صدر عن دار "ركائز المعرفة" كتاب جديد للدكتور زكي البحيري الباحث المصري في الشأن الإفريقي بعنوان "مشكلة جنوب السودان .. بين الأصل التاريخي والتطورات السياسية " وهو الجنوب الذي لعبت القوى الاستعمارية دورا كبيرا لتفتيته عبر بث دعاوى الاختلافات العرقية والدينية والثقافية بين أهالي السودان. ويلقي مؤلف الكتاب وفق صحيفة "البيان" الضوء على الحرب الأهلية التي بدأت بين جنوب وشمال السودان قبيل الاستقلال، واستمرت حتى اتفاق نيفاشا 2005، باستثناء الفترة من عام 1972 - وهو العام الذي عقدت فيه اتفاقية أديس أبابا، حتى عام 1983 -حين تراجع جعفر نميري عن إنجازه التاريخي، وألغى تلك الاتفاقية التي كانت حققت لأهل الجنوب الحكم الذاتي، ولذلك لم تطرح عملية الانفصال عن الشمال من جانبهم وقتها، وبإلغاء اتفاقية أديس أبابا عادت الحرب الأهلية إلى الجنوب لكي تستكمل ما يقرب من نصف قرن من الصراع الدموي!
وفي عام 1985 اندلعت انتفاضة عارمة ضد جعفر نميري الذي خرج من السودان مغضوبا عليه، ليس فقط بسبب استئناف الحرب في الجنوب، بل لأسباب أخرى كثيرة، أهمها تهريب يهود الفلاشا إلى إسرائيل، وجاءت بعده حكومة انتقالية لإدارة البلاد برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، من عام 1985 1986، وخلفه الصادق المهدى في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات عام 1989، وطوال هذه الفترة لم تتمكن أية حكومة سودانية من إطفاء نار الحرب في الجنوب، ثم جاءت ثورة الإنقاذ عام 1989 التي حاولت التصدي لمشكلة الجنوب بالحرب تارة، وبالمفاوضات تارة أخرى، وسط تأثير عوامل متعددة جنوبية وشمالية .. أفريقية وعربية ودولية.
ويشير المؤلف إلى انه انعكست كل هذه العوامل على شكل التسوية التي بدأت في مشاكوس عام 2002، وانتهت في نيفاشا عام 2005، وبعد تبني حق تقرير المصير لأهل الجنوب .. وذلك في استفتاء المصير الذي جرى في يناير 2011.
ويستعرض الكتاب مشكلة جنوب السودان منذ البداية، وحتى انقسام السودان إلى دولتين، بعد الاستفتاء على مصير الجنوب، ويؤكد مؤلفه أن مشكلة جنوب السودان جذورها ترجع إلى القرن التاسع عشر، حين خطط حكام السودان من الإنجليز، في الفترة من 1899 1956، إلى خلق كيان جنوبي مختلف عن الشمال، ومنع كل من الطرفين من السفر إلى الجهة الأخرى. وتم ترحيل التجار والموظفين الشماليين من جنوب السودان، وصدرت الأوامر بمنع استخدام اللغة العربية، وإحلال اللغة الإنجليزية محلها، وشكلت كتائب عسكرية جنوبية بحتة، مثل الكتيبة الاستوائية.
الدكتور زكي البحيري. باحث وكاتب مصري، متخصص في الشؤون الأفريقية. وهو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة المنصورة بجمهورية مصر العربية. أصدر عدة مؤلفات عن قضية دارفور وأزمة أبيي والصراع بين شمال وجنوب السودان.