صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب "الموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية في أحضان النيل" للدكتور أحمد يوسف الطويل، والذي يعتبر أول كتابا في مصر عن الموسيقى اليهودية والقبطية. ويتناول هذا الكتاب موسيقى الأديان القبطية واليهودية، باستثناء الفن الموسيقي المرتبط بالدين الإسلامي لتداوله وانتشاره، وكثرة التناول البحثي والدراسات المستفيضة حوله؛ فقد جنبها من تلك الدراسة، إلا فيما يتعلق بالمقارنة والتنظير من حيث التشابه والاختلاف. وقد اختص هذا الكتاب الدراسة بالموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية لارتباطهما بالموسيقى المصرية سواء الشعبية أو التقليدية. ويحاول المؤلف في هذا الكتاب الوصول بالبحث إلى حقائق مجردة، نستطيع من خلالها الحكم السليم على معطيات وظواهر تبدو للعيان على أنها أمور مؤكدة، ولكنها لا تصل إلى مرحلة الاقتناع المنطقي، بوجوب احترام ثقافة ومعتقد وفنون الآخر، والتي أمل المؤلف أن تصل في النهاية إلى إحاطة تامة لمعنى الإنسانية. ويقول المؤلف أن الموسيقى القبطية تمثل موسيقى المسيحيين "الأرثوذكس"، والتي نشأت وترعرعت في مصر، واكتسبت طعمها من الثقافة المصرية، بروافدها المختلفة، من موسيقى قدماء المصريين، ومن موسيقى اليهود، ومن الموسيقى الشعبية المصرية، لكنها ظلت مقتصرة في الأديرة والكنائس؛ ولهذا جانب سلبي وآخر إيجابي، إذ جعلها بعيدة عن أذن العامة، ولم يتعرفوا عليها، بل وحرموا من سماعها والاستمتاع بها، لكنها في الوقت نفسه حفظت من التشويه والتأثر والتناقل الخطأ، ثم لوحظ أن هناك تأثيرا متبادلا بين الموسيقى القبطية والموسيقى الشعبية المصرية في عدة نواح، كما أن هناك تأثر من موسيقينا الكبار بالموسيقى القبطية، وظهر ذلك في ألحانهم بصورة جلية؛ حيث رأى المؤلف ضرورة تناول الموسيقى القبطية بعناصرها الأساسية، في ألحانها ومقاماتها وإيقاعاتها وأشكالها وتاريخها، في محاولة للكشف عن هذه الموسيقى المصرية الأصيلة، والتي لا يوجد لها نظير في العالم. أما دراسة الموسيقى اليهودية فقال عنها مؤلف الكتاب أنها كانت لسبب آخر مختلف تماما، وهو ادعاءات بألحان موسيقية تنسب لليهود، وهي في الحقيقة ذات جذور مصرية عريقة، كما أن هناك ألحانا يهودية من خارج مصر أقحمت في الموسيقى المصرية، وهناك ألحان شعبية اقتبست من بلدان عربية كفلسطين والشام، ونسبها موسيقيون يهود لأنفسهم، وقدمت على أساس أنها من ألحانهم، بل ودونت في الوثائق الرسمية المصرية على هذا الأساس؛ مما استدعى الكشف عن بعض تلك الألحان وتوثيقها من أكثر من مصدر؛ لمعرفة أصولها وانتسابها الصحيح. وأكد د. أحمد الطويل أنه تعمد في كتابه التجرد من تعاطفه مع جنسيته أو دينه واعتبر ذلك أمر ذاتي قد يخرج البحث العلمي من موضوعيته، ويسير به ناحية ما يضمره – ربما – العقل الباطن من تعصب ديني، أو تحيز عرقي قد يضر بالبحث العلمي، ويهدم أركان المنهجية فيه، ولا يخدم سوى ما يعتقد أنها أهداف قريبة قد يستطع أي شخص أن يصل إليها، مادامت ترضي وجدانه وعقيدته بل وثقافته، لكنه أراد الوصول بالبحث إلى حقائق مجردة، نستطيع من خلالها الحكم السليم على معطيات وظواهر، تبدو للعيان على أنها أمور مؤكدة، ولكنها لا تصل إلى مرحة الإقناع المنطقي، بوجود احترام ثقافة ومعتقد بل وفنون الآخر.