نشر الغازات المسرطنة من مداخل سرية لا يعرفها سوى قوات مكافحة الشغب القديمة، ما تسبب في حالة من الهياج الشديد والإصرار على مطالب الثورة. الوطن الجريح وآلام التحرير مشهد جرحى الميدان في غاية الأسى، فحالة المصاب أحمد محمود السيد (فيديو) "من المرج" الذي فقد عينه اليسرى في الميدان يوم الأربعاء23/11 في نفس الوقت الذي استشهد فيه ابن خالته عصام عبد التواب مأساوية للغاية. فالرجل متزوج وعنده أطفال، لكننا حين زرناه بدا متماسكا، يرتدي "فنلة الثورة الحمراء المكتوب عليها 25 يناير". محمود يرضى بواقعة وقدرة، وعندما قلت له ما المكتوب في التقرير الطبي، قال انفجار في العين، أدى لاستحالة الرؤيا بها بعدها، فانصرفنا من عنده والألم يعتصر قلوبنا. " يادي الذل ويادي العار مصري بيضرب أخوه بالنار" حالات كثيرة ومشاهد متعددة من قلب الميدان بمستشفي عباد الرحمن بمحمد محمود، وإلى القصر العيني التعليمي لا يمكن أن أنساها؛ منها الكسر المضاعف لابن الدكتور كمال حبيب وكيف تعامل الرجل وزوجته بشجاعة مع إصابة ابنهما عبد الله. الاستقطاب "ولما نقرب أوي من بعض .... نصبح أقوي شعوب الأرض" (فيديو) "لما نقرب أوي من بعض لما بجد نخاف على بعض، يمكن نعلى حقيقي ونبقي أقوى شعوب الأرض" والتي شاهدناها في فيلم "أحلام عمرنا" كانت أغنية الميدان يوم الخميس 24/11، رغم أنها حالة لم تستقر كثيرا بسب حدة كثير من الشباب وإصرارهم على عمل قانون موحد للميدان. كان كثير من الشباب يوجهون الحالة الثورية بطريقة هجومية ضد الإخوان والسلفيين، وبعض الاتجاهات الليبرالية، إلا أن مجموعة من الشباب واجهت هذه الحدة بهذه الأغنية الرقيقة، فحولت المشهد في الميدان لحالة وطنية جديدة ارتفعت بعدها أناشيد وطنية وهتاف "ارفع رأسك فوق .. أنت مصري". الانتخابات في ميعادها وحكم العسكر مستمر يوم الجمعة 25/11 بعد الصلاة شوهد فريقان من الثوار؛ فريق التحرير الذي يرفض حكم العسكر، وفريق العباسية الذين يؤيدون المشير، ويطلق على مليونية التحرير مليونية "العربجية"، ويهتف "شمال يمين بنحبك يا مشير"، و"مية مية العباسية". وفي المقابل وفي نفس التوقيت، هتافات شباب التحرير "يسقط يسقط حكم العسكر" ، إلا أن الميدان التحرير انقسم هو الآخر حول من يرفض الانتخابات ويرى تأجيلها، ويضعها في مطالب الثوار، وبين من يؤيد الانتخابات في موعدها وفي نفس الوقت يرفض حكم العسكر. الائتلاف الإسلامي الحر ورفض حكومة الجنزوري رفض (الائتلاف الإسلامي الحر) بقيادة د. أحمد حسين عجيزة و(حزب السلامة والتنمية) بقيادة د .كمال حبيب، تشكيل حكومة الجنزوري، وأرجع السبب لاتهام الجنزوري في قضايا فساد؟!(فيديو) وكما يري المفكر الإسلامي السياسي أن الموظف العمومي يجب أن لا يبيع ولا يشتري مع الدولة، وفي حضور الداعية الإسلامي شريف هزاع، تحدث د. كمال حبيب عن مفهوم الثورة وعلاقتها بالمجلس العسكري وقدرات المشير والموظفين العموميين في المرحلة الأخيرة على إدارة شئون البلاد، والتف كثير من الشباب الإسلاميين ومتظاهري التحرير حول كلمة حبيب. الطرد من الميدان عقاب التخلف عن الثورة
شهد الميدان أيضا في هذا الأسبوع عمليات طرد ورفض لكثير من الشخصيات العامة ورجال النخبة، فقد رفض كثير من شباب التحرير دخول د. محمد سليم العوا، وأيمن نور، وسعد الكتاتني، وعمرو حمزاو ي. وكانت هناك هتافات معادية ورافضة لتوجيه الميدان للنخب، أو أية دعاية انتخابية تخدم أشخاصا أكثر مما تخدم وطنا وأهدافه العليا، وهذا ما رفضه الجموع مع المرشح المحتمل حازم أبو إسماعيل رغم أنه لم يتعرض للطرد بسبب موقفه الداعم للميدان. لقد رفض الشباب عمل منصة له يلقي من خلالها كلمته وأفكاره التي يعتبرها بعضهم دعاية انتخابية خاصة في وسط الميدان، ولم يسلم الأمر من قبض الشباب على ضابط أمن دولة لم يعرف السبب الحقيقي لمحاولة دخوله الميدان بالسلاح. كذلك تم طرد علياء المهدي صاحبة الصور العارية على "فيس بوك"، بعد الاعتداء عليها في الميدان. الرايات السوداء وتنظيم القاعدة مشهد غريب لم يعهده ميدان التحرير أصاب بعض الناس بالخوف والفزع، وهو وجود الرايات السوداء المكتوب عليها (لا إله إلا الله)، والتي يقف تحتها أشخاص ملتحون يحملون لافتات مشابهة. ويبدو أنهم اختلفوا في عرضها بهذه الطريقة الاستعراضية، فراحوا يتشاجرون فيما بينهم، تارة بين شباب التحرير الرافض لوجودهم من جانب آخر، وبين بعض الإسلاميين الرافضين لسلوكهم الشاذ والغريب، مما جعل المشهد مرتبكا. هؤلاء الأشخاص عددهم قليل لا يتجاوز الأربعة عشر شخصا، يهاجمون الإخوان والسلفيين، ويرفضون جميع الأحزاب سواء الإسلامية أو الليبرالية والعلمانية بحجة أنها أحزاب كافرة وتحكم وتتحاكم بغير شريعة الإسلام. يحاول الانتحار والسبب ضيق الرزق شهدت محطة مترو أنفاق التحرير في تمام الساعة الثانية عشر ودقيقتين يوم جمعة استرداد الثورة وحق الشهداء أيضا مشهدا غريبا من أحد بائعي الصحف. (فيديو) فقد انتظر هؤلاء الباعة حتى انصرف الأمن الخاص بالمحطة، ودخلوا على غير العادة يحملون مجموعة من الصحف اليومية والأسبوعية يبيعونها للركاب داخل المحطة، ورفض موظفو المحطة هذا السلوك وتنازعوا بينهم. أحد البائعين ألقى بنفسه أمام شريط المترو احتجاجا على منعه من البيع داخل المحطة، وأمام شريط محطة أنور السادات (التحرير)، وعلى القطار المتجه من المرج إلى حلوان سقط الشاب، وبسرعة قفز أحد زملائه وأخذ يضربه في رأسه عدة ضربات سريعة ومتلاحقة أفقده توازنه وبمساعدة الركاب تم حمله إلى المحطة مرة أخري وتم إنقاذ حياته. لم تمر عدة ثوان إلا واندفع القطار متجها إلى المحطة وعادت الحياة طبيعية إلى المحطة بعد ذلك. تلك هي بعض مشاهد أسبوع الألم والغضب، وإنقاذ الثورة وحق الشهداء، وربما تغير المشهد عن ذي قبل أيام ثورة 25 يناير، فحالة الاستقطاب كانت حادة، بين رافضي الانتخابات ومن يؤيد الانتخابات في موعدها. إن تغير المشهد يخيب آمال جموع المصريين أو ما يطلق عليه (الأغلبية الصامتة)، ففي وسط اتهامات شديدة اللهجة لأكثر الإسلاميين و(خاصة الإخوان والسلفيين) بأنهم يعملون من أجل مصالحهم والوصول للحكم. وكان الأجدر بهم أن يشاركوا بقوة في أيام الغضب والألم واسترداد الثورة بدلا من تحصيل الغنائم، كما قال عنترة بن شداد: يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم