اضطر العلماء فى مركز بحوث الفيزياء بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) إلى إرجاء استئناف العمل فى مصادم الهدرونات الكبير الذى جرى تطويره بسبب حدوث تماس كهربى في التوصيلات الخاصة بأحد المغناطيسات الرئيسية. وقال بيان من أكبر مراكز بحوث فيزياء الجسيمات فى العالم أمس الثلاثاء "توحى المؤشرات الحالية بتأجيل يتراوح ما بين بضعة أيام وبضعة أسابيع". وكان من المتوقع أن يبدأ المهندسون اليوم الاربعاء بالمختبر الاوروبى لفيزياء الجسيمات إعادة تشغيل المصادم الذى يضم أضخم تجربة علمية فى العالم لإحداث تصادم بين حزمتى جسيمات من البروتونات تسيران فى اتجاهين متقابلين وفى مسار بيضاوى داخل نفق طول محيطه 27 كيلو مترا وبكم طاقة هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التى اعقبت الانفجار العظيم الذى نشأ عنه الكون قبل 13.8 مليون عام. ومصادم الهدرونات الكبير مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والأجهزة الإلكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف إنشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضى إلى 20 عاماً. وكان قد تم إغلاق المختبر خلال العامين الأخيرين لإعادة تأهيله. والمختبر الأوروبى منشأة مترامية الأطراف تقع فى منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة عند سفح جبال جورا قرب جنيف وعلى عمق مئة متر تحت الأرض. ويجىء استئناف العمل بالمختبر قبل البدء فى تجارب تصادم البروتونات فى مايو القادم بسرعة تبلغ ضعفى سرعته التى بدأ بها مصادم الهدرونات لأول مرة بين عامى 2010 و2013. وفي إنجاز علمي عام 2012، أعلن علماء سيرن اكتشاف جسيم بوزون هيجز وهو أحد الجسيمات تحت الذرية الذى يعد من اللبنات الاساسية لنشأة الكون والذى ظل العلماء يحلمون به طويلا وهو جسيم افتراضي. وقال عالم الفيزياء الإسكتلندى بيتر هيجز قبل ثلاثة عقود من الزمن إنه يساعد على التحام المكونات الأولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها. وقال العلماء إن المادة المعتمة الغامضة التي تمثل 96 % من مادة الكون ستكون الهدف الرئيسى للتجارب التى تجرى خلال السنوات المقبلة. وأكد العلماء احتمال التوصل لاكتشافات جديدة قد تحدث ثورة جذرية فى فهم ما يحدث فى الكون. والمادة المعتمة تعبير أطلق على مادة افتراضية لا يمكن قياسها إلا من خلال تأثيرات الجاذبية الخاصة بها والتى بدونها لا تستقيم حسابيا العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات. وعبر علماء سيرن عن خيبة أملهم بسبب العطل الفنى المفاجئ الذى ألم بأحد القطاعات الثمانية للمصادم الذى جرى فحصه بدقة وتغيير التوصيلات الخاصة به خلال فترة توقفه عن العمل. لكن رولف هوير المدير العام للبحوث فى المركز هون من شأن هذا العطل. وقال هوير فى بيان "جميع المؤشرات طيبة توطئة لإعادة التشغيل. فى مشروع عظيم كهذا فان تأخيرا لبضعة أسابيع فى إطار سعى البشرية لفهم كوكبنا لا يمثل سوى أقل من طرفة عين". ويتمسك العلماء والمهندسون فى سيرن -وهم يتذكرون التسرب الخطير الذى حدث عام 2008 والذي تسبب في تأخير لمدة عامين فى تدشين العمل بمصادم الهدرونات الكبير لأول مرة- بأنه ليس ثمة ما يدعو إلى العجلة لتشغيل المصادم بكامل طاقته. وقال فريدريك بوردرى، مدير المعجلات بالمركز، إن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لحل مشكلة التماس الكهربى المتقطع.