هاجم الكاتب البريطاني روجر كوهين، المرشح الجمهوري دونالد ترامب، مشبها أمريكا الآن بجمهورية "فايمر" التي نشأت في ألمانيا غداة انتهاء الحرب العالمية الأولى واستمرت نحو 14 عاما مهدت خلالها لتمكين أدولف هتلر النازي من مقاليد السلطة في البلاد. واستهل كوهين مقالا نشرته صحيفة النيويورك تايمز قائلا "مرحبًا في "فايمر أمريكا" حيث تصطخب نوادي السمر بالهرج والمرج، وحيث الناس سئموا من السياسة؛ راغبين في سماع كلام صريح، باحثين عن إجابات شافية". وأضاف "مرحبًا في أمة غاضبة اكتوت بنار حربين خاسرتين، سياساتها متناقضة، تموج بالحقد، تعاني عقدين من كساد الأجور الفعلية لمعظم الناس، تتعرض للإغواء من جانب رجل قوي يتعهد بإقصاء جميع المسلمين واستعادة عهد المجد الأمريكي". ورصد كوهين تصريح ترامب بخصوص مذبحة سان برناردينو وردود أفعال الجماهير على تلك التصريحات: يقول ترامب "سنكون صارمين للغاية ووضعاء للغاية وسيئين للغاية"، والجماهير تصيح، ثم هو يدعو لإغلاق الحدود الأمريكية تماما في وجه المسلمين، والجماهير تصيح، ثم يقول: "الناس يبحثون عن القوة"، والجماهير تصيح .. وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع جماهيرية ترامب، بينما النقاد يهزون رؤوسهم. وتساءل كوهين "هل ترامب يهرّج؟ كلا، إنه جادّ، ويعني ما يقول، ومن الحماقة عدم أخذ كلامه على محمل الجد". ولفت الكاتب إلى أنه في ظل تلك التصريحات، فإن نجم الصين آخذ في الظهور، فيما ينحسر المدّ الأمريكي بعد أن اندفن المجد في أفغانستان والعراق، كما تسود حالة من الخوف من أعداء محليين، بعد مجزرة سان برناردينو. على مدى أكثر من عشر سنوات، تُهرق الدماء والأموال الأمريكية فيما لا يُجدي تقريبا، والرئيس أوباما يزعم أن استراتيجيته ضد الإرهاب الجهادي مُجدية، وليس ثمة ما يدل على ذلك بوضوح .. والكثير من الأمريكيين يكافحون من أجل المعيشة، ورواتبهم لا تتناسب مع الأسعار. وفي وسط تلك الأجواء يظهر "ترامب" الرجل المُترَع بالطاقة، ويتعهد ببعث جديد لأمريكا، أو حتى نهضة، ويُهين المسلمين والمكسيكيين والمعاقين والنساء .. كلماته تقذف كراهية وحقدا .. هذا الكلمات تعزف على وتر الخوف، ومع ذلك فهي لا تؤثر عليه بالسلب .. إنه يجعل الدماء تسخن في عروق الناس، وهو يجهر بما يهمسون به. وحذر الكاتب من عدم أخْذ تصريحات ترامب على محمل الجد، ورأى أن ذلك "سيكون من الغباء والخطورة بمكان؛ إن كلماته الطنانة تنسجم مع "فايمر أمريكا" .. الولاياتالمتحدة لا تدفع تعويضات، تماما كما كانت "فايمر ألمانيا" بعد الحرب العالمية الأولى .. التضخم الشديد لا يلوح في الأفق، لكن الصبغة الأوروبية على السياسات الأمريكية تبدو واضحة لا تخطئها العين". أمريكا، كأوروبا، تكتوي بنار إرهاب تنظيم داعش، ولم تهتدِ بعد إلى طريقة أكيدة للتعامل مع تجار الموت الرافعين للرايات السوداء، وسياستها التي تعاني استقطابا تبدو منكسرة .. واليمين المتمثل في دونالد ترامب في أمريكا، إلى جانب اليمين المتمثل في "مارين لو بان" في فرنسا يظهران بالتزامن مع ظهور أزمتي الإرهاب والهجرة. "مارين لو بان"، هي الآن منافسة حقيقية على الرئاسة الفرنسية في انتخابات 2017، وهي مثل ترامب تمثل الإجابة بالنسبة لعامة الشعب على السؤال المتعلق بكيفية التصدي للهجمات الإرهابية التي ارتفعت وتيرتها على أراضيهم. ورصد كوهين تصريحات لو بان وردود أفعال الجماهير الفرنسية: تقول لو بان "الأصولية الإسلامية يجب اجتثاثها" والجماهير تصيح، ثم تقول "فرنسا يجب أن تحظر المنظمات الإسلامية" والجماهير تصيح، وتقول "على فرنسا أن تطرد الغرباء الذين ينشرون الكراهية في بلدنا، وكذلك المهاجرين غير الشرعيين ممن ليس لهم عمل هنا" والجماهير تصيح. ويقول الكاتب "لا شك أن تصريحات لو بان تؤخذ على محمل الجد في فرنسا .. إن شعار أوروبا هو اليقظة والحذر .. إن بُنيانها كله بعد الحرب قام على أساس الاعتقاد بأن السلام والتضامن والوحدة الاقتصادية وحالة الرخاء هي أفضل ضمان في وجه العودة إلى السقوط في قبضة اليمين الفاشي". ويضيف "هذا الاعتقاد الذي قامت على أساسه أوروبا الحديثة بدأ يهتز، وقد أدى ظهور تنظيم داعش وعدم قدرة الغرب على احتوائه، إلى استشراء فيروس الخوف من الإسلام "إسلاموفوبيا"، في تلك الأجواء يحاول ترامب في أمريكا و"لو بان" في فرنسا الترويج لقدرتهما على التعامل مع داعش .. يقول الأمريكيون إنهم خائفون من الإرهاب أكثر من أي وقت مضى منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر". واختتم الكاتب مشددا على أن ما حدث في أوروبا (ألمانيا) بعد الحرب العالمية الأولى يمكن أن يحدث في أمريكا اليوم، وعليه فإن عدم أخْذ تصريحات ترامب على محمل الجد سيكون خطأ واستهتارا وعدم اعتبارٍ من دروس التاريخ الحديث .. "انتهت جمهورية "فايمر ألمانيا" بصعود مُهرّج إلى السلطة فأغوى البلد التي أنجبت بيتهوفن وجر العالم معه إلى الهاوية".