فياض : كازينو الجزيرة كتبت فيه أفضل أعمالى ..وحزنت لهدمه كأنه بيتى الأدب لن يستعيد عافيته حتى لو وقعت " حرب عالمية ثالثة " وزع فياض أول مجموعاته القصصية بنفسه على " مقاهى المثقفين " " أصوات " الرواية اللعنة .. و " أيام مجاور" سيرة ذاتية نظام الخلافة انتهى .. وعلى المسلمين أن يبحثوا عن خيارات جديدة عبد الناصر يكفيه " السد العالى "..و السادات " الحاكم الظريف " مبارك " مستبد سلبى " .. والأخوان " داهية " ..وعلى السيسى البعد عن الاستبداد " كنت أتمنى لو كان عندي المزيد من الجهد لأكتب مزيدا من القصص الجميلة التي تراودني أفكارها والتي أحلم بها كل ليلة ، ولكن مرضى وضعف بصرى يعوقاني ، كما أن المعاجم التي أعمل عليها تأخذ كل وقتي ، أما حلمي الشخصي الآن فهو أن أودع ربى على غفلة دون ألم فلا أريد أن أشعر بألم وقت الوفاة" كانت هذه آخر أمنيات الراحل الكاتب الكبير سليمان فياض فى آخر حوار أجرى معه . رحل الكاتب الكبير سليمان فياض ، ظهر اليوم الخميس عن عمر يناهز 87 عامًا إثر أزمة صحية، بعد أن أثرى الحياة الثقافية بالعديد من أعماله الأدبية والموسعات الثقافية، ومن المقرر إقامة العزاء بمسجد الحامدية الشاذلية يوم الأحد المقبل. ولد فياض فى السنبلاوين الدقهلية عام 1929 ، وتخرج من الأزهر الشريف عام 1956، وأصدر عدة كتب تتناول موضوعات في الثقافة الإسلامية إلى جانب رواياته وقصصه القصيرة ومذكراته، وعمله في الصحافة والموسوعات اللغوية، كما كتب للأطفال أكثر من 78 عنوانًا عن العلماء العرب للأطفال، وله كتب في علوم اللغة ، و من أعماله الهامة : رواية " أصوات " ،و كتاب " النميمة : نبلاء وأوباش " ، و كتاب " الوجه الآخر للخلافة الإسلامية " . فياض واحد من الذين أخلصوا لفن القصة القصيرة، وتمكن من أن يشيد به عالماً فنياً وإنسانياً متكاملاً، أثرى به طاقة هذا الفن على التعبير عن قضايا الواقع وهموم الإنسان العربي، ما جعله من البارزين بين كتاب هذا الفن ، و كان له إسهاماته الفكرية فى التاريخ و الثقافة الإسلامية و رصد سير أعلام العرب كابن الهيثم و ابن بطوطة و ابن رشد ، و فياض واحد من أهم "شيوخ الحكائين " ، و لقبه المثقفون ب " سليمان الحكيم " . حصل الأديب علي عدة جوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1970 من المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية عن مجموعته القصصية الثانية : "وبعدنا الطوفان"، وجائزة الشاعر سلطان العويس من الإمارات العربية المتحدة عام 1994 فى حقل القصة، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002. الأدب الواقعى قال فياض فى أحد حواراته : أنا كاتب صاحب رسالة اجتماعية وتربيت على الأدب الواقعي وعشقته دون سائر أشكال الأدب الأخرى من خواطر إنسانية أو رومانسية أو واقعية اشتراكية ، فكل هذه الأنواع لم تعنني ولكن ما كان يشغلني هو تعلم الأدب القصصي الواقعي والذى وقفت على ضروبه من أساتذتى نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس، مع أن الأخير أصغر مني سنا ولكنى تعلمت منه الكثير ، ولقد حرصت على قراءة أعمالهم كاملة على مدار عشر سنوات وتلك المدة هي التي أهلتني لكتابة أول رواية على الطريق الجديد للأدب الواقعي وهى رواية " امرأة وحيدة " . لكل كاتب مكان خاص به ، يهوى فيه الكتابة و ترتبط به روحه ، كان هذا المكان لفياض هو " كازينو الجزيرة " الذى ألف فيه معظم أعماله ، و عشقه لدرجة كبيرة حيث تمنى أن يدفن فيه ، و حزن كثيرا لدرجة البكاء لقرار المحافظ بهدمه ،قائلا : " شعرت وقتها بأن بيتي الشخصي هو الذى يهدم ، فهذا المكان له في نفسي مشاعر وذكريات محفورة في داخلي ، و كتبت به أفضل قصصي وأقربها إلى قلبي وهى: أصوات والقرين ولا أحد، والطائف مدينة جميلة " . و صور فياض المثقفين باتجاهاتهم السياسية و الفكرية كافة ب " الساقية " ، هذه الساقية يفترض أنها ترفع الماء من بئر مياه أخذت من نهر كبير هو المجتمع ، . والمفروض أن هذه المياه المرفوعة من البئر تصب في حوض لتمر عبر قناة لتصل إلى الأرض، لكن المياه لا تصل لأن القناة مسدودة وبالتالي فهي ترجع إلى البئر ثانية ، هذه الصورة تصف حال المثقفين في العالم العربي عموماً، الميزان مختل في الثقافة مثلما هو مختل في الاقتصاد والسياسة وغيرهما. لا يملك الكاتب إلا أن يكتب، قد يصيبه الإحباط ، لكن هذا الإحباط يتراجع فوراً بمجرد أن توجد لديه تجربة جديدة يرغب في خوض غمارها ، و الأدب عموماً لن يستعيد عافيته إلا مع انبثاق روح الانتماء والحلم القومي من جديد، حتى ولو وقعت حرب عالمية ثالثة. عطشان يا صبايا كتب فياض أول مجموعاته القصصية "عطشان يا صبايا" عام 1961 ، و قال عنها نصحنى يوسف إدريس أن انتقي قصصها بعناية شديدة لأنها ستظل مرآتى طوال مشوارى الأدبي " . و قدم فياض المجموعة لمجلة " المجلة " ، و لكن رفض الناقد أنور المعداوى نشرها لأنها لم تعجبه ، فقام فياض بنشرها على نفقته الخاصة ، و قام بطبع ألف نسخة ، بلغ ثمنهم فى هذا الوقت 80 جنيهاً ، و لكن واجهته عقبة جديدة بعد أن رفضت صحف الأهرام و الأخبار و الجمهورية توزيعها ، بحجة أن الكتاب يجب ان يكون فى ألفى نسخة . فقام فياض بتوزيعها بنفسه فى مقهى " الأوبرا " حيث كان يجلس نجيب محفوظ ، وعلي أحمد باكثير ، وسعد مكاوي ، وعبد الرحمن الشرقاوي وعلي الكامل ، ليوزع بذلك 400 نسخة على مقاهى المثقفين ، ووزع بقية النسخ عن طريق " الجمعية الأدبية المصرية " . و في تلك الفترة كانت هناك ثلاث مجموعات قصصية أثارت ضجة في مصر وهي: "أرخص ليالي " ليوسف إدريس، " حيطان عالية " لإدوار الخراط ، و " عطشان يا صبايا " لفياض . أصوات " أصوات " كانت من أشهر أعمال سليمان فياض ، كما كانت أيضا " لعنته " ، فقال عنها : " كان عمنا يحيى حقى يضيق نفسا بأسئلة الصحفيين، وكتابات النقاد عن روايته القصيرة "قنديل أم هاشم" ، يضيق بإلحاحهم المستمر على هذه الرواية ويقول لأصدقائه: لدى أعمال قصصية أخرى لا يقل مستواها وقيمتها عن القنديل. فلم التوقف عندها. وكأننى لم أكتب سواها؟" وتابع سليمان : " الضيق نفسه عانيته، وأعانيه، منذ صدور روايتى أصوات ، فلى أعمال قصصية أخرى، تالية لأصوات، لا تقل عنها شأنا وقيمة " . الرواية تتعرض لموضوع جدلى وهو صدام الحضارات، وتفجر قضية مهمة، وهى مسألة " الختان" الذى كان وقتها غير مطروح على ساحة النقاش ، و الرواية مبنية على قصة حقيقية عايشها فياض بنفسه عندما كان فى زيارة صديق يقطن في قرية في دلتا النيل، ومن هنا عايش واقعة إخضاع سيدة أوروبية التي كانت تزور مع زوجها القرية نفسها، لعملية ختان قسرية على أيدي نسائها. و قال فياض : الجديد هو أنني أتيت بالغرب إلى الشرق، ولا شك عندي إلى اليوم في أن نساء تلك القرية كن يثأرن لأنفسهن من الختان الذي خضعن له في طفولتهن. أيام مجاور سيرة ذاتية " أنا أقرأ عالمي وأحاول أن افهمه وأحاول أن اصنع من قصصه التي قد يراها البعض قصصاً عادية موضوعاً روائياً " كان هذا تعليق فياض على سيرته الذاتية بروايته " أيام مجاور" عن فترة حياته بأروقة جامعة الأزهر . و قال فياض عن تلك الفترة : " هذه الفترة اعتبرها من أخصب الفترات في حياتي ، سبع سنوات من المعاناة النفسية والجسدية والروحية، بدأت بالتحرر من سطوة الأب والانخراط في مجتمع أزهري يعاني الازدواجية الشديدة، فأنت تعيش في زمن وتتلقى ثقافة وهوية زمن آخر " . وواصل : كتبت " أيام مجاور" وأنا عمري 81 عاماً، في شهرين إضافة إلى الفترة الزمنية التي استغرقتها في المراجعات وتدقيق التفاصيل وكانت حوالى أربعة أشهر ، و " أيام مجاور" هي سيرة حياة وإذا حذفت منها الزوائد فقدت حيويتها وصدقها .. أنا قاص حتى وأنا اكتب سيرتي . الوجه الآخر للخلافة طغتْ شهرة الإبداع الروائى والقصصى على جانب آخر من إبداع سليمان فياض ، أى دراساته حول التاريخ العربى والإسلامى ، ومن بين هذه الدراسات كتابه "الوجه الآخر للخلافة الإسلامية" . و رأى سليمان فياض أن الخلافة الإسلامية منذ العصر الأموي في القرن الأول الهجري حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية في عشرينيات القرن الماضي استخدمت الدين قناعا "لإخضاع البلاد والعباد" بما أساء إلى مقاصد الإسلام ، ليطلق عليها وصف "خلافات القهر الإمبراطورية" . وخلص فياض "إن نظام الخلافة لا ينبغي للمسلمين أن يعودوا إليه مرة أخرى فهو نظام فرضته العصور الوسطى وكان طبيعيا أن يوجد في تلك العصور ... لم يكن ممكنا في تلك العصور سوى هذا التصور لنظام الحكم الإسلامي." شاهد على العصر قال فياض أننا مازلنا لم نخرج من مرحلة الصراع التى تعقب الثورات ، و عن رؤساء مصر قال : أن جمال عبد الناصر يكفى فى حقه أنه انشأ مشروع السد العالي ، وهو من أعظم المشاريع في تاريخ مصر. وعن عهد السادات وصفه ب " الحاكم الظريف " وله أقوال طريفة في خطبه ، كقوله إنه " آخر الفراعنة " معقبا أنه كان كذلك بالفعل ، و كذلك قوله أن " الديمقراطية لها أنياب " ، و حديثه عن الانفتاح الاقتصادي و قوله بإن الذين لن يتمكنوا من تحقيق الثراء في هذا العهد لن يتمكنوا من تحقيقه فيما بعد ، واصفا ذلك بدعوى صريحة للنهب و السرقة ، متسائلا : هل هذا تفكير رئيس دولة ؟ أما عن حرب أكتوبر ، فقال أن خطتها وضعها عبد الناصر والفريق عبد المنعم رياض والفريق محمد فوزى ، و فضل السادات في حرب 73 يعود إلى اتخاذه قرار بدء الحرب ، كما أنه قام بعملية خداع هائلة واختار لحظة اتجاه الرياح التي ساعدته في تعطيل سرعة الصواريخ ، وتلك الأشياء هي التي تحمد للسادات فقط ،وأي حاكم ليس كل تاريخه أخطاء أو حسنات . و قال عن مبارك أن دوره كقائد للطيران فى حرب أكتوبر لا ينكره أحد ، و لكن المنافقون حوله ، أوعزوا له أنه " ربهم " وأن بيده كل الأمور مما جعله يتحول إلى مستبد ، ووصفه بأنه " مستبد سلبى " و ليس " مستبد بناء " ليحيلنا إلى الركود . و عن حكم الأخوان قال : " لو استمروا .. كانت البلد هتروح فى داهية " ، بينما دعا السيسى لأن يكون بناء لمصر ويبتعد عن صفات الاستبداد . يذكر أن من أعماله فى المجموعات القصصية ، منها (وفاة عامل مطبعة) و (عطشان يا صبايا) و(وبعدنا الطوفان) وأصدر عدة روايات ، أشهرها ( أصوات ) ورواية (لا أحد) ورواية (القرين) وكتب سيرته الذاتية البديعة بعنوان (أيام مجاور) عن تجربته مع الأزهر. وكتابه الشيق (النميمة : نبلاء وأوباش) الذى تناول فيه بعض رموز الثقافة المصرية ، وأعطى لكل من تناوله حقه إذا كان من (النبلاء) وانتقد كل من يستحق النقد (إذا كان من الأوباش) بأسلوب مهذب ودون أن يذكر الاسم واكتفى بالحروف الأولى . هذا بخلاف اسهاماته فى مجالات مُتعددة ومتُنوعة. لفياض سلسلة كتب عن سير أعلام العرب ومنهم (ابن النفيس) و(ابن الهيثم) و(ابن بطوطة) و(ابن سينا) و(الفارابي) و(الخوارزمي) و(ابن رشد) و(الإدريسي) و(الدميري) وله في مجال علم اللغة (معجم الأفعال العربية المعاصرة) و(الدليل اللغوي) و(أنظمة تصريف الأفعال العربية) و(الأفعال العربية الشاذة). ونال جائزة سلطان العويس من الإمارات عام 1994.