نجيب محفوظ كان لديه قدرة على توليد النكت تعلمت من محفوظ النظام والدأب "الزيني بركات" رفضت من التليفزيون لمدة 25 عاماً! حققت الرواية "الغيطانية" وأحلم بكتابة ألف ليلة "الكذب الأبيض" جعلني حكائاً "أحمد الله أنني بلغت هذه السن، 70 سنة فيها ما يكفي، وأرجو أن يكون الاحتفاء بيوم مولد الكاتب هو تقييم لمسيرته وإعادة قراءته وانتقاده، وألا تقتصر فقط على المناسبات الاجتماعية"، جاء ذلك خلال الصالون الذي انعقد مساء الأربعاء في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، احتفالا ببلوغ الغيطاني عامه السبعين، وأداره الفنان أمين الصيرفي. بدأ الغيطاني الحديث عن نفسه منذ نشأته، في الجمالية وبالتحديد في درب الطبلاوي إحدى الحارات المصرية، ويعترف بأنه مدين بتكوينه للقاهرة القديمة، فالقاهرة القديمة ثروة ثقافية، حين لم يكن متاحا لي مكتبة. وعن كتابه الأول يقول: قرأت رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو، وقد اشتريتها من بائع صحف بثلاثة قروش فانبهرت بها، ثم قرأت ديستوفيسكي وأغرمت به، حتى أنني كتب مجموعة قصصية بعنوان "المساكين" تأثراً به، فقد كان لديه قصص بنفس الاسم. أما عن حبه للكتابة فيقول أنها كان يعتاد على "الكذب الأبيض"، والتخيلات ويقول: كنت أتخيل أن هناك أنفاقا في حارتنا، وكنت أصنع الأحداث وأقصها على إخوتي. ولفت الكاتب الكبير جمال الغيطاني، إلى أنه على الرغم من الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلا أنه تميز بنظافة اليد وأخلاقه الراقية. واحتلت علاقته بنجيب محفوظ الجزء الأكبر من الصالون، فيقول الغيطاني تعرفت على نجيب محفوظ في الرابعة عشر من عمري، فدعاني إلى مقهى وكان المقهى يرتبط حينها لدى الطبقة الشعبية بفساد الأخلاق، مؤكداً استمرار علاقته بنجيب محفوظ حتى وفاته، قائلاً: كنت أقدم صديق له على قيد الحياة بعد رحيل توفيق صالح. وعن الدروس التي تعلمها من نجيب محفوظ، هي النظام الصارم الذي وضعه لنفسه للكتابة، وذلك بسبب أن وقته لم يكن مخصصاً للأدب وحده، وهي نفس ظروفي فقد بدأت رسام سجاد، ثم صحفي في أخبر اليوم، ووظفت موهبتي حين عملت مراسلاً حربياً في الجيش بعد الثورة، واعتبر الغيطاني أن عبور 6 أكتوبر يشبه ما حدث في 30 يونيو، أن يتصرف المصريون كأنهم شخص واحد، هذا حدث أيضاً في ثورة 1919. حول نجيب محفوظ يكمل الغيطاني قائلاً: تعلمت منه الدأب والنظام، ليس لدي ترف انتظار لحظة الالهام، قائلاً: نجيب محفوظ كانت لديه قدرة على توليد النكتة، فقد كان يميزه سرعة الخاطر وخفة الدم وهو جانب مجهول من شخصيته، فهو كاتب محب للحياة. ولفت إلى أن مشروعه الروائي يختلف عن أستاذه نجيب محفوظ، قائلاً أن هذا تأكيداً لأستاذيته، لأن الأستاذ الذي يخرج نسخاً منه ليس استاذا، معتبراً نجيب محفوظ هو أمير الرواية العربية ومؤسسها الحقيقي. جمع الغيطاني بين محفوظ والأبنودي في ان كلاهما احتفى بالموت وأحسن استقباله، قائلاً أن الأبنودي قبل رحيله رتّب كل شئ، حتى أنه أحضر زجاجة المسك، ومن يحضر جنازته ومن لا يأتي، وهكذا، قائلاً: لم أجد مثل محفوظ والأبنودي في مواجهة الموت. وروى كيف أن مدير المستشفى الذي كان يعالج به الأبنودي، اشتكى منه لأنه كان يجمع كل طاقم المستشفى ويحكي لهم حكايات، وكان يأكل ما يضر صحته مثل "الحمام" الذي كان يأتيه من الصعيد، قائلاً: ربما لا نتمكن من أكله ثانية!. نشارة النجار! عن دراسته يقول الغيطاني أنه درس في مدرسة الفنون والصنايع، لأنه شعر أن والده أرهق بالمصاريف، قائلاً: لحسن حظي تعلمت دراسة فن تصميم السجاد، ودرست الألوان، وهو ما أفادني في الرواية. ويحكي أن ذهب من قبل لوزارة الخارجية لتثمين سجادة نادرة، لافتاً إلى أنه متخصص في السجاد الإيراني وبالتحديد سجاد "بخارى". وعن كتابه "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" يقول أنه مقترضاً 35 جنيهاً من يوسف القعيد، ليضعه على نفس المبلغ معه ويطبع روايته، قائلاً: هذا الكتاب كتب شهادة ميلادي ككاتب، فقد كتب عني حينها لويس عوض، وعلي الراعي، ولطيفة الزيات، وكانت شهادة كل منهم ك"ختم النسر"، ومنذ ذلك الوقت لم أكف عن الكتابة. أما عن كتباته للقصة القصيرة، فيقول أنها تمهد دوماً عنده لرواية، قائلاً: منذ بدأت الكتابة وتحكمني أسئلة كبرى، وبالتحديد سؤال الزمن الذي يسكنني إلى الآن: قائلاً: أعرف أنني لن أعرف أبداً، لكنني لن أكف عن السؤال، والكتابة عندي هي محاولة للإمساك بما يفنى، وبما ينطوي. ورغم كتابتي للقصة القصيرة – يواصل – إلا أنني اعتبر نفسي كاتب روائي، فالقصة القصيرة عندي مثل "نشارة النجار" التي تتساقط منه أثناء صنعه للكرسي، الذي هو برأي يمثل "الرواية". ويؤكد الغيطاني على حرصه أن يكتب شيئاً لم أقرأ مثله من قبل، قائلاً: الكاتب الذي لايضيف للتراث الإنساني يكون ناسخا وليس مبدعا. وحين قررت كتابة القصة القصيرة، قرأت كثيراً في التراث ووجدت أن هناك أساليب كثيرة للحكي قد هجرت، فقررت إحيائها، لأحقق "الرواية الغيطانية" أي التي تنتمي إلي وهو أمر له خصوصية، يحتاج إلى مزيد من الجهد. وذكر الغيطاني أنه أغرم كثيراً بالمؤرخ ابن اياس، لأن أسلوبه يختلف عن كبار الكتاب، يجمع بين العامية سليمة التراكيب بالفصحى، وهي برأي الغيطاني قمة البلاغة المصرية، التي أبدعها المصريون في أدبهم الخاص. اتقنت هذا الأسلوب وكتبت به "نهاية سكير"، ويشير إلى أن عبدالفتاح الجمل مشرف الصفحة الثقافية في جريدة "المساء" حين قرأها، صعد فوق مكتبه ورقص! وكان هذا أسلوبه في التعبير عن فرحته، لأنه وجدها مختلفة عن السائد. يواصل: كانت هذه هي تمهيد أو "بروفة" رواية "الزيني بركات"، قائلاً: القصة القصيرة عندي تمهيد لعمل كبير، نتيجة انشغالي بهم ما، اعبر عنه بقصة قصيرة ثم أنتهي بالرواية. ولفت إلى أن حبه للرواية جعله يهتم بفنون تبدو في الظاهر لا علاقة لها بها مثل العمارة، حيث كان الدافع لدراستها بجانب الرواية هو نشأتي في القاهرة القديمة، مشيداً بالقاهرة واعتبرها "حالة ثقافية مركزة". قائلاً: أتأمل كثيراً في المضمون الروحي لمصر، لذلك اشتهرت بتقديم برنامج عن الآثار المصرية والقبطية واليهودية، لأنه في مصر لا يوجد حي مغلق على أصحاب ديانة ما. يضيف: مصر حالة ثقافية خاصة لم يستطع الإعلام او التعليم إظهارها إلى الآن فالأنظمة أهملت الثقافة رغم أنها التي حمت مصر، فمصر بها تماهي بين الجميع، على العكس من الدول العربية التي تقسم بها الأحياء وفق الديانات. التاريخ الغامض أوضح صاحب الصالون أنه قرأ التاريخ المصري القديم الذي اعتبره غامضاً في البداية، ثم قرأ التاريخ العربي ليستقر على العصر المملوكي الذي يعتبره لا يزال مستمرا، قائلاً: القيم الملوكية لا تزال سارية إلى الآن، ورغم ذلك فقد مثل هذا العصر ذروة استيعاب مصر للحضارة وإنتاجها، حيث ظهر جامع "السلطان حسن" الذي يعد من أورع المسجد في مصر. واعتبر الغيطاني المصريين "شيعة" لأنهم يقدسون أهل البيت، قائلاً: لا يوجد أحد من آل البيت ليس له مقام ي مصر حتى الذين لم يمروا بها، فقد اخترع المصريين كما يقول مقام "الرؤية" أي أن أحد الصالحين يذهب للسلطان ويخبره بأنه رأي أحد الصالحين في الرؤية ويطلب بناء مقام له وبالفعل يحدث. يواصل الغيطاني: مصر إطارها سني، لكن مضمونها شيعي، لذلك مصر حكم وليست طرف في النزاع السني – الشيعي، وأبدى الغيطاني انزعاجه من النبرة الحادة ضد الشيعة، قائلاً: لابد من الوعي بالتاريخ والوعي بالمضمون وخصوصية مصر. وروى الغيطاني عن رفض التليفزيون المصري لتقديم "الزيني بركات"، قائلاً أن يحيى العلمي كان يقدمها وترفض، ويحكي موقفاً طريفاً جمعه بصفوت الشريف حين كان وزيراً للإعلام - بعد تحويل الرواية لمسلسل تليفزيوني - حيث قال له الشريف، نحن نعيش في عصر ديمقراطي فقد أجزنا عرض روايتك رغم ما بها من إسقاطات، فتعجب الغيطاني وقال مازحاً: إسقاطات فقط! إنها رواية صريحة جداً. ولفت الكاتب الكبير إلى أن أعماله يصعب تحويلها للإذاعة والتليفزيون، قائلاً ان أستاذه نجيب محفوظ مارس كتابة السيناريو للسينما بحكم الضائقة المادية التي كان يمر بها، ففي الأدب عليك أن تمتهن مهنة بجواره لتستطيع المواصلة. وانتقد الغيطاني غياب حركة النقد، رغم أن هناك فائض في الإبداع الجيد، كما أن هناك ظواهر تضر بالأدب مثل "الأكثر مبيعاً" واعتباره الأكثر جودة، ضارباً المثل بإنتاج أجاثا كريستي قائلاً أنها حققت مبيعات أكثر من شكسبير ومع ذلك لم يعتبرها أحد أعظم منه!. وعن حلمه الروائي، يقول: هو أن يكتب نص مثل ألف ليلة وليلة، الذي يعتبره أعظم نص قصصي في التاريخ .