الوضع الدقيق الحالي فى سوريا مرتبط بصراع كوني شامل يؤسس لانتقال منطقة الشرق الأوسط من مرحلة تاريخية لأخرى ، كبرياء أرعن ومناورات سياسية ولعب على الوقت ، بالإضافة إلى تثقيل ملفات التفاوض مما جعل الوضع على حافة الهاوية . مبادرات دائما ما تثير الجدل وتتأرجح بين القبول والرفض من أطراف الصراع فى سوريا ، وتدفع الأزمة لحسم ميداني يكون هو الصخرة التي تفيق الجميع ، " تعليق القتال فى سوريا " عنوان عريض تشعبت تحته مبادرتي إيران وستيفان دى ميستورا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ، وكلاهما يحاول حل الأزمة سلميا . أربع نقاط مبادرة من أربع نقاط رئيسية كشف عنها مصدر إيراني رفيع المستوى ، يتصدر بندها الأول الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، ، فيما يدعو البند الثاني إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ، ويطالب البند الثالث بإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنينة المجموعات الإثنية والطائفية هناك ، ويشير البند الرابع إلى إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين. مبادرة دى ميستورا استهدفت حل الأزمة السورية بالطرق السلمية ضمن مبدأ الحفاظ على الدولة السورية و على سيادتها الوطنية ، ورفض التدخل الخارجي في الشأن السوري الوطني الداخلي ، ورغم التجاوب السوري الإيجابي مع المبادرتين ، إلا أن دمشق - التي تدرك مخاطر المخطط الأمريكي الصهيوني باستهدافه سوريا - تتعامل بحذر معهما ، ومع أي مبادرة تهدف إلى الانتقاص من السيادة الوطنية السورية أو المساس بها . وتعتبر مبادرة دى ميستورا - والتي تطرح للمرة الأولى تصورا للحل السياسي في سوريا في سياق التطورات الميدانية - غاية في الأهمية ، و لعل أبرز التطورات التي الميدانية إتمام الطوق حول مدينة حلب ومحاصرة الكتلة الإرهابية الأكبر حول دمشق ، وأفول نجم داعش شمال وشرق سوريا ، ووفقا للمعطيات تقترح المبادرة عملية سياسية من 3 مراحل يكون فيها للرئيس السوري بشار الأسد دورا بروتوكوليا مع وجود هيئة انتقالية تحكم البلاد بصلاحيات كاملة . ويشمل المكون الأول للمبادرة هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة عدا الصلاحيات البروتوكولية، وتتكون من المعارضة والحكومة السورية معا ، فيما يقترح المكون الثاني تشكيل "مجلس عسكري مشترك" ينسق عمل الفصائل المسلحة من قوات نظامية وفصائل معارضة ويشرف على إصلاح أجهزة الأمن، مع احتمال إلغاء بعض هذه الأجهزة ، ويدعو المكون الثالث إلى تشكيل مؤتمر وطني سوري وانتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأممالمتحدة. كما تهدف المبادرة إلى إضفاء صيغة أممية على التوصل لوقف إطلاق النار ونشر قوات تابعة للأمم المتحدة وإجراء حوار بين كافة الفرقاء السوريين ضمن هدف الحفاظ على الوحدة الجغرافية للدولة السورية وعدم التدخل الخارجي فى شئونها . الأسد والمبادرة وأبدى الرئيس السوري بشار الأسد استعداده لدراسة الخطة التي طرحها المبعوث الأممي والعمل عليها ، حيث لم يعترض عليها المجلس العسكري في مدينة حلب، بل وضع شروطا للموافقة عليها، فيما تحفظ عليها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ورفضها عدد من الفصائل العسكرية المعارضة. إلا أنه صدرت مواقف متباينة حيال المبادرة من طرف المعارضة السورية - بشقيها السياسي والعسكري- حيث وصف رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هادي البحرة المبادرة ب "غير الواضحة"، معتبرا أن "الحل لا بد أن يكون شاملا " ، وأنها لن تفيد سوى نظام الأسد إلا إذا ترافقت مع حل سياسي شامل . كما يظهر من تصريحات دي ميستورا أن مبادرته حتى وإن نفذت - وهو أمر مستبعد في المدى القريب على الأقل - فإنها لا تشكل إلا خطوة أولية، وليست حلا سياسيا، ولا ترقي إلى خطة سلام قادرة على إنهاء معاناة السوريين . تجميد للقتال وليس حل وحسبما ذكرت وكالة أنباء "الشرق الأوسط"، تزداد مخاوف السوريين من أن المبادرة لا تتضمن رؤية سياسية لحل الأزمة، إنما تتحدث عن تجميد القتال في مدينة حلب فقط، ولا تمتد إلى كامل مناطق المحافظة نفسها، و أن الهدف منها هو تحويل وجهة الصراع نحو محاربة داعش ودحره على الأرض، في حين أن مقاتلي الجيش السوري الحر وجميع "المعتدلين" يرون في النظام خطرا إلى جانب داعش، ويساوون بين النظام وبينه، بل ويعتبرونه صنيعته ولن يتوقفوا عن محاربته. وتثير تعقيدات الوضع في سوريا التباسا لدى دي ميستورا بشأن فهم التطورات الواقعة فيها، حيث إن مبادرته لا تأخذ معاناة السوريين في الحسبان ، ولا تضعها ضمن حساباتها، فالسوريون - سواء المعارضة السياسية أو العسكرية - لم يستشاروا في وضع عناصر خطته ، وكل ما عليهم هو تنفيذ ما يريده المبعوث الأممي الذي يقول لهم "ليست لدينا خطة للعمل، أوقفوا القتال وقلصوا العنف دون أي مقابل، عليكم تغيير وجهة بنادقهم من النظام إلى داعش ". ويكشف واقع الحال أنه لا يمكن لمبادرة دي مستورا أن تعالج الكارثة التي أصابت السوريين لأنها لا تنظر في مسبباتها، وتتغاضى عن الحرب الدائر رحاها حاليا على الأرض السورية.