في المناسبات تكثر المناوشات والاحتكاكات بين ثالوث العنوان عاليه، بسبب، وغالباً بلا سبب، ونتاجُ ذلك حِمَمٌ من نكدٍ تهبط وابلاً على رأس من وضعته الأقدار في خانة «سفير النوايا الحسنة» بين الجبهات الثلاث، والمُدهش.. أنْ ترى كل جبهة أنها ذات حق فيما تصنع، وصاحبنا «المُحاصر» في خندق الإحراج، لا يملك للقضية حلاً ولا عقداً، بل يحترق غيظاً في مقاعد المتفرجين!. والحلُّ هنا ليس في كظم الغيظ، فليس هذا موطنه.. إنما يَكْمُنُ الحل في إقامة التوازن، بإعطاء كل جانب حقه بقسطاس مستقيم، بقدر ما قدم من تضحيات، وما أسدى من معروف، وبقدر ما يشكله من أهمية في الحياة، انطلاقاً من شرع حكيم، ومن عادات اجتماعية راسخة، على نحو يحفظ الحدود الخاصة للحقوق والواجبات الاجتماعية بلا لبس ولا تداخل. إن أكبر سلبية يقع فيها الزوج على المستوى الأسري هي الجهل بجغرافيا المناطق الخاصة بكل طرف في المعادلة السابقة، وكذا الجهل بمساحة المنطقة المشتركة التي يجب أن تجمع الأطراف الثلاثة، الأمر الذي يحدث خللاً في العلاقة بين الأم والزوجة والحماة، فتنتحل الحماة صفة الأم، فتفشل من ناحية، وتصطدم بالأم من ناحية، وتحاول الزوجة استمالة زوجها من ناحية، والاستحواذ عليه ومنع اتصاله بأمه من ناحية أخري، ثم تعلن الأم حرباً على الطرفين السابقين لإنقاذ ما تبقى لها من ولدها.. وهكذا، وصاحبنا يقف مشاهداً لمسرحية الأدوار التي اختلطت!. أيها الزوج العزيز، ليس عيباً ولا ذنباً أن يكون لك شخصية حازمة بين أضلاع المثلث، وليست مُعضلة أن تلعب دور المنظم البارع لعلاقة أمك بزوجتك وحماتك، بحيث تظفر بودهن وحنانهن مجتمعات، فلأمك حق ذو أولوية قصوى، يجب أن يصل إليها وصولاً تشعر معه أنها الأولى في حياتك بلا منازع رغم انشغالك بحياتك الخاصة، ولابد أن يصل مغزى الرسالة إلى زوجتك، كي تدرك مكانة أمك العظمي لديك، ولزوجتك حق لابد أن تحصل عليه لتشعر معه أنها شريكة لحياتك وأمّاً لأولادك وكاتمة لأسرارك، أما حماتك فلتعلم أنها زائرة أو مَزُورَة!.. فإن فعلت أرَحْتَ واسْتَرَحْت. ويبقي في الجراب قصة منقولة.. هي طويلة، لكنها ذات دلالة، «تحكي قصص التراث أن أماً زوجت ابنها الوحيد شابة جميلة من أصل طيب، ولكن علاقة العروس بحماتها لم تكن على ما يرام منذ اللحظة الأولى لدخول العروس بيت الزوجية وكانت الخلافات تنشب بينهما لأتفه الأسباب، ولدى عودة الابن من عمله تشكو له أمه سوء معاملة زوجته لها، وعدم اهتمامها واكتراثها بها، فيما تقوم زوجته بالسلوك نفسه فتشكو له سوء معاملة أمه، وإهانتها المستمرة لها بالفعل والكلام، فيما يجد الشاب نفسه مستاءً ويحتار ماذا يفعل، حتى إنه كره العودة إلى المنزل، وصار يمضي معظم وقته في العمل أو الخروج مع الأصدقاء. وذات يوم زارت إحدى الصديقات هذه الزوجة الشابة، وكعادة النساء جلستا تتبادلان أطراف الحديث وتتهامسان وتتضاحكان، وعندما سمعت الحماة ضحكاتهما، شعرت بأنهما تسخران منها، وذلك لأن سوء الظن قد تحكم في العلاقة بينهما، فخرجت إليهما ووبخت زوجة ابنها وطردت ضيفتها، وعندما اعترضت الزوجة على سلوك حماتها تعرضت للإهانة والضرب منها. وعندما عاد الابن مساء بدأت الأم تشكو له سوء سلوك زوجته معها، ولما دخل غرفته وجد زوجته باكية وعلى وجهها آثار الضرب الذي تعرضت له من أمه فأسقط في يديه وما عاد يدري ماذا يفعل؟، هنا تدخلت الزوجة وطلبت من زوجها أن يسكنها في بيت خاص بهما ويتركا بيت أهله، فاعترض الزوج بشدة لأن أمه وحيدة وهو المعيل الوحيد لها، ولا يمكن له أن يتركها نهباً للفراغ والوحدة. وبعد مسلسل طويل من الخلافات والمناوشات قررت الزوجة ترك بيت زوجها والعودة إلى بيت أهلها، ومر وقت طويل وهي في بيت أهلها ترفض كل محاولات زوجها للإصلاح والعودة إلى بيت الزوجية، إلى أن تعرضت أمه لمرض شديد أقعدها في الفراش، هنا كان لابد من عودة الزوجة إلى بيتها لرعاية زوجها وأمه المريضة. وبالفعل عادت والشيطان يوسوس لها متمنية موت حماتها، ولكن الأمور لم تسر حسب هذا المنوال، فقد استردت الحماة صحتها سريعاً، وعادت الأمور بينهما إلى سابق عهدها من التوتر والمشاحنة، وفي كل مرة كانت المشكلة تنتهي بضرب الحماة زوجة ابنها التي قررت أخيراً التخلص من حماتها بقتلها بالسم ليخلو لها بيتها وزوجها. وبالفعل صارحت الزوجة صديقتها بنيتها، لكن الصديقة أبدت تخوفها من الفكرة، فهذا سلوك مرعب لا يمكن أن تشارك فيه، لكن الزوجة قالت لها إنها ستنفذ خطتها سواء ساعدتها الصديقة أم لم تساعدها ومهما كانت النتائج، لأنها إن لم تقتل حماتها فسوف تموت قهراً وكمداً وحزناً، وفكرت الصديقة كثيراً ثم قالت لصديقتها: سأساعدك بشرط أن تنفذي كل ما أطلبه منك حرفياً ودون زيادة أو نقصان.. على الفور وافقت الزوجة شاكرة تعاون صديقتها معها. وفي اليوم التالي جاءت الصديقة ومعها علبة صغيرة من الزجاج مغلقة بإحكام وملفوفة بقطعة قماش، وهمست في أذن صديقتها بأن الزجاجة تحتوي على سم قاتل لا يمكن اكتشافه، وطلبت منها أن تضع كل يوم منه قطرة واحدة في طعام الحماة أو شرابها وذلك لمدة شهر كامل، وبعد الشهر سيفعل السم مفعوله ويقضي على الحماة دون أن يحس أحد بالأمر واشترطت على الزوجة أن تحسن معاملة حماتها وتتحمل إهاناتها بصدر رحب طيلة الشهر كي لا يشعر أحد بالأمر. وبالفعل بدأت الزوجة بتنفيذ قرارها، وبدأت تضع قطرات من السم الذي أعطته لها صديقتها في طعام حماتها وشرابها، وفي الوقت نفسه بدأت تتودد إلى حماتها بكلمات المديح والمجاملة، فإذا استيقظت من نومها قالت لها: إنك يا عمتي تزدادين جمالاً رغم سنوات عمرك، وأجمل ما تكونين في الصباح، وإن ارتدت ثوباً جديداً أثنت على ذوقها في اللبس، وإن قامت إلى المطبخ ركضت وراءها حالفة عليها الأيمان أن ترتاح، وتقوم هي بالعمل الذي تريده الحماة، وبعد يومين من هذه المعاملة التي تطغى المجاملة عليها، ويلفها المديح بدأت الحماة تراجع ذاتها وتلوم نفسها على سوء معاملة زوجة ابنها، ولم يمر أسبوع إلا وكانت الحماة قد تحولت إلى أم للزوجة ترعاها وتخاف عليها، وتبتسم في وجهها وتجاملها بكلمات المديح والإطراء. وبعد عشرة أيام وبينما كانت الزوجة تحمل إبريق الشاي إلى طاولة الطعام تعثرت وسقطت وانقلب الإبريق على الأرض، هنا هبت الحماة بخوف نحو زوجة ابنها وفي عينيها دموع القلق تسألها كأم حنون إن كان أصابها مكروه، هذا الموقف غيّر قلب زوجة الابن، وامتنعت عن وضع السم لحماتها في ذلك اليوم، بل على العكس ذهبت لصديقتها تطلب منها ترياقاً يبطل مفعول هذا السم، وهنا اعترفت الصديقة بالسر قائلة: إنها لم تعطها سماً بل قطرات من الماء وضعتها في زجاجة، وطلبت منها تغيير معاملتها لحماتها، لأن حسن المعاملة والكلام الطيب يغير النفوس.. قال تعالى:«وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (34) سورة فصلت. وبعد، فيا عزيزي الزوج.. لا أريدك أن تنتظر، كما انتظر صاحبنا المذكور في القصة، فلربما صادفت الزوجة صاحبة سوء ساعدتها على تنفيذ وساوس الشياطين.. كن إيجابياً.. كن حكيماً.