أثارت التغييرات التي وصفت بالأكبر في المملكة العربية السعودية، التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز فجر اليوم الأربعاء، في صفوف كبار مسئولي القصر الملكي للمملكة، ضجة كبيرة لدى الأوساط العربية والدولية خاصة وأن تلك القرارات بحسب المحللين جاءت في صالح الشباب، كما طرحت تساؤلات حول انعكاس هذه التغييرات على سياسة المملكة واستراتيجياتها تجاه قضايا المنطقة خلال الفترة المقبلة. فرأى المحللون أن العاهل السعودي أراد من خلال سلسلة التعيينات التي أجراها فجر الأربعاء، وتغير وجه الدولة، ضخ دماء شابة في القيادة ونقل السلطة بسرعة "للجيل الثاني"، كما أنها تعكس مفاعيل الحرب في اليمن". ضخ الدماء الشابة وقال الأكاديمي والمحلل السياسي خالد باطرفي لوكالة "فرانس برس": "من الواضح الاتجاه نحو عصر الشباب، الملك سلمان أراد أن يجدد عهد الدولة السعودية الثالثة بضخ هذه الدماء الشابة". ولفت باطرفي إلى أن "معظم التعيينات الجديدة من الشباب" مشيرا إلى أن معدل أعمار المسئولين في الدولة بات حاليا 55 عاما تقريبا. واعتبر باطرفي أن "الفكرة من التعيينات هو أن يكون المستقبل مطمئنا للداخل والخارج، فقد أصبح واضحا من سيقود السفينة". وكان الملك سلمان أصدر أمرا ملكيا بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد بدلا من الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي أعفي من منصبه، كما عين نجله الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد بعد حصوله على غالبية أصوات هيئة البيعة. كما أعفي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي قاد دبلوماسية بلاده طوال أربعين سنة، لأسباب صحية، وعين مكانه سفير المملكة لدى واشنطن عادل الجبير. وأجرى الملك أيضا مجموعة واسعة من الإعفاءات والتعيينات التي من شأنها تغير بشكل جذري وجه الإدارة السعودية. وكان الأمير محمد بن نايف "56 سنة" اختير ليقود مستقبل المملكة عندما عين في يناير بعيد وفاة الملك عبدالله وليا لولي العهد في قرار حسم مسألة الانتقال إلى "الجيل الثاني"، أي أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز. ومن المفترض أن يصبح الامير محمد بن سلمان، وهو في مطلع الثلاثينات من العمر، وليا للعهد عندما يصبح الأمير محمد بن نايف ملكا.
مرحلة ما بعد "عاصفة الحزم" من جانبه، وصف الكاتب السعودي خالد المعينا التغييرات الجديدة بأنها تجديد ونقل للحكم الى الجيل الثاني والثالث في العائلة المالكة"، وقال "العالم تغير التحديات الجديدة تحتاج لدماء ومواهب جديدة". وقد أعرب رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات القانونية والاستراتيجية أنور عشقي عن اعتقاده بأن التعيينات تظهر بأن "السعودية تعيش مرحلة ما بعد عاصفة الحزم"، في إشارة إلى العملية التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين في 26 مارس. وأوضح: "من قاموا بهذه العملية هم الذين برزوا على الساحة لذلك كان لابد أن يوجد تغييرا يتناسب مع مقتضيات المرحلة". فالأمير محمد بن سلمان هو الذي يقود هذه الحرب بصفته وزيرا للدفاع، وقد لمع نجمه بشكل كبير منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، أما عادل الجبير، فهو الذي أدار حملة العلاقات العامة للمملكة في الولاياتالمتحدة مع إطلاق هذه الحرب. والجبير هو الذي أعلن من واشنطن بدء ضربات التحالف العربي بقيادة السعودية، وهو إعلان فاجأ العالم. وشدد عشقي على أن تعيين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، يأتي بعد عرض المسألة على هيئة البيعة، وهي هيئة أمراء آل سعود التي تشرف على مسالة الخلافة واستمرار الحكم. وقال عشقي "العملية كانت منظمة ومرتبة وليست تلقائية"، وخلص إلى القول بأن "المملكة تعيش عصرا مغايرا هو عصر الواقعية" وستواجه قيادتها الشابة "تحديات إمنية واقتصادية وإدارية". العلاقات العربية والدولية وفيما اعتبر خبراء ومحللون، أن التغييرات الملكية تصب في صالح السعودية، وتضع حداً للمراحل الانتقالية، قال آخرون إنه من المبكر الحديث عن أن هذه التغييرات ستغير ملامح السياسة السعودية في المنطقة، لكنهم أكدوا أن هناك ثقة في عدم تغير سياسات المملكة، سواء في العلاقات العربية أو الدولية. فمن جانبه، أوضح رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية والمستشار السابق لرئيس الجمهورية أحمد المسلماني في بيان له: "إن التغييرات الجديدة في المملكة، تطور يصب في صالح المستقبل، ويضع حداً للمراحل الانتقالية ويؤسس لحقبة ممتدة من الثقة والاستقرار". وأضاف المسلماني، "أن القادة الجدد في المملكة تربطهم علاقات متميزة مع مصر، كما أن توجهاتهم العروبية تأتي في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب العربية إلى مناهضة المشاريع الإقليمية المتنافسة على المنطقة، والسعي الجاد لإنجاز مبادرة الرئيس السيسي لتأسيس القوة العربية المشتركة". ورأت أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الدكتورة نهى بكر، أنه لا يوجد ردود فعل حتى الآن حول التغيرات التي تمت، حيث إن التكهن بسببها، غير مهم ولكن الأهم هو دراسة التغيّرات التي ستترتب عليها. وقالت لموقع "24" الإماراتي: "إنه ليس غريباً على المملكة السعودية أن تقوم بهذه التغييرات، حيث إن هناك مواجهات في العديد من القضايا الإقليمية الهامة والتي تحتاج إلى وجوه قادرة على تولي زمام الأمور، وهناك ثقة في عدم تغير سياسات المملكة، سواء في العلاقات العربية أو الدولية".