لا تزال عمليات التنقيب عن الغاز الصخري في الجزائر تثير مخاوف مواطنين في الجنوب وعددا من الخبراء المختصين في الطاقة والبيئة، حيث يرى البعض أنها تخلف آثارا سلبية على صحة الإنسان، في ظل عدم امتلاك الجزائر لتقنيات استخراجه بشكل صحي، فيما يدعو آخرون إلى ضرورة مواصلة البحث للتحكم في تقنية استخراجه. وتصر الحكومة الجزائرية، كما جاء في تصريحات عديدة لمسؤوليها، على استكمال مشروعها للتنقيب، واستكشاف الغاز الصخري، رغم المعارضة السياسية والشعبية بين سكان المناطق الجنوبية للمشروع، في شكل احتجاجات متواصلة منذ ثلاثة أشهر. اجتجاجات ضد المشروع محاد قاسمي، عضو اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري، قال إنهم ماضون في اعتصامهم واحتجاجاتهم إلى غاية وقف عمليات الحفر والتنقيب عن الغاز الصخري. وأضاف محاد، في حديث لوكالة الأناضول، أن "التعبئة الشعبية متواصلة في كل ولايات الجنوب، وسوف نعتصم سلميا في كل ساحات مدن الجنوب إذا أصرت الحكومة على قرارها". وقالت فتيحة سحنون، الباحثة بمركز البحث في الطاقات المتجددة بالجزائر (حكومي)، إن "خطر استخراج الغاز الصخري مازال قائما، في ظل ما تم التوصل إليه من تقنيات وتكنولوجيات لحد الآن في عملية الحفر والتكسير الهيدروليكي". وأشارت سحنون، في حديث للأناضول، إلى أن "عملية تكسير صخور وتحرير الغاز الموجود داخلها، تتم بضخ كميات كبيرة من الماء العذب والرمل والمواد الكيمياوية، ولا يتم استرجاع إلا كميات قليلة منها، وأما التي تخرج إلى السطح، فإنها تمتزج بالماء والمواد المشعة والمعادن الثقيلة الموجودة بالتربة، وتشكل خطرا حقيقيا على صحة الإنسان والبيئة". ورأت الباحثة بمركز البحث في الطاقات المتجدد، أن "استغلال الغاز الصخري ليس حتميا في الوقت الراهن، وعلى صانع القرار التريث في عملية الاستكشاف إلى غاية ظهور طرق أخرى أقل خطرا على الإنسان والبيئة من التقنيات المعروفة الآن". وأوضحت سحنون أن "هناك طرقا أخرى لاستخراج الغاز الصخري دون استعمال المواد الكيمياوية، تستخدم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن تكلفتها لا تزال مرتفعة". من جهته، اعتبر البروفيسور عبد الحكيم بن تليس، من جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بالعاصمة الجزائر، أن "الرهان الحقيقي للجزائر، هو الحفاظ على الأمن الطاقوي، من خلال تنويع مصادر الطاقة من التقليدية إلى المتجددة، وترشيد عملية الاستغلال والاستهلاك". احتجاجات ضد المشروع وأضاف بن تليس، في حديث للأناضول، أن "الأخطار موجودة، وهذا شىء طبيعي في أي مورد طبيعي له إيجابيات وسلبيات، والمهم الآن هو العمل على كيفية تجنبها، وامتلاك التكنولوجية الكفيلة لذلك، وهذا لن يكون إلا عن طريق البحث والتجربة". وناشد الباحث جميع الأطراف "عدم تسييس ملف الغاز الصخري، وتضخيم المخاطر على حساب ما يشكله الغاز كمورد طبيعي يساهم في الحفاظ على الأمن الطاقوي للجزائر". ودعا بن تليس إلى "فتح المجال للنقاش والتشاور بين أصحاب القرار والباحثين ونشطاء البيئة وحقوق الإنسان، بعيدا عن مبدأ مع أو ضد، ويؤكد البروفيسور بن تليس بأن مخاطر الغاز الصخري موجودة". في المقابل، تشدد الحكومة في سياق إصرارها على المضي قدما في استكمال مشروع التنقيب عن الغاز، على عدم وجود مخاوف جدية تقتضي إيقافه. وقال وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي، إن الدولة "مستعدة لتقديم جميع الشروحات والتوضيحات المتعلقة بعملية التنقيب عن الغاز الصخري، وهي لن تتهاون في حماية مواطنيها من أي أخطار محتملة مهما كانت". وتابع في تصريحات سابقة للإذاعة الحكومية: "نحن بصدد إنشاء مرصد وطني، يتولى تقديم الاستشارة في جميع المشاريع الطاقوية وتقديم الآراء حولها". ولفت إلى أن "عملية حفر بئر تقليدي لا تختلف عن عملية حفر بئر صخري، حيث تستعمل ذات التقنيات والوسائل، وتقوم الدولة في كلتيهما بالرقابة الشديدة والصارمة لحماية صحة المواطن والبيئة وغيرها ". وكانت أحزاب سياسية وشخصيات جزائرية معارضة أعلنت في مقابل هذا الإصرار الحكومي، مساندتها لمطالب السكان الرافضين للمشروع في الجنوب، وانضمت لوقفات ومسيرات نظموها في مدن جنوبية. وهو ما اعتبره الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة وجهها الخميس الماضي، إلى مواطني بلاده، بمناسبة عيد النصر: "استدراج إلى الكيد للدولة، وانسياق إلى الوقوف موقف الإرتياب والتشكيك في إخلاص قادتها ونزاهتهم". وتشهد محافظات في الجنوب الجزائري منذ مطلع العام الجاري، مسيرات رافضة لمشرع استغلال الغاز الصخري في الجزائر بسبب مخاوف من تاثير الطاقة الجديدة على البيئة والمياه الجوفية في الجنوب وتدعمها في ذلك كل الأحزاب المعارضة، بينما ترفض الحكومة الجزائري مراجعة القرار . وقال الرئيس الجزائري، يوم 24 فبراير/شباط الماضي، في رسالة للجزائريين بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات (تأممت عام 1971): "إنه يجب الاستفادة من الطاقات التقليدية وغير التقليدية والطاقات المتجددة المتوفرة في البلاد مع الحرص على حماية صحة المواطنين والبيئة". وتابع: "النفط والغاز التقليدي والغاز الصخري والطاقات المتجددة كلها هبة من الله، ونحن مناط بنا حسن تثميرها والاستفادة منها" في إشارة منه إلى رفض التراجع عن المشروع. وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والأرجنتين من حيث احتياطات الغاز الصخري، بحسب تقرير صدر العام الماضي عن وزارة الطاقة الأمريكية حول احتياطات الوقود غير التقليدية.