مصر حاضنة ثقافية رائدة وتجاوزها للانتكاسات محتم تراث التسامح الديني سينتصر على المتطرفين الديمقراطية منجز إنساني يحقق عدالة مشاركة كل التيارات المرأة "حبيبتي" وهي مستقبل العالم .. تجاهل الأدب المغربي بالشرق ظاهرة مؤسفة "الشمس لا تقدر على رؤيتها الا و أنت تشيعها إلى مثواها فى البحرأو خلف المرتفعات , وكذلك شأن الحياة " حكمة يصوغها الروائي والشاعر ووزير الثقافة المغربي السابق بن سالم حميش، والذي ترجمت أعماله للغات عدة، وكتب في مختلف الفنون السردية باللغتين العربية والفرنسية . وقد عرف برواياته التي تستعيد ماضي علامات الفلسفة المغربية لتشتبك بالواقع المعاش، كما وصلت روايته "معذبتي" التي تندرج بأدب السجون للائحة البوكر . يشتغل الأديب على حقل الفلسفة، وكتب بن حميش عن الحاكم بأمر الله الفاطمي برائعته "مجنون الحكم" ، وتبحر مع بن خلدون في "هذا الأندلسي" . وحازت أعماله جوائز بارزة منها جائزة نجيب محفوظ للأدب العربي وجائزة أطلس عن السفارة المغربية . على هامش مشاركته بملتقى الرواية العربية السادس بالقاهرة ، التقته شبكة الإعلام العربي "محيط" في حديث قصير حول منجزه الإبداعي والفكري، ورؤيته لانعكاسات الربيع العربي . سألناه : كيف تنظر لملتقى يتبادل الروائيون خلاله رؤاهم وشهاداتهم على أرض القاهرة ؟ - مصر بلد تأسس فيه جنس الرواية الأدبية عربيا، ولها دور ريادي إبداعيا وفكريا على العالم العربي، وبها عمق حضاري وثقافي نسعد به ككتاب عرب، ولعل الملتقى إشارة لحفاوة المثقفين العرب بهذا البلد ، وتفاؤلهم بقدرته على اجتياز المحن التي شهدتها مصر والتي تعد امتدادا لسياقات اجتماعية وسياسية ابتلي بها العالم العربي ككل. محيط : هل استطاع الفكر الوسطي والذي يميل لروح التصوف أحيانا، حماية بلدان عربية من نزعات التطرف السائدة؟ - بالطبع، في مصر مدرسة الأزهر الرائدة ومدارس الصوفية العريقة، وفي المغرب كذلك هناك تراث ضارب بجذور التاريخ لآباء التصوف العربي ودورهم بنشر التسامح ونبذ العنف ومعرفة جوهر الدين وهو المحبة . محيط : تستلهم كتاباتك أدوار كبار الفلاسفة الإسلاميين كابن خلدون والجاحظ والتوحيدي وبن رشد.. هل كان هذا مؤشر على الحاجة للعودة لهذا التراث برؤية معاصرة ؟ - نعم فالتراث الإسلامي الحضاري مشترك بين كافة الأطياف المتصارعة اليوم، والعودة إلى نظرته المتسامحة ينجينا من العنف الذي هو فعل يجافي أي فعل ثقافي نأمل بنشره . فالثقافة هي الحوار لا الإقصاء ولا الترهيب ، ولابد أن نتفق على المشترك القيمي والحضاري الذي وصلت به الأمم المتقدمة لما هي عليه الآن، مثل القيم الديمقراطية التي تعوق الاستبداد بالحكم، وهذا بالمناسبة يخدم أيضا ذوي المرجعية الدينية لأنه يمكنهم عبر آليات محددة من صنع القرار تشريعيا وتنفيذيا أيضا ، إذا ما اكتسبوا ثقة الشارع بهم وليس باستخدامهم لشعارات دينية كتكئة للوصول للسلطة وأنا لا أحب أن يقولوا عن أنفسهم "إسلاميون" فكلنا مسلمون. وفي كتابي عن شوق بن رشد للمعرفة، ورغم الانتقادات التي وجهت إليه بخصوص موقفه من الشعر او تأويله للقرآن بشكل أحادي أحيانا، ولكنه قدم منتجا وافرا ملما بالنظرة الفلسفية المتعانقة مع أفكار أفلاطون والمحكومة كذلك بالشريعة ومقتضيات التفكير العقلاني . محيط : هل يمكن أن يبعث هذا الفهم على تدارك آثار العنف السائدة ؟ - إن ما شهدناه كان ربيعا مأملا عليه بالعالم العربي لكنه تحول لخريف بفعل موجات العنف التي تأكل اليابس والأخضر وتسعى لهدم التراث والثقافة وهدر الإنسانية ذاتها بأفعال وحشية ، وعادة ما تصاحب الثورات هذه الموجات ، والحل في ذيوع الفكر الديمقراطي المستنير . وأنا متفائل تماما بأن هذه الانزياحات سيكون مصيرها الفشل قريبا بكل العالم العربي . محيط : لك اهتمام كبير بالمرأة في رواياتك وآخرها "من ذكر وأنثى" وسابقا في "معذبتي" و"امرأة أعمال" .. فما موقع المرأة بحياتك ؟ - المرأة حبيبتي وأمي وخليلتي وابنتي، هي كل شيء بحياة الإنسان . ولديك مثلا روايتي الأخيرة تنطلق من سورة الليل «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى» وبها انعكاس يحمل الشجن لفقد المرأة بحياة البطل، والتي تمثلت في فقد الزوجة والابنة في حادث سير، وعبر محللة نفسية يكتشف حقيقة مقولات القرآن والفلاسفة كماوتسى تونج «النساء يرفعن نصف أعمدة السماء» وأراجون "المرأة مستقبل الرجل" . ويتعرض البطل لشجون المدينة من أطفال شوارع وحالة جنون ديني فارغ ومص دماء الغلابة من قبل السماسرة . وفي "معذبتي" يحكي البطل قصته القاسية مع الاعتقال لخمس سنوات دون ذنب، ووحشية التعذيب خلال ذلك، وكيفية الخلاص من كل هذا العذاب بمساعدة امرأة . أما بروايتي "امرأة أعمال" فقد شعر القراء بأن فيها صورة حية عن المجتمع المغربي بطبقاته المختلفة، أما البطلة فهي سيدة أعمال أربعينية تبحث عن رجل يؤمن احتياجاتها النفسية والمادية، ونرى التناقض في شخصيتها فهي تغوي الرجال ولكنها لا تتجاوز رغباتها ، وتتنقل بين رجال أعمال ومناضلين يساريين، لتكتشف سراب كل ذلك، وتنحو بجهة تقرير مصيرها بشكل أنضج . .. بقي أن نعرف أن حميش يعد الاهتمام بالأندلس فرض عين على كل كاتب عربي، ليعرف كيف فُتحت تلك البلاد ثم سقطت على نحو درامي مفجع بعد ثمانمائة عام بلغت فيها ذروة التقدم والمدنيّة.لهذا فهو يسعد بمصاحبة العلامة ابن خلدون وبن بطوطة في رحلاتهما من بلاد المغرب إلى مصر والشام، ويصاحب المتصوف عبد الحق بن سبعين الذي كان أول داع للتخلص من الإرث الأرسطي وطورد من السلطان. أما اللغة، فيؤكد حميش في شهادته بالقاهرة أنها كل شيء بالنسبة للمبدع، فرواية ضحلة اللغة ليست برواية. ويأسف حميش لتجاهل المشارقة لأعلام الفلسفة والإبداع المغربي، برغم أن أغلبه مكتوب باللغة العربية، وهو ما كتب عنه عدد من الكتاب المصريين مؤخرا والذين أشادوا بالمنجز الإبداعي المغربي ومنجز حميش ، ومع ذلك لا يجد ذيوعا بالعواصم العربية . حاليا يهتم بنسالم حميش بمنجز كبير لفلاسفة المغرب ويدمجه بإطار مناسب لحل معضلات عصرية ، وهو كما أخبرنا قد أصدر "في الإسلام الثقافي" ويندرج تحت الرؤية ذاتها للدين بعيون فلسفية.