يناقش فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في حديثه الأسبوعي غدا الجمعة على الفضائية المصرية، بعض المفاهيم الملتبسة على بعض المسلمين، والتي يتخذها التكفيريون ذريعةً لارتكاب أعمال العنف والإرهاب، ومنها مفهوم الحاكمية. ويفند شيخ الأزهر قول التكفريين بأنه "لا حكم إلا لله، وأن المجتمع الذي يحكم فيه الناس مجتمع كافر يجب مواجهته"، ودعاوى أن المجتمعات الإسلامية التي تأخذ بالقوانين والمجالس التشريعية تعد كافرة، ويؤكد أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع يأتي بعد القرآن والسنة. كما يشرح فضيلة الإمام الأكبر مفهوم الحاكمية، قائلا "الحاكم هو الله تعالى الذي يقول هذا حلال فافعلوه، وهذا حرام فلا تفعلوه، وفي هذا تحرر كامل من عبودية الإنسان للإنسان، إلى العبودية لله سبحانه وتعالى، مشيرا إلى أن لفظ "الحاكمية" لفظ مشترك يطلق علي كثيرين مختلفين، مثل كلمة "عين" التي تطلق على الجارحة وعلى البئر وعلى النقود وعلى الجاسوس، ومثلها كلمة حاكم فإنها كما تطلق على الله تطلق على الإنسان الذي من حقه أن يحكم". ويوضح الإمام الأكبر أن الحاكمية الخاصة بالله، عز وجل، هي حاكمية التشريع، وأن هذا فتح المجال لأَن يجتمع المسلمون ويجتهدوا ثم يقرِروا بعد ذلك الحكم في أمر معين بالإجماع، ويكون له نفس قدسية النص القرآني.. ومن هنا فإن الإجماع مصدر من مصادر التشريع يأتي بعد القرآن والسنة. ويتابع فضيلته أن لفظةَ "حاكم" لفظة مشتركة لكنها تختلف باختلاف الوضع؛ مثل صفة "عالم" فالله عليم وعلام وعالم، والإنسان قد يوصف بذلك، لكن علم الله علم مطلق، وعلم الإنسان محدود، فاللفظ مشترك ولكن المعنى مختلف، مما يجعلنا نرفض قول من يقول "ليس هناك غير القرآن والسنة، وأن أي اتجاه آخر يعد كفرا، ويحكم على صاحبه بالقتل"، وهذا ما فعله الخوارج لأول مرة في تاريخ المسلمين حينما رفضوا التحكيم، وأخذوا يقولون "الحكم لله وحدَه ولا حكم للإنسان، وقولهم هذا هو السبب في كل ما تستحله الحركات المسلحة الإرهابية المستندة للإسلام، وتعتمد عليه في تكفير المسلمين مجتمعا وحكاما وتحلل قتلهم. كما يوضح الدكتور الطيب أن فكرة الحاكمية هي فكرة بدأت منذ الخوارج، قتلوا بموجبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكفروه، وبعد أن اندثرت عادت مرة أخرى على يد عالم في الهند اسمه أبو الأعلى المودودي الذي كان يعيش في عصر سيطرة الإنجليز على الهند واتبعها ليحارب بها الإنجليز ثم على يد سيد قطب، وبعده الجماعات الإرهابية التي ظهرت بعد 1965 واعتبرت أن مجلس الشعب كفر والانتخابات كفر والديمقراطية كفر لأنها تفتح المجال لحكم البشر، وبالتالي يكون المجتمع كافر ومَن يحكم به كافر ومن يرضى بهم دون أن يكفرهم فهو كافر أيضا. ويؤكد فضيلته أننا سواء أخذنا بالاعتذارات التي وردت على رأي سيد قطب أم لم نأخذ بها فإن الجماعات الإسلامية المسلحة أو جماعات التطرف والعنف التي جاءت بعد ذلك أخذوا بفكرة الحاكمية ونادوا من جديد "أن لا حكم إلا لله، وأن المجتمع الذي يحكم فيه الناس مجتمع كافر يجب مواجهته"، كما يقولون "إنه لا حكم للبشر، وأن المجتمعات الإسلامية التي تأخذ بالقوانين والمجالس التشريعية تعد كافرة، وبالتالي حاكمها كافر، ومن لم يكفرهم فهو كافر". وأشار الطيب إلى أن القرآن جعل من الإنسان حكما وحاكما وأسند إليه الحكم، والحكم لله هو حكم تشريع، ولكن هناك مسائل كثيرة وصف القرآن فيها الإنسان بأنه حاكم، ومن يقولون إن الحكم لله فقط وليس للبشر، فهؤلاء يأخذون بآية ويضربون صفحا عن بقية الآيات التي يجب أن تفهم في إطارها وسياقها.