تحدث الكاتب السعودى يوسف المحيمد عن تجربته الروائية ، فى شهادته بعنوان : " فى مختبرى : على ألا أترك أثرا خلفى " ، مشيرا إلى أنه منذ أول رواية خطها (لغط موتى – 1996) و حتى آخر رواية (غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة – 2015) ، يراوده الحلم بشكل روائى جديد ، و الايقاع بالقارئ فى فخا سرديا جديدا ، المحيمد مغرم بشكل السرد حتى أنه قد يستغرق أعواما لاختيار الشكل الذى يريده لروايته ، حتى أن السرد يأخذه مما خطه فى باله من أفكار لرواياته لطرقا جديدة . جاء ذلك خلال ملتقى الرواية العربية بالأوبرا ، و أكد المحيمد فى حديثه أنه ينحاز للكتابة الحرة ، و يحب الإطلاع على تجارب الكتاب و طقوسهم فى الكتابة ، ليطمئن على أخوته ببيت الرواية الكبير ، و قد يغضب حينا حينما يفكر فى شكلا سرديا جديدا و يؤجله لأنه لا يناسب العمل ، و يجد كاتب آخر نفذه ، و لكن ليس بالطريقة التى حلم بها . و قال المحيمد أن فى روايته " لغط موتى " المكتوبة بضمير المتكلم، عن روائي مبتدئ يتحدث عن فشله كلما حاول أن يكتب روايته الأولى، نظرًا إلى محاصرة الشخصيات له في أثناء الكتابة، ليس الأحياء فحسب، وإنما حتى الأموات الذين يشاكسونه كلما حاول أن يكتب سيرة أحدهم؛ كنت وقعت في غواية الفكرة بحد ذاتها، ولم أستغرق طويلاً في الشكل المستخدم، فقط جعلت خيط السرد ينساب، ويزيغ أحيانًا، حتى نجحت إلى حد ما في خديعة القارئ، وقد أوهمته بأن النص بين يديه هو مجرَّد مقدمة للرواية، ولكن في العمل التالي، أدركت بأنه لا بد من الدخول في لعبة الشكل، والتقنيات الروائية الجديدة، بمغامرة أكبر، فجاءت (فخاخ الرائحة – 2003) بثلاث شخصيات مختلفة، يبدأ السرد متشظيًا، يحتفي بكل شخصية على حدة، ثم يجمعها المكان في لحظة زمنية ما، لتعود الأحداث من جديد، متنافرة في مسارات سردية مختلفة. أما عن روايته "غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة" ، قال : حاولت توظيف العلاقة الحميمة بين الشاب والسينما، في تقطيع سردي، يتفاوت بين الواقع والمتخيَّل، بين المرئي في تاريخ السينما، والمتخيل في أفلام لم يتم تنفيذها بعد، أو ربما ما يحلم هو بتنفيذه، ومن جهة أخرى، وعلى النقيض تمامًا، ترفض الفتاة تسميتها بشاعرة، فهي مجرَّد قارئة، شغوف برسول حمزاتوف، تؤمن بالحكمة والفلسفة والشعر، وتدوّن مشاعرها وأحلامها الصغيرة. و تابع : من هنا، أدلف إلى مكتبتي كما لو كنت أدخل معملاً أو مختبرًا، قد تفشل التجربة، وأرمي بها فورًا في سلَّة النفايات، أو قد تنجح الكتابة، فلا أجعل القارئ يرى منها سوى النتيجة النهائية، لذلك مهمتي الكبرى تتمثل في إتلاف العبارات غير الناضجة، عليَّ ألا أترك أثرًا خلفي، وأن أتلف طريقي المتعثّر إلى النص، مكتفيًا بالنص ذاته . من هنا، أحب أن أتعامل مع طاولة الكتابة، التي تصير أحيانًا مختبرًا، كبيت صغير أعرفه جيدًا، فكلما شعرت أن هذا البيت أصبح ورقًا، هدمته وأعدت بناءه من جديد، كي يعود بشخصياته ووقائعه إلى الحياة، صحيح أن التقنيات السردية تؤثر كثيرًا في بناء الشخصية، وصناعة الحدث، لكن تركها تشرد أحيانًا، تتشقلب، وتركض وتلهث وتتلفت، هو ما يحفز على ابتكار التقنية المناسبة ، كلّ شيء في الحياة قابل لأن يُروى، ولكن هذا يعتمد على قدرة الروائي،وهذا ما حاولت سرده في روايتي الأخيرة "غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة" بأن معظم اللحظات قابلة للسرد، لكن كيف ننظر نحوها، وننصت إليها، ونتحسسها، وندخلها في معمل الذاكرة، ثم معمل المخيّلة المفتوح، وأخيرًا معمل الكلمات المنسوجة بخيوط من حرير، حتى تتناسل منها حيوات كثيرة وباذخة.