"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".. هذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية، وما اعتبره الفقهاء والأئمة إنه غير مشروط بحياة أو موت فحرمة المسلم حيا كما حرمته ميتا. ويعتدي البعض على الأموات بنبش قبورهم، واستخراج جثامينهم، أو ما تبقى منها لأغراض تخصهم، وهو الأمر الذي يحرمه الإسلام ما لم يكن لضرورة ملحة. وورد عن جابر رضى اللَّه عنه أنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جنازة فجلس النبي على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظما - ساقا أو عضوا- فذهب ليكسره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تكسرها، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا، ولكن دسه فى جانب القبر"، وهو حديث رواه مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح. حرام إلا بشرط وفي فتوى له عام 2001، قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق، إنه بمجرد دفن جثث الموتى يحرم نبش قبورهم إلا بغرض صحيح شرعا. وأضاف "مثل إخراج مال ترك في القبر أو تعديل من دفن إلى غير جهة القبلة وتغسيل من دفن بغير غسل وكذلك إذا لحق بالقبر سيل أو نداوة أو إذا دفن في أرض أو ثوب مغصوبين". وأوضح واصل أنه في هذه الأحوال يجوز نبش القبر، ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو تغييره أو انكسار عظمه، وهو ما تقول به المذاهب الأربعة التي اشترطت أن يكون نقل الموتى لغرض صحيح، وإلا فإنه يحرم ذلك. أما دار الإفتاء المصرية، قالت في رد لها على سؤال أحد المواطنين عن كيفية التعامل مع الرفات عند تجديد المقابر إنه لا يجوز فتح القبور إلا للضرورة: مِن مثل دفن ميت آخر ولا مكان لدفنه إلا القبر المذكور، أو عند تعرضها لما فيه إهانة أو إفساد للرفات كمياه سيول أو طفح أرضي أو صرف صحي، أو اعتداء أو نبش. وأوضحت أن فتح القبور في هذه الحالات يكون من باب الضرورات التي تبيح المحظورات على أن يتم جمع متعلقات كل متوفى على حدة وتدفن مؤقتا مفصولة عن غيرها بحاجز في مكان بديل إلى انتهاء التجديد، ثم يُعاد الدفن مع مراعاة توجيه الموتى بصدورهم إلى القبلة وجوبا. التشريح وفيما يخص تشريح جثث الموتى بجرائم جنائية، فقد جاء في فتوى صادرة من دار الإفتاء المصرية فى 31 من أكتوبر سنة 1937م للمفتى الأسبق الشيخ عبد المجيد سليم، إذا كانت هناك مصلحة راجحة فى شق البطن وتشريح الجثة من إثبات حق القتيل قبل المتهم أو تبرئة هذا المتهم من تهمة القتل بالسم مثلا، أنه يجوز الشق والتشريح، ولا ينافى هذا ما جاء في الحديث الشريف من قوله عليه الصلاة والسلام كسر عظم الميت ككسره حيا. أما الشيخ الراحل عطية صقر، والذي شغل منصب رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف، فقال، إن التشريح من أجل التعلم والتعليم محل خلاف بين العلماء، ومن أجازه قال: لا يصار إليه إلا عند الضرورة وفى أضيق الحدود، ولو أمكنت الدراسة على حيوانات مماثلة لكان أولى، وكذلك لو أمكن الاستغناء عن التشريح بالنماذج المصنوعة - وهى دقيقة إلى حد كبير-فلا يجوز اللجوء إلى جثة الآدمي. نقل الموتى وأورد الشيخ عطية صقر عام 1997 في فتوى له عن إجازة نقل الميت من البلد الذي مات فيه ليدفن في بلد آخر، أورد آراء الأئمة الأربعة في هذا الشأن. قال الحنفية: يستحب أن يدفن الميت فى الجهة التى مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته. وقال الشافعية: يحرم نقله إلى محل آخر ليدفن فيه، حتى لو أمن تغيره إلا إذا جرت عادتهم بدفن موتاهم فى غير بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات فى جهة قريبة من مكة أو المدينةالمنورة أو بيت المقدس، أو قريبا من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته، وإلا حرام، وهذا كله إذا كان قد تم غسله، وتكفينه والصلاة عليه فى محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقا. وقال الحنابلة: لا بأس بنقل الميت من الجهة التى مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النقل لغرض صحيح، كأن ينقل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها، أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته. وقال المالكية: يجوز نقله بشروط ثلاثة: أولها ألا ينفجر حال نقله، ثانيها ألا تنتهك حرمته، بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، وثالثها أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يراد نقله إلى مكان ترجى بركته، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه، فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حُرم النقل. بعد الدفن قال الحنفية: يحرم إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التي دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه بالشفعة، يعنى استحقها شخص آخر مجاور لها. وقال الشافعية: يحرم نقله إلا لضرورة، كمن دفن في أرض مغصوبة، فيجوز نقله إن طالب بها مالكها. وقال الحنابلة: يجوز النقل بالشروط المذكورة في النقل قبل الدفن، فإن فقد شرطا، كان النقل حراما قبل الدفن وبعده. وقال المالكية: يجوز نقله بالشروط الثلاثة المذكورة فى النقل قبل الدفن، فإن فقد شرط منها حرم النقل.