البحث عن النور فى مساحات العتمة التى تتسع يوما بعد يوم .. و نفض الرماد عن أجنحتنا المحترقة ..و لحن الحب الحزين الذى يعزفه الفراق .. و رسائل الحب التى لا تصل .. و حرب المصير مع دوامة الحياة قبل الرحيل .. تلك الخطوط الأدبية التى تشدنا إليها بأحكام لنواجه المصير و الحروب الصامتة التى تنهش فينا و حرب الهوية و الذات ، استطاعت أمس أن تقتنص الفوز بجائزة " كتارا " للرواية العربية . بين الروايات المنشورة و غير المنشورة فاز عشر روائيين من أنحاء الوطن العربى بجائزة كتارا ، حيث فاز في فئة الرواية المنشورة وقيمتها ستون ألف دولار كل من واسيني الأعرج من الجزائر عن رواية "مملكة الفراشة" وأمير تاج السر من السودان عن رواية "366" وإبراهيم عبد المجيد من مصر عن رواية" أداجيو" ومنيرة سوار من البحرين عن رواية "جارية"، وناصرة السعدون من العراق عن رواية "دوامة الرحيل". وفي فئة الروايات غير المنشورة وقيمتها ثلاثون ألف دولار فاز كل من جلال برجس من الأردن عن روايته "أفاعي النار" وعبد الجليل الوزاني التهامي من المغرب عن رواية "امرأة في الظل"، وسامح الجباس من مصر عن رواية "حبل قديم وعقدة مشدودة"، وميسلون هادي من العراق عن رواية "العرش والجدول"، وزكرياء أبو مارية من المغرب عن رواية "مزامير الرحيل والعودة". أما عن جائزة الدراما للرواية المنشورة ففازت "مملكة الفراشة " للروائي الجزائري واسيني الأعرج، وهي جائزة أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي من بين الروايات المنشورة الفائزة، وقيمتها مائتا ألف دولار مقابل شراء حقوق تحويل الرواية إلى عمل درامي. و فى جائزة فئة الدراما للرواية غير المنشورة، فازت رواية "حبل قديم وعقدة مشدودة "للروائي المصري سامح الجباس، وقيمتها مائة ألف دولار. و فى السطور القادمة سنأخذكم بجولة فى الروايات الخمس المنشورة الفائزة : مملكة الفراشة فى رائعة الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج " مملكة الفراشة " بكلمات قليلة استطاع أن يلخص جوهر روايته بأكملها حينما قال : " الحرب ليست فقط هى ما يحرق حاضرنا ،و لكن أيضا ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خمود حرائق الموت .. لكل فراشة احترقت أجنحتها الهشة ، وهى تحاول أن تحفظ ألوانها ، و تبحث عن النور فى ظل ظلمة كل يوم تتسع قليلا " . فى "مملكة الفراشة" نرى كيف يواجه العالم العربي مشكلاته ومآزقه الحادّة وحروبه الظاهرة والخفيّة التي تبدّت بقوّة في بدايات القرن الحادي والعشرين، وهو غير مهيّأ لها في ظلّ دكتاتوريّات طاحنة وثورات مبهمة؟ لم تختر ماريّا المنفى نحو مدن الشمال ونسيان أرضها برغبتها. لم تغرق أختها ياما في العزلة الافتراضيّة اشتهاء في ذلك. لم ينته أخوهما رايان في المخدّرات بإرادته. لم يذهب والدهم زبير أو زوربا، وهو الخبير الطبّي العالمي، نحو عزلة الخوف والموت برغبته، قبل أن تسرق منه مافيا الأدوية حياته. الأمّ فريجة أو فيرجينيا لم تذهب نحو عزلة الجنون والموت بين كتبها برغبتها. لم تختر هذه العائلة النهايات التراجيديّة والمآلات القاسية، ولكنّها العزلة التي فرضتها عليها الحرب الصامتة التي أعقبت الحرب الأهليّة، حيث لا تنطفئ النيران المشتعلة ولكنّها تتخفّى تحت الرماد في انتظار جنونها المشهود. الكلّ يخاف من الكلّ، والكلّ يحلم بأن ينتقم من الكلّ، والكلّ يتربّص بالكلّ. عزلة ياما مع الفيسبوك وموسيقى الجاز وانتظار عودة صديقها الافتراضي، فاوست، ليست إلاّ تخفّيًا جديدًا داخل الذات المنكسرة، لكن من يدري؟ الفراشات التي لا تنكسر في فصل الموت، يكبر يقينها بالحياة. 366 فى رواية " 366 " للروائى السودانى أمير تاج السر ، هي عبارة عن مجموعة من الرسائل لعاشق يوجهها لمعشوقته الغائبة ، 366 رسالة لكل يوم فى السنة ،و أخذنا هذا المحبوب الذى يعيش بلا هوية معه في متاهات عده نبحث معه عن محبوبته ، عبر مزيج من الاحداث الملتهبة والتي لا نستطيع أن نتوقف عنها قبل أن نكتشف ماذا جرى لهذا العاشق وما هو مصيره الذى ينتظره؟ ووراء الرواية قصة حقيقية ، لرسائل مكتوبة بالحبر الأخضر بتوقيع " المرحوم " عثر عليها الروائي تاج السر وهو في المرحلة الثانوية من الدراسة، برفقة مجموعة من الطلبة، تحت سور المدرسة في بورتسودان، وقد خطها عاشق مجهول إلى «أسماء»، لكن أمير تاج السر يصنع من الحدث رواية موازية تأخذ من الواقع شيئا ومن الخيال أشياء فى رواية بديعة . أداجيو على لحن " أداجيو " الحزين كتب الروائى المصرى إبراهيم عبد المجيد معظم روايته ، حتى قرر أن يصنع من نسجه قصة من خلال البطلة العازفة العالمية، وقصة الحب التى تنتهى بالفراق . "أداجيو" قصة حب، تحمل ظروفها الخاصة، قصة يصحبها الحزن والوجع، وتقوم معتمدة على التلاحم فى "شكل صوفى" مع كل الموجودات المحيطة، رجل يحب زوجته فى لحظاتها الأخيرة يسعى لأن يعيشا معا ما تبقى من "حياتها" يطاردها "السرطان" ويداهمه الوقت وتحييه الذكريات، يعرف النهاية جيدا، والمحيطون به لا يخدعونه بإخفائها، الجميع يعرف والكل يصرح، لكنه يرهن نفسه وجهده لما تبقى من حياتها القليلة. جارية تقدم الكاتبة البحرينية منيرة سوار في روايتها "جارية" أشخاصا كل منهم منهمك في رسم مصيره بالصورة التي يتمناها أو بالتعويض عما ينقصه. ومستقبل هؤلاء الأشخاص في تعاملهم مع الحياة بحلوها ومرها ومع كل ما يتمنونه أو يخشونه ويسعون إلى الهرب منه يتشكل في نهاية الأمر في نوعين هما: المصائر التي نستطيع التأثير فيها إيجابا أو سلبا .. والأقدار الثابتة التي لا تغيرها جهودنا ورغباتنا وصلواتنا. أما عن تغيير المصائر ، فبالنسبة للنوع الأول تنجح شخصيات في رواية "جارية" في تحسين أوضاعها المالية والاجتماعية وتحقيق تقدم في مجالات العمل وأنماط الحياة والانتقال من مستوى اجتماعي معين إلى مستوى أعلى منه ، ومع ذلك فهناك شخصيات في الرواية مثل "سعاد" ترفض الانتقال إلى وضع يسمى أفضل إذا لم ينسجم ذلك مع معتقداتها ونظرتها إلى نفسها. وهي في النهاية تقبل نفسها كما هي دون أي عقد ظاهرة. وفي النوع الثاني يصارع الإنسان ما يبدو له قدرا أكبر منه لا يمكن تغييره ولم يكن له يد في صنعه. وفي هذا الشعور شقاء وعجز وشكوى مما تسميه هذه الشخصيات ظلما. وأخيرا فإن بعض هذه الشخصيات مثل بطلة القصة "جوري" أو جارية كما هو اسمها أصلا قد ينتهي إلى مهادنةالحياة وقبول الذات والسعي إلى السعادة وقد تنجح في ذلك. دوامة الرحيل "دوامة الرحيل " دوامة تنقلنا من خلالها الكاتبة العراقية المبدعة ناصرة السعدون إلى أعماق النفس العراقية حتى يغرق كل منا بوجع الآخر، و تغوص بنا فى دوامة رحيل كل منا. لم تشأ السعدون أن تمر الذكرى الراقدة في أعماق العراقيين بسلام، فنكشتها بسيف الذكريات ولونتها بريشة من عظام الضحايا، حيث تأخذ الكاتبة قارئها منذ البداية إلى عناصر الحلم الدامي، لا ككل الروايات التي تفترض واقعاً وتسقط تداعياتها عليه. منذ البداية سطرت أعمدة الشعر العراقي مفتتحات للمشاهد في الرواية لتنقل الصورة والحدث ببراعة وبلغة سلسة. اقرأ أيضا ضحايا وقتلة في "مملكة الفراشة" .. للروائي الجزائري واسيني الأعرج