عبر إشعال النيران يحيي الشعب الكردي عيد "نوروز" في إيرانوتركياوالعراقوسوريا ودول أخرى وسط آسيا، الذي يعود لعصور قديمة، لكنه ما يزال العيد القومي الأهم والرئيسي عند الأكراد. وتتعد الروايات حول أصل العيد حيث يربطه الأكراد بأحداث تاريخية امتزجت بأساطير عديدة. إلا أن الرواية الأكثر شيوعاً بين الأكراد، تقول إن الاحتفال ب"نوروز" يرجع إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (قدماء الأكراد) والكلدانيين في القرن السابع قبل الميلاد، والسيطرة على عاصمتها نينوى. ولا تزال أثار تلك الأمبراطورية باقية في مدينة الموصل، شمالي العراق. فيما تتحدث أسطورة عن قيام شخص يدعى "كاوا"، المعروف بمناصرته للخير، بمقاومة الملك الظالم "زوهاك" (أي التنين أو الأفعى الكبيرة بالكردية)، والانتصار عليه، وإشعال النيران في قصره. واحتفالا بذلك، يقوم مناصرون ل"كاوا" بإشعال النيران أعالي الجبال المحيطة بالمدينة تعبيراً عن فرحهم بانتصار الخير على الشر. هناك أسطورة ثانية أقل انتشارا حول أصل عيد "نوروز"، متداولة بشكل خاص بين الأكراد الإيزيديين، وتقول إنه خلال الطوفان الكبير وسفينة نوح، حدث ثقب أسفل السفينة عند مرورها فوق جبل سنجار بمحافظة نينوى (في العراق حاليا) واصطدامها بصخرة بارزة في الجهة الغربية للجبل الذي كان مغمورا بالمياه آنذاك نتيجة الطوفان . وحسب الأسطورة، كاد الثقب أن يؤدي إلى غرق السفينة، لولا تطوع أفعى كبيرة بالمكوث في الثقب لمنع تسرب المياه إلى السفينة، لكن الأفعى اشترطت على النبي نوح مقابل ذلك أن يقدم لها ضحايا من البشر الذين كانوا على السفينة إذا ما نجوا من الغرق. وبعدما رست السفينة على جبل الجودي (جنوب شرق تركيا) ويبعد حوالي 130 كم شمال جبل سنجار، طالبت الأفعى النبي نوح بتقديم الضحايا من البشر لها، إلا أن النبي، وحرصا على حماية نسل بني آدم من الهلاك، قام بإضرام النار في الأفعى. والتزاما بما جاء في الأسطورتين السابقتين، يعتبر إشعال النيران ليلة 20 و21 من شهر مارس / آذار، خاصة في أعالي القمم أو التلال المحيطة بالأماكن السكنية، رمزا للخلاص من الظلم والشر لدى الأكراد. وبخلاف هذه الروايات والأساطير، تربط بعض المصادر الكردية بين عيد "نوروز" وبداية فصل الربيع أو موعد الاعتدال الربيعي في ال 21 من شهر مارس / آذار، فيما تشير بعض الروايات إلى تزامن المناسبتين الربيع والخلاص من الملك "زوهاك" في الأسطورة التي سبق الحديث عنها. أما بالنسبة للتسمية، فهي مركبة من كلمتين كرديتين، الأولى "نو"، وتعني الجديد، والثانية "روز" أو "روج" وتعني اليوم، وبالتالي تعني كلمة نوروز بشقيها (اليوم الجديد)، وهو أيضاً أول يوم من رأس السنة الكردية، أيضا، بحسب تقويم معتمد منذ القرن السابع الميلادي. ويتم الاحتفال بعيد "نوروز" عادة، بمراسم احتفالية في مدن وقرى إقليم شمال العراق، حيث يتم تعطيل الدوام الرسمي لمدة 3 أيام، وفي ليلة 20 و21 من مارس/ آذار، يتم اشعال النيران أعالي المرتفعات القريبة من المجمعات السكنية بالتزامن مع الرقصات الفلكورية. وليست هناك أية تحضيرات رسمية للاحتفال بعيد "نوروز" هذا العام في الإقليم، ورغم عدم الإعلان عن السبب من قيادة الإقليم، يرجح أن يكون بسبب الوضع الأمني والصراع الدائر منذ أشهر بين قوات جيش الإقليم (البيشمركة) وتنظيم "داعش" في العديد من المناطق شمال العراق وسقوط نحو ألف قتيل من البيشمركة حتى اليوم، حسب الأرقام الرسمية المعلنة. أما في سوريا فبعد أن كان الاحتفال ب"نوروز" خلال العقود الماضية "محرماً" من قبل سلطات النظام السوري، ويقام بشكل محدود بعيداً عن أعين تلك السلطات وبتحضيرات معقدة، يستطيع الأكراد هذا العام إحياء هذا العيد دون قيود، حسب كاتب كردي سوري. وقال الكاتب الكردي السوري إدريس برازي، إن لعيد نوروز خصوصية عند الأكراد بالذات، فهو عيد يختلف عن كل الأعياد الدينية والحزبية الأخرى، إذ يعد الاحتفال به شكلاً من أشكال الحفاظ على تاريخ وجذور القومية الكردية. وفي حديثه مع وكالة "الأناضول"، أوضح برازي أنه "طوال سنوات حكم حزب البعث لسوريا (منذ عام 1963)، كان الاحتفال بنوروز ممنوعا كون حقوق الأكراد في سوريا كانت غير معترف بها، وفي عام 1986 سقط شهيد نوروز سليمان آدي أثناء تظاهرة للأكراد في دمشق احتجاجا على منع السلطات الاحتفال بالعيد". وتابع قائلاً: "في كل عيد كانت القبضة الأمنية تشتد تعسفا وبطشا لتعتقل النشطاء العاملين على فعاليات هذا العيد، ولسنين طويلة كانت السرية تكتسي مكان وبرامج الاحتفال". وأوضح "لغاية ليلة العيد لم يكن أحد يعرف نقطة التقاء الجماهير إلا قلة قليلة من المنظمين، خوفاً من رصدها من قبل السلطات واعتقال المشاركين، فيتم الاجتماع في مناطق مختلفة على شكل مجموعات صغيرة والتوجه إلى مكان الاحتفال الذي يكون عادة في منطقة زراعية أو في البراري". واستدرك قائلاً "رغم كل الاعتقالات التي كانت تحصل قبل وبعد يوم العيد كانت العزيمة قوية والاندفاع أكثر ونشوة النصر تخيم على المناضلين والجماهير جميعا". واستطرد برازي: "بعد أن أصبحت مناطق روج آفا (المناطق الكردية شمال وشمال شرقي سوريا) خارج سيطرة النظام، أصبحنا أسياد انفسنا في ظل إدارتنا الذاتية، ونوروز هذا العام هو نوروز نشوة الانتصار على أعداء الحرية والمرأة والأخوة والديمقراطية، ونأمل أن يكون نوروز هذا العام مدخلا لزيادة اللحمة الوطنية والتآخي وأخوة الشعوب بين المكونات الأساسية في المنطقة من أكراد وعرب وتركمان وآشوريين وسريان وكلدان".