عددت الألحان اليهودية المقتبسة من المعين العربي والمصري ، وقد اخترنا اليوم مجموعة بعينها نرى أنها بارزة سواء بالنسبة لمكانتها في تراث هذا المعين، أو بالنسبة لما اكتيبته من شهرة واسعة لدى المستمع العربي: 1- لحن "رايح فين يا مسلينى" أُذيع هذا اللحن فى القناة الفضائية الإسرائيلية بتاريخ 17 نوفمبر 2003، فى برنامج "ليالينا"، على أنه من التراث الناصرى، نسبة إلى "الناصرة"، وغناه "خليل مورانى"، على النص التالى. يا رايح فين وفين يا مسلينى يا بدر حبك كاوينى إملا المدام يا جميل واسقينى يا كتر شوقى عليك يا سلام تغيبوا عام وتطلوا يوم ياعينى تيجوا تلاقينى على حالى أبيض واياه يا لون الياسمين ياللى على خدك وردة من الشباك لاورى لك حالى يا أسمر يا سارى بحالى والحقائق التاريخية تؤكد بما لا تدع مجالاً للشك، مصرية هذا اللحن، والذى أبدعه الموسيقى المصرى الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب (1793 - 1928)، فى القرن التاسع عشر. وفى هذا أكثر من دليل. ذكر هذا اللحن ضمن ألحان محمد عبد الرحيم المسلوب فى كتاب "الموسيقى الشرقى" لكامل الخلعى، المحرر عام 1904 قيل قيام دولة إسرائيل، ونصه: رايح فين يا مسلينى يا بدر حبك كاوينى إملا المدام يا جميل واسقينى يا كتر شوقى عليك يا سلام دور رايح فين وجاى منين يا للى كويتنى بسحر العين القلب ده ما يساع اتنين لا الصدود ولا التجافى دور يا بدر خالك والوجنات ورمش عينيك سبونى دول صبحونى فيك ولهان وهم فى عشقك رمونى دور غيبوا عام وطلوا يوم ترأونى على حالى واتركوا العاذل واللوم فى الحب راح عقلى ومالى وهناك بعض الملاحظات، واعتبارات ظاهرة، ولا تخفى على الكثيرين، بخصوص هذا اللحن، يرصدها الباحث فى النقاط التالية. 1 - لهذا اللحن قيمة تاريخية هامة مرتبطة بالفن الموسيقى المصرى، إذ يعتبره المؤرخون أول أشكال قالب الدور الغنائى، والمصرى أيضاً، فى مرحلته الأولى، وكان عبارة عن لحن يتكرر، مطابق لقالب الطقطوقة 2- قام المغنى المصرى عبد الحى حلمى (1857 - 1912) بغناء هذا اللحن، وهو مسجل على أسطوانة تحت رقم 45829، وجهان 78 لفة 11 بوصة، ويحمل ترقيم 1705 بدار الكتب المصرية 3 - قام الموسيقى المصرى "قسطندى منسى" بتوزيع هذا اللحن لآلة البيانو منذ ما يزيد عن مائة عام، وهى مدونة بالطريقة القديمة، والتى كانت سائدة قبل مؤتمر الموسيقى العربية 1932، الذى أوصى بتغيير طريقة التدوين الموسيقى؛ وقبل قيام الدولة الصهيونية، أيضا. 2- لحن "الباكاناليا" (Bacchanalia) وقدم هذا اللحن فى رقصة من الفصل الأخير من أوبرا "شمشون ودليلة"، أثناء مشهد تقييد شمشون فى المعبد بين عامودين، انتظارا لمحاكمته من جانب الفلسطينيين، وبعد انتهاء هذه الرقصة يغنى شمشون أنشودته الأخيرة، ويختم غناءه بجملة من العهد القديم: "ولتمت نفسى مع الفلسطينيين"، أو "علىّ وعلى أعدائى يارب"؛ ويهدم المعبد عليهم بعد أن عادت إليه قوته. وجاء اللحن فى صيغة موسيقية تسمى "الباكاناليا"، أى سهرة خمرية راقصة، بين النساء والرجال، مصحوبة بغزل صريح. وجاء اللحن فى مقام الحجاز، فسهل ترديده وغناؤه من الناس، وانتشر على أساس أنه من أصل يهودى. وتأثر بهذه التيمة موسيقيون مصريون فى ألحانهم، سنتعرض للحنين منهم، أحدهما مشهور والآخر مجهول لكثيرين. 1- لحن "يا نايمة الليل وانا صاحى" (مأمون الشناوى، محمد عبد الوهاب، محمد عبد المطلب)، من فيلم "تاكسى حنطور" عام 1945. وجاءت فى لحن المقدمة والمذهب، بطريقتين محتلفتين. 2- لحن "كان مالى ومالك" (فتحى قورة، إبراهيم حسين، درية أحمد). وجاءت التيمة الموسيقية فى لحن المقدمة والمذهب، بطريقتين محتلفتين. والناظر لتواريخ اللحنين، يجد أنهما أحدث من لحن "الباكاناليا" لكاميل سان صونس، المؤدى عام 1877، فيبدو أن محمد عبد الوهاب وإبراهيم حسين، وغيرهما قد تأثروا باللحن المشار إليه. غير أن هذا اللحن لا يعود لصونس، بل إن له مؤلفا آخر، أشار إليه كاميل نفسه، وذكر بأنه قد اقتبسه من المؤلف الموسيقى الشرقى "الجنرال يوسف باشا"أثناء وجوده بالجزائر، وتأمل الاسم جيدا!!، ولا يُعرف هل هو المؤلف الموسيقى، يوسف باشا، صاحب السماعيات المشهورة: النهاوند، والهزام، والنواأثر؟ أم هو قائد فرنسى بالجزائر، ولا يعقل أن يكون أحد ثوار الجزائر! ومهما يكن من أمره أو جنسيته، فإن هذا اللحن عربى شرقى صرف، وهو أقرب إلى ألحان الريف المصرى؛ وليس من الغريب استخدامه لآلة الهارب المصرية الأصل لعزف لحن "البكاناليا". وقد اعتاد "صانس" التأثر بموسيقى الآخرين، فقد اقتبس لحنا من أوبرا "حلاق إشبيلية " لروسينى، من مقطوعة الحفريات Fossils، فى متتالية "كرنفال الحيوانات"، ولحنا من بريليوز بعنون "رقصة السيلفات" Danse de Sylphes، ولحنا من افتتاحية "أورفيوس فى الحجيم" لأوفنباخ وغيرهم، واقتبس، أيضا، من نفسه لحنا من "رقصة المقابر"، فى عمله "كرنفال الحيوانات". وقبل ختام الحديث عن هذا اللحن، لا بد من الإشارة إلى واقعة غريبة، فقد قدم الملحن المصرى - اليهودى الأصل - منير مراد، هذا اللحن، بين ثنايا أحد استعراضات فيلم "نهارك سعيد" (1955)، وموضوعه "أغانى الشعوب"، وعرض فيه على التوالى ألحانا مميزة تعبر عن موسيقى ولهجات الجنسيات التالية: "الموسيقى الأوربية (ممثلة فى الفرنسية)، ثم الأمريكية, فالروسية, والصينية، ، ثم الشامية، وأخيرا المصرية"؛ وقدمها منير مراد بإبداع - كما هو معروف عنه -، غير أنه حين عرض التيمة المميزة للموسيقى الشامية، بدأها بلحن "الباكاناليا" لكاميل سان صونس، على نص عربى، يقول مطلعه: "وين راحوا الحبaايب؟". والمنهج العلمى لا يبحث – ولا ينبغى له - فى النيات أو الأسباب التى دعت منير مراد – أو يجد تفسيرا - لاستخدامه هذا اللحن للتعبير عن موسيقى الشام، كما جاءت فى أحداث الفيلم؛ ولكن أوردها الباحث، هنا فقط للتسجيل التاريخى، على أنها – حسب ما يتصور - ظاهرة سلبية، أو على الأقل غريبة، وغير مفهومة، بالنظر إلى أصول منير مراد اليهودية. 3- السلام الوطنى الإسرائيلى: وهو النشيد المعروف باسم نشيد "هاتفيكا" ومعناه "الأمل"وهذا اللحن متعدد الروافد، فهو يرجع لأصول تشيكية، فقد اقتبسه اليهودى "صامويل كوهين"، من القصيد السيمفونى "فالتافا"، أو "المولداو" (1874)، الذى يصور فيه المؤلف الموسيقى التشيكى فريدريك أو بدريش سيمتانا (1824 - 1884) خط سير نهر "المولداو" فى جميع مراحله من المنبع إلى المصب والشىء اللافت للنظر والداعى للتأمل، أن المؤلف التشيكى القومى الآخر أنتونى دفورجاك (1841 – 1904) قد استخدم المازورة الثانية من قصيد "نهر المولداو" لفريدريك سميتانا، بوضوح فى الحركة الأولى لسيمفونيته الثالثة (مصنف رقم 10)؛ فربما لهذا اللحن جذور شعبية عند التشيك. ويرجع هذا اللحن، أيضا، إلى أصول عربية وشرقية، كما فى الإيضاح التالى: أ - أغنية شعبية تركية: وهى مشهورة فى تركيا تحت اسم (اسكدار). ب - لحن شعبى مصرى: دولاب موسيقى. وهذا الشكل يأتى كدولاب موسيقى يسبق الأغانى الشعبية المصرية، ونسمعه بوضوح غالبا فى وصلات المطرب الشعبى المصرى "محمد طه"، وهذا اللحن يؤدى على آلة الأرغول المصرية، وهى آلة مصرية قديمة جدا، ومعروف أن الآلة الموسيقية، تولد بألحانها؛ أى أنها تؤدى نغماتها وفقا لإمكاناتها الصوتية، والتى هى مصرية صميمة. والناظر للتيمة الأساسية لهذا اللحن لا يجدها سوى نتاج تأليفى عام، وليس فيها إبداع بالمعنى المفهوم، فقد يخطر على بال أى مؤلف موسيقى، فنجد أن المازورة الأولى ماهى إلا حركة سلمية صاعدة من درجة أساس السلم حتى خامسته؛ والمازورة الثانية، عرض لفكرة بسيطة على الدرجة الخامسة، والمازورتان الأخيرتان، هبوط سلمى على شكل تتابع لحنى (Sequence) بداية من الدرجة الرابعة حتى نغمة الأساس. وقد ترد هذه الفكرة على خيال أى مؤلف موسيقى. ووردت تلك التيمة فى الحركة الثانية لسيمفونية رقم 85 لهايدن, والمسماة "الملكة", ولبيتهوفن فى عمله المسمى "لحن رومانس" للفيولينة والأوركسترا.