ثلاثة أسابيع فقط مضت على وصول أحمد الجميلي (36 سنة) من العراق إلى دالاس في الولاياتالمتحدة الأميركية، كان الشوق يحرضه لمشاهدة الثلج للمرة الأولى في الولاياتالمتحدة، وبينما هو يصوّر مشهد الثلج المتساقط قرب منزله الأميركي، أطلق عليه أحدهم النار، ليموت بعد وقت قصير من اختراق الرصاصة صدره وهو كان آمنا مطمئنا لا يعرف أن تلك المشاهد الساحرة آخر لحظة في حياته. هذه القصة القصيرة الحزينة، مجدداً، لم تغرِ الإعلام الأميركي، وإن كانت الصحف والقنوات قد حاولت استدراك سقطتها المدوية في تغطية جريمة "شابيل هيل" العنصرية. ابتعدت الشبكتان الأكبر في أميركا " أيه بي سي" و"سي إن إن" عن الجزم في أسباب الجريمة، لكنهما طرحتا علامات استفهام حول إمكانية أن تكون الجريمة "عنصرية"، وتجاهلت ذلك الخبر شبكة "فوكس نيوز" على عكس ما حصل لدهس مواطن مغتصب إسرائيلي يوم السبت المنصرم، والتي خصصت مساحات واسعة لشرح ما اعتبرته الإرهاب على ما أسمتهم "مواطني إسرائيل" الأبرياء. غياب إعلامي أما الصحف، فبدت تغطيتها أيضاً متفاوتة: "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" غابتا عن الحدث. أما "لوس أنجلس تايمز" فكانت أول من أشار إلى إمكانية أن تكون الجريمة جريمة كراهية. لكن ما بات ينصف المسلمين هو شبكات التواصل الاجتماعي التي ساهمت كثيرا في الضغط على مكتب التحقيقات الفيدرالية أن يعمل على إجراء تحقيق موسع في مقتل الثلاثة المسلمين العرب في ما بات يعرف حادثة " تشابل هيل" قرب جامعة كارولينا، لكن دون تحقيق تقدم يذكر حول تلك الحادثة. تكرر الغضب هذه المرة أيضا بعد مقتل "الجميلي" على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر العديد من المدونين عن استيائهم بسبب عودة موجة "الإسلاموفوبيا" إلى الولاياتالمتحدة بشكل دموي، ثم بسبب تجاهل وسائل الإعلام للجريمة. فكتب أحد المغردين "لو كان أحمد الجميلي رجلاً أبيض (أي غربي) لكنا شاهدنا التفجع في وسائل الإعلام". فيما كتبت مغردة أخرى: "الإعلام لم يتعلم من درس شابيل هيل. لا قيمة لدماء المسلمين هنا". وتصدر وسم (هاشتاج) "#MuslimLivesMatters" موقع تويتر، بما معناه "حياة المسلمين ليست رخيصة". وذلك يقابل الوسم الذي انتشر على خلفية احتجاجات فيرغسون "#BlackLivesMatters" (حياة السود ليست رخيصة). ما يشكل إشارة مباشرة بأن الجريمة تصب في خانة "العنصرية" الموجهة ضد المسلمين. وكذلك انتشر وسم "chapelhillshooting" على غرار الوسم "CharlieHebdo" الذي انتشر على خلفية أحداث صحيفة شارلي ايبدو، بإشارة على أن الجريمة المرتكبة بحق المسلمين الثلاثة في تشابل هيل "إرهاب" أيضاً. وانتشرت تغريدات عدة تقارن الحدثين وتتساءل عن الملايين الذين تضامنوا مع ضحايا شارلي ايبدو ولم تتضامن مع جريمة قتل المسلمين. وعادة ما يتعاملُ الإعلامُ الغربي، بازدواجية عندما يتناول الأحداث الآنية في العالمِ، فيما يخص الإسلام والمسلمين والعالم العربي، فهناك حوادث يكون لها صدىً إعلامِي أكثر مما ينبغي ك"حادثة شارلي أيبدو" أو مقتل يهودي مغتصب العرض، وأخرى يكون لها قدر التجاهل بالرغم من أهميتها حسب الوقت والمكان. حملات ممنهجة اعتبرت الكاتبة "صبرية برفير" وهي مسلمة بريطانية، أن عدم تغطية الإعلام للأحداث التي يكون ضحاياها عرب يرجع لكون الضحايا مسلمين. وأشارت في مقال لها نشرته في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن المسلمين في العالم لم يعودوا آمنين في بيوتهم نتيجة للتمييز العنصري والحملات الممنهجة من قبل "الإسلاموفوبيا" وأعداء الإسلام. الإسلاموفوبيا هو مصطلح ظهر حديثا في المجتمعات الغربية معناه هو التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم أو من الجماعات العرقية التي ينظر لها على أنها إسلامية. ويشير المصطلح المثير للجدل إلى الممارسات المتعلقة بالإجحاف أو التفرقة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، ويُعَرفه البعض على أنه تحيز ضد المسلمين أو شيطنة للمسلمين. معايير مزدوجة من جانبه، وصف الخبير العراقي في الشؤون السياسية صباح الشيخ، الإعلام الغربي بأنه "ينتهج سياسية المعايير المزدوجة تجاه القضايا التي تخص الدول الأخرى وخاصة ما تطلق عليه دول الشرق، انطلاقا من دوافع وأسباب سياسية تخدم المصالح الغربية". وقال في حديث نشرته وكالة "شينخوا" الصينية، إن الإعلام الغربي يتبع سياسية المعايير المزدوجة في التعامل مع القضايا والموضوعات التي تحصل في الدول والمناطق خارج العالم الغربي، "فنلاحظه ينتقد قضايا حقوق الإنسان في الدول الأخرى لكنه يلزم الصمت تجاه ما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان على أيدي القوات الغربية التي تحتل بعض الدول، وما جرى في العراق من انتهاكات لحقوق البشر على أيدي القوات الأمريكية في العراق خير دليل على ذلك". وأضاف الشيخ "إن اغلب الدول الغربية التي تدعي أنها أساس الحريات الصحفية والإعلامية وحرية التعبير عن الرأي، تنتهك هذه المضامين وتتعدى عليها بأسلوب خاص تتجاهل فيه حقوق الدول الأخرى ومواطنيها، وكأن هذه الدول وسكانها ليس بنفس الدرجة التي يتمتع بها الغربيون". وأوضح الشيخ أن الإعلام الغربي لديه خطوط حمراء فيما يخص المصالح الغربية ويعتبر هذه قضايا تهم تلك الدول ولا يجوز التطرق لها، أما فيما يخص بقية دول العالم فإن الإعلام الغربي يعتبر ذلك بأنه حرية إبداء الرأي، مبينا أن هناك قضايا تخص العالم الغربي يتجاهلها الإعلام الغربي، في حين أن نفس هذه القضايا لو حصلت في دول العالم الأخرى فان وسائل الإعلام الغربية تثير حولها زوبعة كبيرة. نشر الكراهية وبدوره، انتقد مستشار مفتي جمهورية مصر العربية إبراهيم نجم، صمت الإعلام الأمريكي عن كل الجرائم التي اعتبرها عنصرية، معتبرا أن ذلك يشير إلى ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا العرب والمسلمين. وقال في مقابلة نشرتها شبكة "إن بي آر"، الأمريكية: "عندما يكون الضحايا من المسلمين أو العرب لا يتحرك الإعلام مثلما يتحرك إذا كان الضحايا من غير المسلمين، هذه الازدواجية تعطي انطباعًا بأن الدم المسلم أرخص من غيره". وأوضح نجم أنَّ هذه الموجات من الكراهية السوداء تسعى لنشر الكراهية والاضطهاد ضد الجاليات المسلمة في أمريكا، ما يخلق حالةً من العداء بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد، ما لا يصب في مصلحة الشعوب في المقام الأول وينشر التطرف والعنصرية العمياء، على حد قوله.