الثورة المضادة لم تنتصر نهائياً على ثورة يناير المصريون سيعودون لثورتهم فلا بديل لديهم الإسلاميون الإصلاحيون خدموا بنهجهم وطمعهم الثورة المضادة النظام القائم يتبع سياسات نظام مبارك بشكل أعنف وأكثر وضوحاً صدر مؤخراً عن مؤسسة "المعبر الثقافي" كتاب "الثورة المضادة: كتالوج القضاء على الثورات الشعبية مع دراسة تطبيقية على ثورة 25 يناير المصرية" للباحثين محمود عبده، ود.عصام الغريب، تزامناً مع الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. الكتاب يتحدث عن مفهوم الثورة المضادة وتاريخها وأبرز نماذجها العالمية والعربية، وسعيها لإفشال الثورات المصرية طوال العصر الحديث وصولاً لثورة 25 يناير. "محيط" حاور أحد مؤلفي الكتاب الصحفي والباحث والقاص محمود عبده، الذي أكد أنه يستقبل ذكرى ثورة يناير الرابعة بالمرارة والحزن، مشيراً إلى أن قوى الثورة المضادة قد لا تنتمي لطبقة اجتماعية واحدة، بل إلى أصول ومنابع سياسية واجتماعية متعددة، وقد اجتمعت على هدف واحد، وهو القضاء على الثورة، وذلك بحكم مصالحها السياسية والاقتصادية، أو لاقتناعها بالمنظومة الفكرية التي تطرحها الثورة المضادة. وأشار إلى أن الثورة المضادة لثورة 25 يناير، بدأت على نحو مباشر، منذ انتبه نظام الحكم لخطورة ما يجري في يناير 2011م على بقائه، فحين دعا النشطاء للتظاهر يوم 25 يناير كان النظام يظن أن استجابة المصريين للدعوة لن تعدو التظاهرات المحدودة، كما اعتاد في السنوات الأخيرة، ولن يلبث الأمر أن يمر بسلام. وإذا كان إجهاض الثورات ووأد التحركات الثورية هدفاً رئيسياً للثورة المضادة، فيمكن أن نعتبر أن الثورة المضادة لثورة يناير بدأت بالإجراءات التي لجأ إليها نظام مبارك لمنع نجاح الحراك الثوري يوم 28 يناير 2011م، مثل إجراء إيقاف الاتصالات الهاتفية اللاسلكية وخدمات الإنترنت عن أنحاء البلاد منذ مساء 27 يناير، ونشر قوات الشرطة حول المساجد الكبرى. ومع تطور الأحداث، بتنحي مبارك يوم 11 فبراير 2011، ودخول الثورة في مراحل متعاقبة، طورت الثورة المضادة من تكتيكاتها، ومرحت بمراحل متعاقبة هي أيضاً، في مسعاها إلى القضاء على ثورة يناير، ومنع تكرارها، والإبقاء على نظام مبارك وتجديد دمائه، وهو ما نتعرف عليه في السطور القادمة..إلى نص الحوار. كيف تستقبل ذكرى ثورة يناير الرابعة؟ ولماذا آثرت في هذا التوقيت أن تكتب عن الثورة المضادة؟ أستقبلها بالمرارة والحزن على ما آلت إليه الثورة حاليا، وبالإصرار في الوقت نفسه على مواصلة الطريق، فنحن لا نملك خيارا ولا بديلا سوى مواصلة الثورة، وليس لمصر من حل آخر ينقذها سوى تحقيق أهداف الثورة، كما أشعر دوما بالتفاؤل فرغم كل ما جرى خلال السنوات الماضية فقد خرجت الثورة بمكاسب لا يستهان بها، فقد تعلم الثوار دروساً مهمة، كما أن أحداث والصراع بين الثورة وخصومها فرزت القوى السياسية والنخبة، وكشفت انتهازية كثير من القوى السياسية مثل القوى الإسلامية، والمرتزقة من السياسيين والإعلاميين والنخبة، وكشفت حقيقة كثير من الشخصيات العامة التي كانت تستتر بالشعارات والمبادئ وتدعي النضال من أجل الشعب. وقد آثرت الكتابة عن الثورة المضادة الآن لأنها في ذروة قوتها وتبدو لكثيرين قد انتصرت ونجحت في القضاء على ثورة يناير، كما أن كثيرين أيضاً يجهلون أبعاد تلك الظاهرة وتفاصيلها والقائمين عليها والمفيدين لها، وسعيها لمنع ثورة يناير من تحقيق أهدافها. والكتاب عموما يأتي في إطار سلسلة كتابات عن ثورة يناير أتمنى إنجازها. هل نجحت الثورة المضادة في القضاء على ثورة يناير؟ ليس بعد.. ولن يكون إن شاء الله.. فرغم أن الثورة المضادة تبدو في أوج قوتها وإنجازاتها، إلا أنها لن تفلح في الانتصار النهائي، لبقاء عوامل الثورة ومسبباتها من ظلم وفساد، ولن يلبث المصريون أن يعودوا لثورتهم لأنهم لا يملكون حلا آخر والبديل للثورة سيكون كارثياً، ويكفي مثلا كارثة سد النهضة التي يتعامل الجميع معها باستهتار شديد، وسيفيقون قريبا على نتائجها المؤلمة. مع أي الثورات المضادة التي تعرضت لها الدول تتشابه الحالة المصرية؟ ورد في الكتاب نماذج عالمية وعربية ومصرية للثورة المضادة، وكان أقربها لنا نموذج الثورة المضادة في رومانيا الذي تشابه مع الثورة المضادة لثورة يناير في الإستراتيجية وكثير من التفاصيل، وهذا موضح في الكتاب بالتفصيل. ذكرت في كتابك أن عفوية الثورات هي سلاح ذو حدين.. اشرح لنا أكثر؟ عفوية الثورات وعفوية الثوار في نشاطهم تنجح في إرباك النظام الذي تقوم عليه الثورة وتصعب من جهود القضاء عليها، لأنه لا توحد في هذه الحالة مخططات محددة للثوار يمكن لخصمهم استنتاجها والاستعداد لها، وقد رأينا هذا في المرحلة الأولى للثورة، حين حاول عمر سليمان البحث عن جهة يتفاوض معها ويعقد معها صفقة لصالح نظام مبارك، ولكنه فشل لأن الثورة لم يكن لها قيادة موحدة ولا تنظيم واحد، وهو ما كان في صالح الثورة آنذاك، وفي الوقت نفسه فإن العفوية قد تكون ضد الثورة حين تتحول لعشوائية أو تخبط من قبل الثوار، أو حين يفقدون رؤيتهم الاستراتيجية، وحين يغيب التنظيم القوي القائد على قيادة الثورة وحمايتها. "لا ثورة مضادة دون حرب نفسية"..هكذا يجزم منظرو الثورة المضادة..كيف حدث ذلك عندنا؟ عن طريق نشر الشائعات والأفكار المضللة ونشر الخوف واليأس والإحباط بين عموم الناس، والتشكيك في الثوار وتشويه سمعتهم واتهامهم بالعمالة، وهي عملية شارك فيها الإسلاميون بقوة في منابرهم الإعلامية، بالمناسبة. وكذلك تصوير الثورة بالمؤامرة، وتخويف الناس وإرهابهم من تكرار نماذج سوريا والعراق وليبيا في مصر واتخاذ ذلك مبررا لضرب الثورة بقوة، ونشر الإحباط واليأس واستخدام فزاعات مثل التخويف من السلفيين عقب تنحي بمبارك، والتخويف من تناقص الاحتياطي النقدي والمجاعة في عهد طنطاوي، والتخويف على كيان الدولة وبقائها مثلما يجري حاليا. قسمت الثورة المضادة إلى مراحل..اذكرها لنا بإيجاز؟ بدأت الثورة المضادة حين بدأ النظام جهوده لإجهاض تحركات الثوار يوم 28 يناير 2011م، وكان هدفه في تلك المرحلة هو إجهاض الثورة وإبقاء مبارك على رأس النظام، ثم بدأت مرحلة المجلس العسكري يوم 12 فبراير 2011م، وكان هدف الثورة المضادة فيها هو الالتفاف على أهداف الثورة والمماطلة وتفريق الثوار وإشغال المجتمع بالصراع الاسلامي العلماني، وكانت المرحلة الثالثة في فترة حكم محمد مرسي وكان هدف الثورة المضادة الرئيسي الخلاص من الإخوان المسلمين، ليس باعتبارهم ثوارا، فالإخوان جماعة إصلاحية انتهازية لها أجندتها الخاصة، وإنما خوفا من ابتلاع الإخوان للنظام والهيمنة عليه، ثم جاءت المرحلة الرابعة مع 30 يونيو 2013 وهي مرحلة إعادة نظام مبارك للحكم شكلا وموضوعاً. ذكرت في كتابك مصطلح "أخبث تكتيكات الثورة المضادة"..هل لك أن تشرحه؟ حين تعجز الثورة المضادة عن القضاء على الثورة، وتدرك نجاحها في الإطاحة بالنظام القائم، فإنها تسعى لاحتواء الثوار، وتحجيمهم، وتوجيه الثورة في الاتجاه الذي لا يهدد مصالح قوى الثورة المضادة بشكل جذري، أو الذي يخفف من أضرار الثورة على مصالحها، ويتم ذلك عن طريق الاعتراف بالثورة، ودعم الثوار. وقد أوردنا نماذج لذلك في ثورات عالمية، وفي مصر أظهر المجلس العسكري دعمه الظاهري للثوار قبيل الإطاحة بحسني مبارك في فبراير 2011، وكان ذلك تمهيداً لأن يتولي المجلس السلطة في الفترة الانتقالية خلفاً لمبارك، ويسعى إلى احتواء الثورة، وتوجيهها. هل أخطأ الثوار في مواجهة الثورة المضادة؟ بالطبع استفادت الثورة المضادة من أخطاء الثوار وقلة خبرتهم، كما استفادت من تشتت الثوار وتفرقهم، واستفادت أيضا من وجود انتهازيين وأنصاف ثوار وسط الثوار، ومن الإسلاميين الإصلاحيين الذين خدموا بنهجهم وطمعهم الثورة المضادة. قلت إن الثورة المضادة وصلت ذروتها الآن.. كيف؟ حسني مبارك الذي قامت عليه الثورة وأسرته خرجوا من السجن، وحل الثوار محلهم، ونظام مبارك يحكم البلاد، والثورة يجري وصفها في الإعلام بأنها "مؤامرة".. أهداف الثورة السياسية والاجتماعية لم تتحقق، وحتى الأهداف الرمزية مثل محاسبة مبارك والقصاص للشهداء لم تتحقق، بل نجحت الثورة المضادة في إبقاء نظام مبارك وتشويه الثورة والثوار، وخداع البسطاء والاستعانة بهم في محاربة الثورة. أعطيتَ بارقة أمل في نهاية الكتاب وقلت إن الثورة المضادة قد تنكسر؟ الأسباب التي أدت لحدوث ثورة يناير لا تزال موجودة، بل تزداد بزيادة الفقر والفساد والظلم، وغياب الحريات والعدالة والكرامة وتهديد لقمة العيش، فالنظام القائم يتبع سياسات نظام مبارك بشكل أعنف وأكثر وضوحا، ولن يفلح في القضاء على الأزمات التي تتفاقم كل يوم، ولن يكتب له الاستقرار الذي ينشده مع الثأرات التي يحملها لها الكثيرون، والمصريون بطبعهم يميلون لفكرة منح الفرص للحكام، وستأتي لحظة يدركون فيها أن النظام استنفد فرصته..