الطبقة الوسطي كلمة أصبحت خارج القاموس المصري فلم تعد هناك طبقة وسطي حيث ذابت معالمها وتفرقت بين الطبقة العليا والمنعدمة، بعد سياسية الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها الرئيس الراحل أنور السادات. وكان للطبقة الوسطي دورا كبيرا في تدشين العديد من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية والأحزاب ووضع القوانين والدساتير والتعليم والخدمات العامة. وعلى الرغم من أنها أكثر طبقات المجتمع تعبيرا عن حالته العامة، والتي تتشكل أغلبيتها من النخب السياسية والفكرية، إلا أنها تعرضت للانهيار وانقرضت. وفي هذا الإطار قال المؤرخ عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس إن الطبقة الوسطي لا تزال قائمة لكنها تتعرض للانهيار، وتستطيع أن تقول أن من صنعتها إدارة محمد علي مؤسس مصر الحديثة، منذ أن أنشأ المدرسة المدنية وجعل التعليم فيها بالمجان وكان الذي ينتهي من دراسته يتم تعيينه وإرسال أبناء القرى إلي البعثات إلي الخارج. وأضاف الدسوقي: "أصبح لدينا طبقة وسطي بمعني أنها وسطي بين طبقتين طبق عليا في المجتمع وهم الذي يعرف عنهم آن ذاك البشاوات أصحاب الأراضي ورأس المال التجاري والصناعي، جزء من هذه الطبقة العليا من الأتراك أو الشراكسة الذين بقوا من المماليك الذين كانوا في مصر." وأوضح أن الطبقة الدنيا وهي قوامها فلاحين مصر من القرى وعمال المدن في القاهرة وغيرها من عواصم المديريات، وهذه الطبقة كانت دائمًا مع الحكومة وليست ضدها، وبدأت هذه الطبقة تثور عندما تخلت الحكومة عنها مع الاحتلال البريطاني بعد إلغاء مجانية التعليم وجعله بالرسوم فأصبح هناك فراغ طبقي منع غير القادرين علي مواصلة التعليم. وأشار إلى أن الإدارة البريطانية حالت دون تطوير الاقتصاد المصري والصناعة في مصر حتى تصبح البلد سوقًا لتصريح المنتجات الصناعية في عالم رأس المال، وبدأ أبناء هذه الطبقة يعانون من البطالة بالتدريج نظرًا لعدم عدم وجود تأمينات وعقود عمل في المصانع والشركات، وهذا يفسر نشأة الحركة النقابية والحركة الاشتراكية وسلسلة الإضرابات ابتداءً من مطلع القرن العشرين حتى ثورة 1952. وأوضح أستاذ التاريخ الحديث، أن ثورة يوليو 1952 هي التي نصفت أو انتصرت للطبقة الوسطي بسلسلة من الإجراءات الكثيرة بدأ من الإصلاح الزراعي ومنع الفصل التعسفي للعمال وتسهيل إجراءات المساكن ثم بمجانية التعليم بالتدريجي وبناء القطاع العام وتعين الخريجين. وقال الدسوقي إن هذه الطبقة بدأت تعاني أضرارا كثيرة مع سياسيات السادات القائمة علي الانفتاح الاقتصادي وعودة رأس المال للحكم تحت اسم رجال الإعمال وعدم التزام الدولة بتعين الخريجين والالتفاف حول مجانية التعليم عن طريق التوسع في إنشاء الجامعات والمدارس الخاصة والتقليل من دخول نسبة طلاب الثانوية العامة للجامعات، فاضطر أبناء الطبقة الوسطي للدخول في الجامعات الخاصة. وبحسب الدسوقي، بدأت الطبقة الوسطى تنهار مع الانفتاح الاقتصادي للسادات فضلاً عن رفع الدعم عن السلع سنة 77 استجابة لشروط صندوق النقد الدولي فارتفعت أسعار السلع الأساسية فاندلعت مظاهرات وكان شعارها " أين الفطور يا بطل العبور – أين السطور يا ساكن القصور "فتراجع السادات؛ لكن سياسة الدولة استجابت للدول الرأس مالية العالمية والتي كانت تتجه لتنفيذ سياسات رأس مالية عالمية بطرق غير مباشرة الأمر الذي انتهي إلي انهيار تلك الطبقة. عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قال إن المجتمع كان ترتيبه الطبقي في أعلي الهرم تجار رأسماليين ورأس مالية أجنبية وكبار الزراعيين أما القاعدة فكانت للفلاحين والطبقة الوسطى، وهو ما غيرته ثورة يوليو فأطاحت بطبقة كبار الزراعيين وحل محلهم فلاحين الإصلاح الزراعي وكان ذلك التغيير الأول. وأضاف أن الرأسمالية الأجنبية والاحتكارية فتحت الباب أمام عمال القطاع العام فوصلوا إلي 900 ألف عامل صناعي، لكن التطور الأهم الذي خلقته سياسة ثورة يوليو هو تعليم أبناء الفلاحين والعمال ففتحت التعليم المجاني، وكان أقصى ما يمكن أن يُعلم الموظف ابنه. وأشار إلى أن الثورة فتحت باب التعليم أمام أبناء الفقراء وظهر قطاع واسع من المتعلمين والمثقفين واتسعت الطبقة الوسطى وظهر أبناء الفلاحين الذين حصلوا على الدكتوراه وشغلوا العديد من الوظائف، وفي بداية الثورة تم إنشاء المجلس القومي للإنتاج فانشأ شركة الحديد والصلب والعديد من الشركات التي كانت نواة للقطاع العام فظهر برنامج النمو الصناعي الذي أعده الدكتور عديل صدقي عام 1959 وكان تراكما للخبرة الصناعية. وأوضح رئيس حزب تحالف الاشتراكي الشعبي، أن مشكلة الثورة إنها جاءت في فترة من التاريخ كان النموذج السائد في الدول المستقلة حديثا أنها في ظل التعددية الحزبية لا تستطيع أن تنجز ما هو مطلوب انجازه فأثر هذا علي النظام السياسي. واستطرد، كان النظام سلطوي وظهرت سياسة الحزب الواحد فكان الجانب السياسي المتعلق بالمجتمع متخلفا وهو ما أدى إلي تكبيل السلطة التشريعية وعدم تمكينها من مراقبة الحكومة، فالجيش رغم تطوره لم يكن خاضعا للرقابة الشعبية وهو ما أدى إلي ظهور مراكز قوي وحدث تحلل كان من رموزه عبد الحكيم عامر وصلاح نصر وعندما دخلنا معركة مع إسرائيل هزمنا فكانت نقطة الضعف في الثورة هي الجانب السياسي وإلغاء التعددية الحزبية والرقابة الشعبية المتمثلة في منظمات المجتمع المدني كل ذلك أدي تقليص الطبقة الوسطي. تآكل الطبقة الوسطى الكاتب الصحفي أيمن الصياد قال: " لا نستطيع أن نقول إن الطبقة الوسطى المصرية انهارت من زمن محمد علي، هذا غير صحيح، فالطبقة الوسطي المصرية كانت علي الدوام عماد التغيير وعماد الدولة المصرية كما هو الحال في دول العام التي تعتمد علي طبقاتها الوسطى وهكذا كان الحال في مصر. وأضاف، مع بدايات عصر الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات حدث انكماش في مرحلة الانفتاح زاد الفجوة ما بين الطبقة العليا والطبقات الفقيرة، لافتا إلى أنه عندما تزيد الفجوة إلي حد كبير بين طرفي المجتمع يتخلخل الوضع الاجتماعي ولا ترتكن الطبقة الوسطى إلي ركائز قوية هذا بالضبط ما جري. وتابع، الأخطر من ذلك أن الطبقة الوسطي بعد الانفتاح واجهت خطوات صعبة وأزمات كبرى وكانت تحاول أن تنقذ أبنائها من الوقع في هوية الفقر وفي الوقت الذي لا تستطيع أن تلحق بالطبقات شديدة الثراء التي جاءت مع الانفتاح. واستطرد، المشكلة الأكبر أن النظام السياسي علي مدي ال40عاما الماضية فسخ مفهوم الطبقية الذي كان موجودا قبل 23 يوليو، وربما لم يكن لدينا من يحملون ألقابا رسمية مثل البشوات والبكوات ولكن سار لدينا طبقات هي بالضبط طبقات تسلك سلوك التميز للبشوات والبكوات. وأشار إلى أنه في يناير 2011 استجمعت الطبقة الوسطي المصرية شتاتها وحاولت أن تعود مرة أخرى إلى مكانها الطبيعي لطبيعة التغير نحو مستقبل يأتي بدولة معاصرة ديمقراطية تستحقها مصر، إلا أن ما تعرضت له محاولات التغيير في يناير من إحباط أولا ثم إجهاضًا كاملاً ثانيا أدي مرة أخرى إلى انسحاب الدور المطلوب للطبقة الوسطى ويمكن القول أنها تآكلت علي مدى الأربعين عام الماضي ووصلت إلي نقطة الانهيار. وأشار إلي أن الشباب الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطي الآن يشعرون بإحباط ويأس ويبحثون في معظمهم عن فرصة لمغادرة البلاد أو الهروب من هذا الواقع. ثورة يناير الشيماء عبدالسلام إبراهيم، مدرس مساعد بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة بني سويف، أكدت في دراسة بعنوان "العوامل السياسية الداخلية الاقتصادية والاجتماعية لثورة 25 يناير، أن الطبقة الوسطى العليا كان لها الدور المحوري في الثورة ولم يكن للمناطق الأكثر فقراً دورا، حيث تركزت المناطق الرئيسة للثورة بالمحافظات الحضرية كالقاهرة والإسكندرية والسويس وهي المحافظات الأقل فقراً. وأضافت انه على الرغم من أن الشباب هو من مهد للثورة وإعلان موعدها إلا أن شباب المناطق الأكثر فقرا في ريف وحضر الوجه القبلي لم تكن المحركة للثورة.