شارون: الحكومة الإسرائيلية وافقت على المجزرة قبل وقوعها بثلاثة شهور العرب طالبوا بمحاكمة الضباط الصهاينة.. وتناسوا عملاءهم اللبنانيين العالم استيقظ على جثثً مذبوحة بلا رؤوس.. ورؤوسً بلا أعين الصهاينة قصفوا المخيم بالمدفعية طوال النهار ليصبح اللاجئون لقمة سائغة للقتلة قنابل الصهاينة الفسفورية اغتالت سكان الملاجئ حرقا لا أحد يعرف، ماذا جرى بالتحديد في تلك الليالي المرعبة من ليالي سبتمبر عام 1982، فما إن وصلت القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت حتى بادر «أريئيل شارون» وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، و«رفائيل إيتان» رئيس الأركان، و«أمير درورى» قائد المنطقة الشمالية، و«عاموس يارون» مدينة بيروت، إلى وضع خطة عسكرية تفصيلية لاقتحام بيروتالغربية، ومنحت هذه الخطة دوراً تنفيذياً ل«القوات اللبنانية» التي كان يقودها «بشير الجميل» رجل إسرائيل في ذلك الوقت. بدأت المجزرة فجر السادس عشر من سبتمبر عام 1982، بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى العاصمة اللبنانيةبيروت، وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، وكان دخولهم إلى بيروت في حد ذاته انتهاكا للاتفاق الذي رعته الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي خرجت بمقتضاه المقاومة الفلسطينية من المدينة.. وعلى مدار يومين متواصلين تبارى الصهاينة في ذبح وقتل آلاف الأطفال والفتيات والنساء والرجال، الذين قدرت أعدادهم بنحو 3000 ضحية دفنت جثثهم تحت الأرض أو تعفنت فوقها، من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا، ربعهم من اللبنانيين والبقية من اللاجئين الفلسطينيين. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد شهداء المجزرة وصل إلى 3500 رجل وامرأة وطفل خلال 40 ساعة، ويعود هذا التضارب في عدد الضحايا إلى أن القتلة أدخلوا إلى المخيم عدة جرافات، اتضح فيما بعد أنها لدفن الجثث في قبور جماعية أثناء ارتكابهم للمجازر، وبالتالي لم يتم التوصل إلى معرفة أماكن كل المقابر الجماعية، لا سيما أن السلطات اللبنانية لم تحقق مع الجناة اللبنانيين، فيما تعالت أصوات عربية تستنكر على العالم عدم محاكمة الضباط الإسرائيليين الذين شاركوا وخططوا وأشرفوا على المذبحة. صبرا .. شاتيلا «صبرا» هو اسم حي تابع لبلدية "الغبيري" في محافظة جبل لبنان، تحده مدينة بيروت من الشمال، والمدينة الرياضية من الغرب، ومدافن الشهداء وقصقص من الشرق، ومخيم شاتيلا من الجنوب، وهو مخيم دائم للاجئين الفلسطينيين يقع جنوببيروت، أسسته وكالة الأممالمتحدة للاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عام 1949 بهدف إيواء مئات اللاجئين. ووفقا لتصريحات «شارون» نفسه، فانه سمح بدخول ميليشيات حزب الكتائب إلى مخيمي صبرا وشاتيلا في 16/9/1982 تطبيقاً لقرار اتخذته الحكومة الإسرائيلية في 15/6/1982، أي قبل ثلاثة شهور، بإشراك «القوات اللبنانية» الموالية لإسرائيل في الحرب، فعقد اجتماع وضعت فيه خطة لدخول «القوات اللبنانية» إلى المخيم، حيث بدأت تتجمع في مطار بيروت الدولي لوضع اللمسات الأخيرة لتطهير المخيمين، واختير إيلي حبيقة قائداً للقوة التي ستدخل المخيم. وفرضت إسرائيل حصارا على منطقة صبرا وشاتيلا بدعوى "فرض الأمن والنظام في المخيم الفلسطيني" عقب اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميّل، وقام الجيش الإسرائيلي ترافقه المجموعات اللبنانية العميلة ممثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنانالجنوبي بإطباق الحصار على مخيمي صبرا وشاتيلا، ودخلت ثلاث فرق إلى المخيم لتقتل المدنيين العزل بلا هوادة. كما أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاقَ كل مداخل النجاة من المخيم، ولم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة في الثامن عشر من سبتمبر، حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية ليجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوساً بلا أعين، ورؤوساً أخرى محطمة، وقرابة 3000 جثة لأطفال ونساء ورجال وشيوخ. قصف مدفعي قصفت القوات الإسرائيلية مخيم اللاجئين بالمدفعية طوال نهار يوم الخميس، فخلت كافة الشوارع من المارة، وظل الناس في بيوتهم لقمة سائغة للقتلة، حيث استغل الجزارون ساعات الليل والقنابل الإسرائيلية المضيئة واقتحموا كل بيوت الحي والملاجئ واخرجوا الناس من منازلهم في الخامسة من مساء السادس عشر من سبتمبر عام 1982، وشرعوا في قتل المدنيين العزل بوحشية بالغة، فبقرت بطون الحوامل بعد اغتصابهن وقتل أطفال لم تتجاوز أعمارهم الثالثة والرابعة، وذبح مئات الرجال والشيوخ. واستمرت المجزرة على مدار ثلاثة أيام كاملة، اقتحم خلالها أكثر من 350 مسلحا مسيحيا من حزب الكتائب اللبنانية البيوت بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني مختبئين داخل المخيم، وقاموا بقتل واغتصاب وتعذيب آلاف الأطفال والنساء وكبار السن المحاصرين في المخيم.. وتصاعدت هذه الدموية في اليوم الثاني من المجزرة، حين وصلت تعزيزات إضافية من مليشيا الكتائب، فدخلوا المخيم وبدأوا بإطلاق نداء "سلّم تسلم"، إلا أن الجثث الملقاة في الشوارع كشفت بوضوح عن أن النداء الذي أطلق عبر مكبرات الصوت كان نداء كاذبا.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد لإطلاق القنابل الفسفورية على الملاجئ، فمات غالبية من بداخلها حرقا، ومن لم يمت وحاول الهرب كان الجزارون المسلحون في انتظاره بالخارج ليلقى حتفه بالرصاص. وبرر الصهاينة وعملاؤهم من الكتائب اللبنانية المجزرة بأنها انتقام لمقتل زعيم الكتائب بشير الجميل، لكن المؤكد وفقا لرويات شهود العيان والمؤرخين أنها نفذت انتقاماً من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية خلال ثلاثة شهور من الصمود والحصار، الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تف بالتزاماتها وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم قتلا وذبحا واغتصابا وبقرا للبطون. كما استهدفت المجزرة أيضا الإجهاز على معنويات الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين، وتأجيج نيران العداوات الطائفية بين اللبنانيين أنفسهم, وتأجيج الفتن الداخلية في لبنان، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتأليب الفلسطينيين ضد قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية. شركاء الدم شارك في المذبحة نحو 400 عنصر حملوا الأسلحة والسواطير والفؤوس، وكانوا ينتمون إلى كتيبة الدامور التابعة ل«القوات اللبنانية» التي تولى فادي فرام قيادتها عقب اغتيال بشير الجميل مباشرة، ومجموعة من «نمور الأحرار» التابعة لحزب الوطنيين الأحرار، ومجموعة من حزب «حراس الأرز» الذي يرأسه إتيان صقر، وأفراد من جماعة سعد حداد. وبحسب روايات مؤكدة كانت قيادة الجيش الإسرائيلي على اطلاع كامل بما يجري داخل المخيمات حتى صباح يوم السبت 18 سبتمبر 1982، وكان الضباط المسئولون يتواصلون بشكل مستمر مع قيادة ميليشيا الكتائب التي نفذ أفرادها المجزرة، لكنهم لم يتدخلوا لإيقافها، بل ساعدوا قوات الكتائب عبر إطلاق القنابل المضيئة. ويستذكر شهود العيان الناجون من المذبحة رائحة الدم والبارود ومشاهد أشلاء الجثث المتناثرة، فيقول ماهر علي: "رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا، وعندما أخبرت والدي عن الجثث طلب منا أن نلزم الهدوء، وبدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب، وعندما فتحنا لهم أخرجونا من البيت وطلبوا من والدي بطاقة هويته، وما أن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر، لم اعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه ومعي أخي الصغير، ومات أبي وخمس من إخوتي وأصيبت أمي، وتمكنت أنا وأمي وباقي إخوتي من الهرب". وتكمل شقيقته نهاد تفاصيل المأساة: "كنت في الخامسة عشرة من عمري في ذلك الوقت، ولم يصدق الكثير أن ما يحدث في المخيم مجزرة، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا، وصلنا إلى مستشفى غزة، وكان الناس يتجمعون عند مدخل المستشفى، وكانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف". أما "أم غازي" فتسترجع لحظات فقدها أحد عشر شخصا من أفراد عائلتها: "عندما دخلوا علينا كانوا اثنا عشر مسلحًا، يحملون البنادق والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد، أخرجونا من المنزل حفاة، ووصلنا إلى المدينة الرياضية فوجدنا الإسرائيليين هناك، وأخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم أن يساعدونا ويذهبوا لإنقاذ أولادنا ورجالنا، فقالوا: لا دخل لنا.. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم، وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار، وعند المغرب أخرجونا قائلين: إياكم أن تعودوا إلى المخيم اذهبوا إلى مكان أخر". وتسبح شهيرة أبو ردينه، إحدى الناجيات من المذبحة، بخيالها لتستعيد تفاصيل مشاهد مازالت تقض مضجعها حتى الآن: "جاءوا صباحا وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات، وانهمر عليهم الرصاص كالمطر، فقتلوا أختي، وأخي، وزوجي، وابن عمي، ووالدي، ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي ووضعونا أمام الحائط، وما أن هموا بقتلنا حتى سمعنا "إسرائيليا" يصرخ بالعبرية، لم نفهم ما يقول، لكنهم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية".