حتى الكاتب العليم لم يصدق حين أخبر أن بشار الأسد يزور موسكو، ليس لكونها مفاجأة غير محسوبة، بل لأن ثمة مايدعو الى الاستهجان إذا عرفنا دقة أوضاع الرئيس السوري الأمنية. الزيارة إذن فتحت باب الاجتهاد في خصوصية الزعيمين وليس فقط في العلاقة الأكثر تمايزا بين البلدين سورياوروسيا. لو كان الأمر متعلقا بالبلدين لكان بالإمكان حل قضاياها عن طريق سفارة كل بلد، أو إرسال وزير الخارجية، لكن أن يقوم رئيس يشوب حياته الشخصية محرمات حركة خارج بلاده، فالأمر هنا تجاوز ماقلناه. والحق يقال إن ثمة قضايا حساسة تستدعي وجود الزعيمين رأسا برأس. تراها مهمة عاجلة أرادها الروسي أم هي مركبة منذ توقيت الدخول العسكري الروسي المباشر .. لاشك أننا أمام حدث يستدعي التكهن إذا لم تكن المعلومة متوفرة, ولا أظن انها ستتوفر بسرعة، فتكون نتائج زيارة الأسد أما في الميدان أو في السياسة .. ولأن الروسي مستعجل ووضع لمهمته قليلا من الشهور، فهنا مكمن المسألة وجوهرها. الأسد في موسكو اذن، سيكون اليوم عنوانا عريضا في كل صفحات الصحف والمجلات، مثلما كان بالأمس سيد الأخبار بلا منازع. والذين ظنوا أن الرئيس السوري يعيش أسر يومياته، هاهو علنا لدى الأعز، بل انه بات يشعر في بحبوحة من الحركة، تعني في النهاية أنه مرتاح لوضعه العسكري في الميدان، ومعها راحة شخصية قد لاتكون متوفرة قبلها .. وطالما أن الرئيس الأسد خارج بلاده ولأول مرة منذ الأزمة، فكم هي الحقائق التي ادخلها الوجود الروسي على الداخل السوري، وكم سيطيب لنا منذ ذلك الدخول أن نرى تطورات بالجملة، ليس أقلها الهجمات المتعددة للجيش العربي السوري، والارتياح العام في كل واقع سوري، وانقلاب الصورة لدى كثيرين كأولئك الذين راهنوا دائما على أن الأسد ليس له مكان في أية تسوية، وهو الوحيد الجاهز لأن يكون سيد التسويات في مستقبل الأزمة وفي حلها وما بعد حلها. رب قائل، هل ثمة اجتماع ما بين الرئيس السوري وشخصية غير مرغوب التحدث عنها الآن واختيار موسكو لذلك .. يمكن لنا أن نسأل ونزيد، فما يحدث في موسكو ليس عاديا، وبالتالي فإن تفاصيله لن تكون عادية هي الأخرى، ومن حق الحريصين على سوريا الأسد تحديدا، وعلى عنصر التشويق الذي تقوده موسكو وبرع الرئيس بوتين حتى الآن في إرسائه، أن يبحثوا عن أجوبة ليس ليعرفوا، بل لأنهم يقرأون بإعجاب تطورات الوضع في سوريا، بل لأن القفلة السياسة باتت تحتاج إلى الظهور ولو التدريجي. يجري كل ذلك في موسكو التي انعشت آمالا وخلقت أوضاعا ليس بالهين استيعابها حتى الآن .. ولذلك جاءت أفكار الصد أو مايمكن تسميته أفكار التمني كمثل الحديث عن الأفغنة أو ماينتظر الجيش الروسي في سوريا من مصائب .. في حين يزأر الروسي من بعيد ومن قريب محذرا بأنه في سوريا بلا صبر على أي من تسمح له نفسه بإزعاجه أو ارتكاب أي خطأ بحق جيشه. شيء ما في موسكو العزيزة على القلوب، إنها روسيا الموهوبة حين تكون سوفياتية وحين تصير بوتينية، وعلامتها دائما إنجاز فيه دائما كل الجدية إلى حد الخوارق أحيانا. نقلا عن " الوطن " العمانية