بعد تكهنات برحيل الحكومة الأردنية عقب استقالة وزير الداخلية حسين المجالي، جاءت دعوة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني البرلمان للانعقاد لمناقشة وإقرار عدة قوانين وكذلك تعيين سلامة حماد وزيرًا للداخلية كمؤشر قوي على استمرار حكومة عبد الله النسور بعكس ما أشيع. وفي تصريحات لوكالة "الأناضول" الإخبارية، ذهب عدد من البرلمانيين والمراقبين الأردنيين مع هذا المؤشر، بعد أن رأى محللون بخطوة رئيس الحكومة عبد الله النسور تكليف وزير التربية محمد ذنيبات بمهام تسيير أعمال وزارة الداخلية بدلاً من الوزير حسين المجالي الذي قدم استقالته الأحد الماضي، على خلفية توترات أمنية شهدتها مدينة معان "300 كم جنوب العاصمة"، على أنه مؤشر بقرب الرحيل الحكومي كاملاً، وأن مضي مزيد من الوقت دون تعيين وزير جديد من خارج توليفة الحكومة الحالية يدعم هذا الرأي. الحومة باقية ويقول رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب النائب يوسف القرنة "وتضم 11 نائباً من أصل 150 العدد الكلي لأعضاء المجلس": "إن حكومة النسور هي التي قدمت حزمة القوانين الإصلاحية التي وردت في نص الإرادة الملكية اليوم لعقد دورة استثنائية، ومن حقها أن تدافع عنها، وبالتالي فإن صدور الإرادة بعقد استثنائية وسرعة إجراء التعديل الحكومي يؤكد بشكل وما على أن الحكومة باقية، وحتى أكثر من ذلك من الممكن أن تتقدم بقانون للانتخاب في دورة المجلس القادمة. ويضيف القرنة: "شخصياً أعتقد أن هذه الحكومة باقية ما بقي مجلس النواب، وهي ستتقدم بقانون الانتخاب وعلى الأرجح سيقره المجلس العام المقبل وهو موعد قريب من إجراء الانتخابات القادمة التي ستكون دستورياً مطلع العام 2017". ويرى وزير الاعلام الأسبق سميح المعايطة أن ما جرى يعود لقناعة الملك بأولويات البلاد، من ضرورة الانتباه للملفات الإقليمية غير المستقرة المتفاعلة بشكل سلبي، ولقناعة ربما أن تكون الحكومة بعمر البرلمان "ما استطعنا إلى ذلك سبيلا". ويضيف المعايطة أنه ربما يعزز تلك القناعات حزمة الملفات الداخلية والتشريعات المنتظرة، بوجود رغبة بانجاز قوانين الأحزاب والبلديات واللامركزية ثم الانتقال لقانون الانتخاب، كما أن انسجام كل هذه القناعات مما لا شك فيه يخدم عملياً بقاء الحكومة ويستفيد منها رئيس الوزراء. مؤسسية الدولة لا توقف عند أشخاص وترى النائب وفاء بني مصطفى عضو كتلة المبادرة "15 نائباً" أن سرعة التغير وملء شاغر وزارة الداخلية بهذه السرعة يدلل على مؤسسية الدولة الأردنية وأنها لا تتوقف عند أشخاص، وهي إشارة قوية بأن حكومة النسور باقية، لاعتبارات عدة ليس أقلها أهمية القوانين المدرجة على جدول أعمال البرلمان في دورته الاستثنائي. وتضيف بني مصطفى أن هناك خطة عمل زمنية تكلم عنها الملك في كثير من المناسبات من بينها خطبة العرش الأخيرة "خطاب سنوي يلقيه الملك أمام البرلمان"، وتحدث فيها عن خطة عمل واضحة تنطلق من ضرورة إقرار قوانين الأحزاب فالبلديات واللامركزية ثم الذهاب لقانون الانتخاب. وأظهرت نتائج استطلاع في الرابع من أيار/مايو الماضي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وهو مركز مستقل، ارتفاعاً في رؤية الأردنيين بقدرة حكومة النسور عل تحمل مسؤوليات المرحلة، مقارنة بالعام 2014، إذ كانت حينها 54 بالمئة لترتفع إلى 60 بالمائة. ويقول رئيس المركز موسى شتيوي ل "الأناضول": "إن الاستطلاع يشير لاعتقاد الناس أن الحكومة تمكنت من إدارة المرحلة الماضية بكفاءة بنسبة 60 بالمائة". ويضيف أن سرعة إجراء التعديل الحكومي بتعيين وزير للداخلية والذي سيعقبه كما هو متوقع في وقت قريب تعيين قائدي "الأمن والدرك" وهي ثلاثتها أجهزة أمنية حساسة وصدور الدعوة للبرلمان بعقد دورة استثنائية، تدلل بشكل واضح على إطالة عمر الحكومة بخاصة أن وزير الداخلية الجديد من خارج الطاقم الحكومي، فلو كان من داخل الحكومة لدعم الرأي بأن مصير الحكومة على الأقل غير معلوم. وكان العاهل الأردني كلف عبد الله النسور برئاسة الحكومة الأردنية في 10 تشرين أول/اكتوبر العام 2012 خلفاً لفايز الطراونة "رئيس الديوان الملكي الحالي". وأجرى النسور أول تعديل على حكومته في 30 آذار من العام 2014 شمل نحو نصف طاقمه الأول، فيما يعتبر دخول وزير الداخلية الأسبق سلامة حماد في تشكيلة الحكومة بدلاً من الوزير المستقيل حسين المجالي بمثابة التعديل الطفيف عليها. وكان العاهل الأردني قبل الأحد الماضي استقالة وزير الداخلية حسين المجالي، وأقال قائدي الأمن العام (الشرطة) اللواء توفيق الطوالبة، ومدير قوات الدرك اللواء أحمد السويلميين، إلى التقاعد، وأعلن عقبها رئيس الحكومة في بيان رسمي أن وزير الداخلية تقدم باستقالته بسبب تقصير ادارة المنظومة الأمنية في التنسيق فيما بينها. وجاءت إقالة قادة الأجهزة الأمنية الثلاث، بعد موجة احتجاجات سياسية وشعيبة شهدتها البلاد مؤخراً، إثر حملة اعتقالات ومداهمات قامت بها وزارة الداخلية على مطلوبين في مدينة معان، اعتبرها الأهالي غير مسبوقة، خاصة حين نشر الاهالي ورئيس البلدية ماجد الشراري صوراً لبيوت قامت القوات الأمنية بهدمها. ودعا العاهل الأردني البرلمان للانعقاد في دورة استثنائية لمناقشة وإقرار 10 قوانين من بينها الأحزاب والبلديات، وإقرار مدونة سلوك لأعضاء البرلمان وتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، اعتباراً من الأول من حزيران/يونيو القادم. وبموجب الدستور الأردني يحق للملك دعوة البرلمان إلى دورة استثنائية على أن لا تتجاوز في انعقادها تاريخ 30 أيلول/سبتمبر، حيث تبدأ الدورة العادية التي يعقدها البرلمان كل عام وتستمر ستة أشهر وتبدأ دستورياً في الأول من شهر تشرين أول/أكتوبر من كل عام، ويحق للملك تأجيل انعقادها مرتين على أن لا تتجاوز تاريخ الأول من كانون أول/ديسمبر من كل عام. ولعل من أبرز القوانين التي شكلت نقاشاً وحواراً في الأوساط الأردنية المختلفة على مدار العامين الماضيّين قوانين الأحزاب والبلديات واللامركزية. وتسعى قوى أردنية حزبية وبرلمانية إلى تعديل جذري في قانوني الأحزاب والانتخاب بما يمكن من مشاركة فاعلة للأحزاب السياسية في الممكلة، والوصول إلى صيغة توافقية تنتهي معها فكرة قانون "الصوت الواحد" الذي جرت وفقه آخر انتخابات برلمانية مطلع يناير 2013 والتي قاطعها حزب جبهة العمل الإسلامي "الذراع السياسي لجماعة الإخوان" وحزب الوحدة الشعبية "معارض". ونظام الصوت الواحد هو نظام انتخابي يسمح للناخب باختيار مرشح واحد، وتقسم الدولة بشكل كلي إلى دوائر بعدد أعضاء المجلس النيابي وفقا للتعداد السكاني. وأحالت الحكومة الأردنية للبرلمان قبل شهرين قانوناً جديداً يسمى "اللامركزية" يتضمن آلية انتخاب، مجالس على مستوى المحافظات الأردنية ال 12، تكون على شكل حكومات إدارية في المحافظات تقر احتياجاتها وأوجه الانفاق فيها بعيداً عن الإدارة المركزية في العاصمة عمان. وتأخذ العديد من القوى المجتمعية والحزبية في البلاد على قانون البلديات عدم منحه كامل الصلاحيات للمجالس البلدية المنتخبة، بمنحه الحق لوزير البلديات بحل المجلس البلدي، كما أنه لا يضمن توفير عوائد التنمية للبلديات ولا يمنحها سلطة توزيع مكتسباتها وإقرار خططها الشاملة.