عصفور : دنقل مزدوج الشخصية ..وهذه قصة " الجنوبى " بدوى : دنقل " الشاعر النبى " ..جاء لاغتصاب القاهرة فاغتصبته يوسف يكشف قصيدة مجهولة لدنقل .. ويؤكد الشعر هو سيده الوحيد النعمان : دنقل امتلك وعى حدادى "لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى و دمعة سدى " ليس هناك من هو أفضل منه لنرى فى كلماته واقع عالمنا العربى ، هو شاعر الرفض و الصمود " أمل دنقل " يطل علينا فى ذكراه الثانية و الثلاثين ليذكرنا بكلماته الشهيرة : لا تصالحْ! ..ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى احتفلت مساء أمس دار الكتب بذكرى شاعرنا الكبير ، بحضور وزير الثقافة السابق د. جابر عصفور ، و الناقد شعبان يوسف ، والدكتور محمد بدوى رئيس تحرير مجلة فصول ، و أدار الندوة د. طارق النعمان رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة . و فى كلمة د. جابر عصفور أكد أن دنقل شاعرا عروبياً فلم تقف كلماته عند حدود مصر بل كانت معبرة عن الوطن العربى بأكمله ، مشيرا أنه كتب عن فلسطين كما لم يكتب الفلسطينيون أنفسهم ، و كان دنقل هو أول من أطلق بنفسه على شعره " شعر الرفض " فكانت أشعاره دوما تبحث عن " العدل الغائب " فى مجتمع السقوط ، كما كان الموت حاضرا بقوة فى أشعاره . و قال عصفور أن دنقل تلميذ عبد المعطى حجازى و صلاح عبد الصبور ، واصفا قصائد دنقل الرافضة بالعقلانية المنضبطة ، و هى سمة أساسية فى أشعاره حتى قصيدته الأخيرة الذى كتبها قبل وفاته بثلاثة أيام " الجنوبى " . و كشف عصفور عما أثير حول قصيدة " الجنوبى " ، قائلا أن الجنوبى هو دنقل نفسه وأن عبد الرحمن الأبنودى رغم إنكاره و لكنه المقصود فعلا من كلمات دنقل ، موضحا أن دنقل كتب فى قصيدته عن ثلاثة من أصدقائه جاءوا معه من الصعيد للقاهرة و ماتوا ، و منهم يحي الطاهر عبد الله و الأبنودى الذى كان على خلاف معه لعلاقته بالسلطة مشبها ذلك فى قصيدته بالسقوط ، قائلا : ومن أقاصي الجنوب أتى، عاملاً للبناء كان يصعد "سقالة" ويغني لهذا الفضاء كنت أجلس خارج مقهى قريب وبالأعين الشاردة كنت أقرأ نصف الصحيفة والنصف أخفي به وسخ المائدة لم أجد غير عينين لا تبصران وخيط الدماء. وانحنيت عليه أجس يده قال آخر : لا فائدة صار نصف الصحيفة كل الغطاء و أنا ... في العراء و استعاد عصفور علاقة الثلاثى أمل دنقل و عبد الرحمن الأبنودى و يحيى الطاهر عبد الله ، قائلا أن علاقة دنقل و الأبنودى تعود لأيام المدرسة ، و كان دنقل يسبق الأبنودى بعام ، حتى سقط فى عامه الأخير و أصبحوا سويا ، لانشغال دنقل بالشعر ، و اتهام رفاقه له بأنه يسرق قصائد والده ، ليجن جنونه و يكتب قصائد الذم فى كل من تجرأ عليه . و تابع عصفور أن بداية دنقل كانت مع الشعر العمودى قبل انتقاله بحذر و تدريجيا لشعر التفعيلة ، و أول نصوصه الشعرية المعروفة هى " أوراق " و التى نشرت فى مجلة مدرسة قنا عام 1956 ، و كانت تتحدث عن العدوان الثلاثى ، و أشار عصفور أن مكتشف دنقل و الأبنودى هو الناقد توفيق حمدى ، الذى كان مدرسا للغة الفرنسية بنفس المدرسة . و أشار عصفور أن دنقل نشر أول قصائده عام 1958 ، و كان دخوله للوسط الثقافى بالقاهرة عن طريق " توفيق حنا " و لكن لم ينتبه إليه أحد سوى بعد قصيدته " الأشياء الصغيرة " . أما عن موقف دنقل من عبد الناصر ، قال عصفور أن دنقل آمن بعبد الناصر الزعيم الوطنى رغم قصائده الناقدة للوضع ، و لكنه لم يحسم أمره من عبد الناصر إلا بعد نكسة 1967 ليكتب قصائده الرافضة . " أمل دنقل مزدوج الشخصية " هكذا وصفه عصفور ، قائلا أن برغم هذا الرفض الذى حمله بداخله للعالم و المجتمع ، و لكنه كان محبا للحياة ، و حتى فى قصائده السياسية الرافضة ، نجد المرأة و الغزل حاضرين . و ختم حديثه مشيرا أن أمل لم يمنح الوقت ليكتب ما يريد ،و لكن ما تحقق منها يؤكد موهبته المتفردة ، و هذا ما جعل قصائده مازالت حية فينا حتى الآن . الشاعر النبى من جانبه قال د. محمد بدوى : كنت أقول لدنقل و ليحيى الطاهر أنهما جاءا لاغتصاب القاهرة فاغتصبتهم . و أضاف أن أمل دنقل تحول لرمز ، و عن سر الصراع بينه و بين الأبنودى ، فكان لعلاقة الأبنودى بالسلطة ، فبينما كان الأبنودى على علاقة مباشرة بالسلطة و كان يكلفه ناصر هو و جاهين بكتابة قصائد الثورة ، كان دنقل متحصنا بمقهى ريش ، و لا يسمح إلا للقليلين بدخول عالمه ، و أرجع بدوى ذلك لإحساس اليتم و عدم الإنصاف الذى شعر بهم دنقل منذ صغره بعد وفاة والدته و سرقة عمه لميراثه ، ففى قصيدته أبو نواس تتداخل شخصية دنقل مع أبو نواس . و لفت بدوى أن دنقل تجاوز السلطة فى شعره ، و لم يرثى عبد الناصر بكلمة فى حين وصف الجماهير الذى رأى أن كل واحد فيهم بداخله صلاح الدين الأيوبى . كما أشار أن دنقل فى قصائده كان باحثا عن العدل كما تظهر بقوة فى " أبانا الذى فى المباحث " ، و أنه لم يكن مبشرا كشعراء المدرسة الرومانتيكية كالبياتى و محمود درويش و حتى الأبنودى فى قصيدته " الأرض و العيال " ، و برغم أنه تلميذ حجازى ، و لكنه يحمل نفس أرث بدر شاكر السياب . و ذكر بدوى أن قصائد دنقل الرافضة جاءت من إحساسه الدفين بغدر الحياة ، و كان بذلك " الشاعر النبى " الذى يرى ما لا يراه الناس ، فلم يكن يمشى دنقل سوى خلف نفسه ، و ما جعل قصائده حية حتى الآن . و أكد بدوى أن دنقل لم يكن لديه أى أيدلوجية ، و لم يدخل فى معركة مع التراث مثل أدونيس ، بل إعاد سرد التاريخ و التراث فى شعره ، لتحمل أشعاره أكثر بكثير من الإسقاطات السياسية . قصيدة مجهولة فيما كشف الناقد شعبان يوسف عن أحد قصائد دنقل المجهولة بعنوان " أوجينى "، و القصيدة تحمل عنوان الإمبراطورة أوجينى وهى زوجة نابليون الثالث امبراطور فرنسا فى ذلك الوقت ، و قد التقط دنقل مشهد احتفالية قناةالسويس ، و هذا البذخ المبالغ فيه الذى سفته الإمبراطورة أوجينى نفسها فى مثل تلك البلاد الفقيرة ، ليكتب عنه و قد اعتاد إحياء الشخصيات و الأحداث التاريخية الهامة و سردها فى شعره . و أشار شعبان ان دنقل ظل شاعرا مشاغبا حتى رحيله ، متحدثا عن معاركه الأدبية فى الوسط ، و التى ظهر فيها خطه النقدى ، و لم يسلم دنقل من النقد و التقريع حتى من المقربين منه ، و لكنه لم يكن يلتفت لتلك الانتقادات ، و كان يرفض كتابة المقالات للصحافة طلبا للقمة العيش ، و ظل سيده الوحيد هو الشعر، و لفت يوسف أن دنقل لم يكن يكتب القصيدة حتى تكتمل فى رأسه . و ختم طارق النعمان الندوة قائلا : إن دنقل امتلك وعى حدادى ، أو ما يعرف بوعى " الصدمة " ليعبر عن مآسى الوطن العربى من خلال إعادة شخصيات التراث ، و كان دنقل يواجه فكرة " السقوط " بفكرة " الصعود عندما قال : ليت أسماء تعرف أن أباها صعد لم يمت هل يموت الذي كان يحيا كأن الحياة أبد