مرحة ، خفيفة الظل ، تقود سيارتها بثقة تفوق مهارة الرجال ، "مكحرته" كباقي سائقي الميكروباص ، في الثلاثينات من العمر ترتدي عباءة سوداء ، وتنادي بنبرة واثقة اكتوبر اكتوبر ، إنها سائقة الميكروباص (ه .ج) التى تعمل على سيارة سوزوكي خاصة ، وتمر يومياً خلال خط الهرم - أكتوبر. موقع " لهن " اقتحم عالم سائقة الميكروباص الجريئة (ه . ج ) التى رفضت التقاط أي صور لها ، رغم أنها استطاعت أن تقتحم مجالاً صعباً كان حكراً على الرجال لفترة طويلة ، لنتعرف منها على القصة وراء هذه المرأة التي يتقبلها السائقين على الطريق بصدر رحب ، ويلوح لها قائدي الملاكي بعلامات الرضا والتشجيع. من السهل على أي زبون تقوم بتوصيله أن يكتشف ببساطة أنها امرأة متعلمة وتحمل قدر عالي من الثقافة ، أسلوبها في الحوار مع الزبائن راقي رغم استخدامها نفس مصطلحات السائقين على الطريق ، هذا ما دفعنا لعمل هذا الحوار من أنتِ ؟ ه .ج و لا داعي لذكر اسمي كاملاً ، سائقة ميكروباص ، وموظفة في أحد الجامعات صباحاً ، خريجة ليسانس آداب قسم مكتبات - جامعة القاهرة ، الثالثة على دفعتي بتقدير عام جيد جداً ، معي دبلومة في العلوم الإدارية وماجستير في الإدارة العامة وأقوم حالياً بتحضير الدكتوراه . الميكروباص ملكي قمت بشراءه بالقسط ، استغله صباحاً لاخذ الزبائن في طريقى حيث مقر عملي ، ونفس الشيئ أثناء العودة. رغم جرأتك في ممارسة هذه المهنة ، لماذا تنكرين نفسك ولا ترغبين في التصوير أو حتى ذكر اسمك رغم تجربتك الفريدة .. هل تعتبرين الأمر مخجلاً ؟ لا ابداً ، هذه المهنة شريفة وأنا أمارسها حباً في القيادة ، لكن أنا حالياً أقوم بعمل دكتوراه في الإدارة العامة ، وسيكون لي درجة علمية رفيعة يصعب معها الاقتران بمهنة "سائق ميكروباص" ولسنا في مجتمع يتقبل ذلك. لا أحد يعلم على الإطلاق بشأن هذا المشروع حتى عائلتي ، شقيقتي فقط هي التى تعلم بالأمر ، اعتبره أمر شخصي فقط ليس إلا ، ليس من شأن أحد أن يراجعني فيه ، لذلك غالباً أرفض الحوارات صحفية أو اللقاءات التليفزيونية ، وأحب أن يحترم الآخرين مساحتى الشخصية. تخيلي لو علم أحد المشرفين على رسالة الدكتوراه أمر الميكروباص لن أحصل علي الدرجة ، وفي كل الأحوال إذا تمكنت في الحصول على درجة علمية سأحصل على كادر هيئة فنية ، وسأكون في هذه الحالة مُلزمة بأن اترك مهنتي كسائقة ميكروباص ، وسأبحث عن شخص أمين يقوم بهذه المهمة بدلاً مني. مهنة دكتور الجامعة "برستيج" لا يصلح معه الجمع بين مهنة أخرى يعتبرها المجتمع بسيطة ، ولو علم أحد بذلك سيقال : "مش دي الدكتورة اللي كانت بتشتغل سائقة ميكروباص" المجتمع مريض وثقافته مازالت لا تتقبل هذه الأمور. لذلك إذا حصلت على تعيين في الجامعة بدرجة علمية سأترك الميكروباص لسائق آخر ، وإذا لم يحدث ذلك سأبقي في المهنة التى اشعر بالاستمتاع بها بل سأعلن ذلك للجميع. هل أنتِ متزوجة ولديك أولاد ؟ الحقيقة لا ، لكن أقول لزملاء المهنة "السائقين" عكس ذلك ، الكل يعلم اني امرأة متزوجة أسعى وراء الرزق لمساعدة زوجى وتربية أطفالي ، وإلا اعتبروني شخصية مرفهة ودخيلة ، وسيعاملوني معاملة مختلفة. كيف يتقبلك السائقين الرجال على الطريق ؟ يروني امرأة مكافحة اسعى على رزقي ورزق أولادي ، يقفون معي بجدعنة ، أقوم بتحميل السيارة من "السكّة" ولا اتواجد في المواقف ، والحمد لله ربنا بيرزق وأسدد منها الصيانة والبنزين وأدفع القسط . أذهب إلى العمل صباحاً وأحمّل في طريقي ، ونفس الشيئ عند الخروج من العمل من المعادي ، ثم أنزل دورين أكتوبر - هرم. هل الحاجة إلى تحسين الدخل هو الدافع الوحيد وراء شراء الميكروباص؟ لا طبعاً ، أنا شابة ، وشخصية نشيطة ولدي طاقة ، والعمل الحكومي "راكنة" مهمتي خلاله الجلوس على مكتب ، أرغب في تقديم المزيد من العمل ولا أجد فرصة لذلك ، أنا لا أطيق هذا الشعور ، لذلك فكرت في إخراج مالدى من طاقة بشيء أحبه وفي الوقت نفسه أجد دخل إضافي. ماهي التحضيرات التي قمتِ بها من أجل قيادة الميكروباص؟ وهل تلجئين للتنكر؟ أنا لدي عربية ملاكي "لزوم البرستيج" ، وأقود منذ أكثر من 6 سنوات ، ولكن أسلوب قيادة الملاكي يختلف عن الأجرة ، وهذا الأمر تعلمته من سائقي الميكروباص. وخلال فترة بسيطة تعلمت معاملة السوق لمواجهة بعض السخافات البسيطة من بعض المستويات ليقف كل شخص عند حده. بالاضافة إلى قليل من "التنكر" حيث اقوم بارتداء ملابسي العادية الأنيقة صباحاً كموظفة ، وفوقها عباءة سوداء من أجل التحميل في الطريق ، وبمجرد وصولي إلى العمل ، أركن الميكروباص في منطقة قريبة، واخلع العباءة ، ونفس الشيئ بعد انتهاء وقت العمل ، اذهب وارتدي العباءة.. وهكذا ماهي ردة فعل الزبائن ؟ معروف ان هذه السيارة أجرة ، والجميع يتقبل الأمر بمنتهى الترحيب مع الدعوات من الجميع وخاصة من الآباء والأمهات بالتوفيق وتيسير الحال. ماهي أكثر الأمور إزعاجاً بالنسبة لكِ أثناء عملك كسائقة لسيارة ميكروباص أجرة؟ فصال الزبائن في ال50 قرش ، والدخول في جدل لذلك أمر مزعج ، يشعرك الزبون خلاله بأنك شخص مستغل ونصاب من أجل بضعة قروش. هل تنتقى زبائنك اتقاءًا لشر الطريق والحوادث المتعلقة بالبلطجة ؟ أنا لا أمارس المهنة بعد الساعة التاسعة مساءاً ، ولم اواجه على الطريق مايدعو إلى القلق لذلك لا يهمني الأمر كثيراً ، لأن لو اخترت الركاب لن اتمكن من تسديد أقساطها ، لكن اكتفى بالتعامل بجدية مع الركاب. ما التغيير الذي حدث لكِ خلال ممارستك لهذه المهنة ؟ " الجنيه اللي بشقي بيه وباخده من الراكب طعمه أحلى من فلوس الحكومة اللي بقعد بيها على مكتب مبعملش حاجة " سعيدة بأن لي مشروعي الخاص أديره بنفسي ، ولا اعتمد على شخص آخر في زمن انعدم به الضمير ، بالإضافة إلى شعوري بقيمتي في المجتمع. في مجتمع العمل الحكومي نعاشر ناس بطباع متقاربة لمدة 20 سنة ، أما شغل السوق كل يوم نتعامل خلاله مع أشخاص مختلفة من بيئات متعددة ، لذلك أصبح لدي خبرة في التعامل مع الناس بشكل أكبر مع بعض الجرأة وسرعة البديهة ، تعلمت في الميكروباص أكون سائق على الطريق وفي المكتب موظفة.