استقرار أسعار الذهب عالميً اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي الجاري تنفيذها بالتعاون مع شركاء التنمية    «القومي لحقوق الإنسان»: مطالبة مدعي «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو شهادة على جرائم إسرائيل    الوكالة اللبنانية للإعلام: مقتل اثنين في غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان    ليفركوزن يسعى لمواصلة تحطيم الأرقام القياسية.. ماذا قدم في مبارياته أمام أتالانتا؟    عبر تليجرام.. تداول امتحان العلوم لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    أزمات وشائعات طاردت زوجة محمد صلاح    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    أسعار الدواجن اليوم 22 مايو 2024    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    طريقة عمل العجة المصرية، لفطار سريع وبأقل التكاليف    توافد طلاب أولى ثانوى بالجيزة على اللجان لأداء الكيمياء في آخر أيام الامتحانات    ما حكم ذبح الأضحية في البلاد الفقيرة بدلا من وطن المضحي؟    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    فضل يوم النحر وسبب تسميته بيوم الحج الأكبر    «حديد عز» بعد الانخفاض الكبير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    أرقام تاريخية.. كبير محللي أسواق المال يكشف توقعاته للذهب هذا العام    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    ذبح مواطن في الطريق العام.. النقض تنظر طعن سفاح الإسماعيلية على حكم إعدامه    روسيا تبدأ تدريبا لمحاكاة إطلاق أسلحة نووية تكتيكية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المراجعة ضرورية لقانون التعاونيات وللتخلي عن القطن
نشر في محيط يوم 12 - 01 - 2015

قبل أيام قليلة من ذكرى البدء فى بناء سد مصر العالى (9 يناير) أعظم مشروعات البنية الأساسية فى العالم والذى يعد أعظم عمل قامت به الدولة لمصلحة القطاع الزراعى المصري، وذكرى مولد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر (15 يناير) الذى قاد عملية بناء السد وأنصف الفلاحين بسلة متنوعة من السياسات تعرضت مصالح صغار الفلاحين لضربات متتالية من وزير الزراعة بقراره الخاص بتخلى الدولة عن تسويق القطن، وبمشروع تعديل قانون التعاون الزراعى بصورة مخالفة للدستور وجائرة على صغار الفلاحين حتى بغض النظر عن الخطأ المطبعى الذى يبرر سحب التعديلات وإعادة النظر فيها كليا.
وبدلا من الإفراط فى التصريحات المؤذية لصغار الفلاحين وللقطاع الزراعى عموما بشأن محصول بالغ الأهمية مثل القطن، كان الأولى بالوزير أن يضع إستراتيجية حقيقية لتنظيم وتنمية القطاع الزراعى ورفع إنتاجية المحاصيل وسلالات الماشية، ونقل نشاط الاستزراع السمكى من المصارف الملوثة والمدمرة صحيا إلى البحار، وضبط استخدام المبيدات والمخصبات لمراعاة الاعتبارات الصحية، ووضع قواعد لحماية الفلاحين المنتجين من سطوة وسيطرة التجار والسماسرة الذين يستحوذون على غالبية عائد العملية الإنتاجية فى الزراعة.
وإذا بدأنا بتعديلات قانون التعاون الزراعى فإن أهم التعديلات التى جاء بها هى قصر نسبة صغار الفلاحين فى عضوية مجالس إدارات الجمعيات التعاونية الزراعية على 8% فقط، بينما حددها الدستور ب 80%. وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 46 على أن «يحتفظ لصغار الفلاحين الذين ينطبق عليهم تعريف الفلاح الوارد بالقانون رقم 46 لسنة 2014 المشار إليه بنسبة لا تقل عن ثمانية فى المائة من مقاعد مجالس الإدارة فى جمعياتهم». وهذا التعديل تم إقراره فعليا ولا مناص من مراجعته، لأن أى طعن عليه بعدم الدستورية سيسقطه. وقد تردد أنه مجرد خطأ مطبعي، وهو أمر مستبعد لأن النسبة مكتوبة بالحروف وليس بالأرقام. لكن على أية حال وسواء كانت نسبة الثمانية فى المائة مقصودة أو مجرد خطأ مطبعي، فإن الأمر يستدعى سحب التعديلات وإصلاح هذا الخطأ، فالشعب الذى أنصف نفسه ودولته وبالذات الفلاحون بالخروج للاستفتاء على الدستور يستحق أن يتم احترام حقوقه التى نص عليها هذا الدستور. وكان طبيعيا أن ينتفض الاتحاد العام للفلاحين رفضا لهذا التعديل، خاصة فى ظل وجود زعامات تاريخية تنتمى بعمق للريف المصرى ولقضايا الفلاحين العادلة وبالذات الرمز التاريخى للنضال الوطنى والاجتماعى للفلاحين شاهندة مقلد، والفلاح الوطنى المثقف محمد فرج.
ويشكل الفلاحون الذين يملكون فدانا فأقل نحو 56.9% من عدد الحيازات فى مصر، وحصتهم من الأرض الزراعية نحو 14.8%. أما مجموع من يملكون خمسة أفدنة فأقل فيبلغ نحو 4 ملايين حائز يشكلون 91% من مجموع عدد الحيازات، ويملكون 52.2% من الأراضى الزراعية فى مصر. ويشكل من يملكون عشرة أفدنة فأقل نحو 94.8% من عدد الملاك الزراعيين فى مصر، وحصتهم من إجمالى الأراضى الزراعية تبلغ نحو 62.8%. وهؤلاء الفلاحون هم من يزرعون المحاصيل الاستراتيجية التى تحتاجها مصر وتشكل عنصرا مهما من عناصر أمنها الغذائي. كما تمد صناعاتها بالمواد الخام الزراعية من قطن وكتان وتيل.
أما من يملكون عشرة أفدنة فأكثر فإنهم يشكلون 5.2% من عدد الملاك ويستحوذون على 37.2% من الأراضى الزراعية المصرية. ويتخصص كبار المزارعين غالبا فى زراعة الخضر والفاكهة والمحاصيل الزيتية والعطرية الأعلى عائدا فى ظل اختلال منظومة أسعار المحاصيل فى مصر فى غياب دور فعال للدولة فى ضبط الأسواق. ويبلغ عدد من يملكون 20 فدانا فأكثر نحو 128.3 ألف حائز بنسبة 2.9% من عدد الحيازات. ويملك هؤلاء الملاك نحو 1.9 مليون فدان تمثل 27.2% من إجمالى الأراضى الزراعية.
أخطاء البيانات الرسمية ومشاكل القانون
هناك اضطراب فى بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى هذا الشأن. وعلى سبيل المثال تشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (الكتاب الإحصائى السنوي، سبتمبر 2014، ص 132-135) إلى أن عدد من يملكون مائة فدان فأكثر يبلغ نحو 28.3 ألف يشكلون نحو 0.6% من مجموع الحائزين، ويملكون نحو 813 ألف فدان تشكل نحو 11.5% من إجمالى الأراضى الزراعية. ولو قسمنا المساحة على عدد الحائزين سيكون نصيب كل منهم أقل من 29 فدانا رغم أن المفروض أن ملكية كل منهم أكثر من مائة فدان!! كذلك فإن المالكين لعشرة أفدنة حتى 20 فدانا يبلغ عددهم 98995، ويبلغ حجم ملكياتهم 708436 فدانا، أى أن متوسط ملكية كل منهم يبلغ نحو 7.2 فدان رغم أنه من المفترض أن ملكية كل منهم لا تقل عن 10 أفدنة وأن المتوسط على الأرجح سيدور حول مستوى 15 فدانا!!
وهذا الخطأ متكرر فى أغلب فئات الملكية الأخرى بما يعنى أن تلك البيانات تحتاج للمراجعة حتى تكون جديرة بالاعتماد عليها.
ولا تقتصر مشاكل تعديلات قانون التعاون الزراعى على الاعتداء على نسبة الفلاحين الصغار فى مجالس الإدارة، بل إنه يفتح الباب على مصراعيه لسيطرة الرأسمالية الزراعية الكبيرة على مشروعات التعاونيات الزراعية التى هى فى الأصل نظام مكرس للدفاع عن مصالح الفلاحين أصحاب الملكيات الصغيرة. وتنص التعديلات فى المادة 8 على جواز مساهمة الأشخاص الاعتباريين (الشركات) فى رأسمال المشروعات التى تنشئها الجمعيات التعاونية الزراعية بغرض تنمية الإنتاج بما لا يزيد على 25% من رأسمالها. وهكذا فإن هذا التعديل يمكن كبار الرأسماليين من الاستحواذ على قسم كبير من أى دعم تقدمه الدولة للتعاونيات الزراعية من المال العام أو من أراضى الدولة التى تخصص لتلك المشروعات.
والحقيقة أن صغار الفلاحين كانوا بحاجة لتعديل قانون التعاونيات لتخفيف سطوة وتسلط الجهة الإدارية وزيادة حرية الفلاحين الصغار، وليس إلى استبدال سطوة الرأسمالية الزراعية بالجهة الإدارية، وهو تراجع وترد يضع الفلاحين الصغار تحت رحمة جهة غير مسئولة اجتماعيا وسياسيا مثلما كان الحال بالنسبة للجهة الإدارية رغم كل الملاحظات على أدائها.
وكان من الطبيعى أن يرحب حيتان القطاع الزراعى وبالذات من بدأوا مسيرة التطبيع الزراعى مع الكيان الصهيونى منذ ثمانينيات القرن الماضي، بالتعديلات فى قانون التعاونيات وإعلان وزير الزراعة عن التخلى عن تسويق القطن، باعتبار أن ذلك يفتح لهم باب السيطرة على القطاع الزراعى والتغول على مصالح صغار الفلاحين. وإن كان الترحيب بتخلى الدولة عن تسويق القطن يعكس غياب الإدراك لواقع القطاع الزراعى المصرى وللسياسات الممكنة لإدارة تسويق المحاصيل الرئيسية التى ينتجها، ولدور الدولة فى الاقتصادات النامية فى هذا القطاع، وهو ما سنتناوله فى موضع لاحق.
التعاونيات وتوفير المستلزمات والتسويق التعاوني
لم تولد التعاونيات فى مصر مع نظام يوليو 1952 كما يظن البعض، إذ بدأ إنشاؤها منذ عام 1908 وتزايدت أعدادها فى ريف مصر منذ ذلك التاريخ. وحتى فى التاريخ المصرى القديم كانت هناك تعاونيات فى الصيد وتربية نحل العسل وزراعة بعض المناطق العامة. لكن مع نظام يوليو 1952 أصبحت هناك سياسة حكومية بإنشاء الجمعيات التعاونية وإلزام الفلاحين الذين وزعت عليهم أرض الإصلاح الزراعى بالدخول فيها، ثم وضع العديد من الشروط للحصول على الائتمان الزراعى ومدخلات الإنتاج، لتشجيع الفلاحين على دخول تلك الجمعيات للتمكن من زراعة أراضيهم مما أدى لامتدادها لتغطى بمظلتها الريف المصرى بأسره بعد ذلك.
وكان اهتمام الدولة بإدخال الفلاحين للجمعيات التعاونية وتحول ذلك إلى سياسة دولة تجاه الريف يعكس توجه الدولة لإزاحة الإقطاعيين والوسطاء والسماسرة الذين كانوا يستأثرون بعائد العملية الإنتاجية فى الريف، والحلول محلهم كجهة عامة تتسم بالمسئولية الاجتماعية والسياسية ولديها برنامج للنهوض بالقطاع الزراعى والحماية النسبية لصغار الفلاحين.
ومنذ الإصلاح الزراعى الأول فى سبتمبر 1952 تم تحديد دور التعاونيات الزراعية بتنظيم زراعة الأرض واستغلالها بأفضل شكل عبر قيام الجمعيات التعاونية بتوفير مستلزمات الإنتاج والآلات الزراعية والإشراف على تحسين عمليات الرى والصرف ومقاومة الآفات الزراعية وتنظيم التسويق التعاونى وممارسة الإرشاد الزراعي. وكانت تلك الجمعيات تؤدى أعمالها تحت إشراف موظف تختاره وزارة الإصلاح الزراعي. وهناك تقديرات مختلفة للدور الذى كان يلعبه هذا الموظف، تتراوح بين تقديم المشورة والإدارة الفعلية للتعاونيات.
ومما لا شك فيه أن القرار الذى أصدرته الدولة آنذاك، والذى امتنع بمقتضاه بنك التسليف الزراعى عن توفير الائتمان للفلاحين كأفراد، وقصر من يحق لهم الحصول على قروض من البنك على المنضمين للجمعيات التعاونية التى كانت تتلقى القروض من بنك التسليف الزراعى بصفتها الاعتبارية لتعيد بعد ذلك تقديمها إلى الفلاحين المنضمين إليها... لا شك أن ذلك القرار كان أحد الأدوات المهمة التى استخدمتها الدولة فى فرض دخول الفلاحين إلى الجمعيات التعاونية. لكن من الضرورى الإشارة إلى أن تلك الجمعيات أسهمت فى المزيد من تنظيم الزراعة المصرية وفى توفير مدخلات الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات، وآلات الإنتاج مثل الجرارات التى أصبح بإمكان المالك الصغير استخدامها بالتأجير. ومن المؤكد أن مستوى الخدمات التى كانت الجمعيات تقدمها للمزارعين كان جيداً فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بما شكل إغراءً للفلاحين للانضمام إليها.
وقد أصبحت الجمعيات التعاونية بعد أن امتدت لتشمل الريف المصرى بأسره التنظيم الذى أحكمت الدولة من خلاله إدارتها للزراعة المصرية، حيث أصبحت تمارس من خلال تلك الجمعيات الإشراف الفعلى على تنفيذ الدورة الزراعية كى يتحدد التركيب المحصولى بالصورة التى تلائم الاحتياجات الاجتماعية واحتياجات قطاع الصناعة من المواد الخام الزراعية وعلى رأسها القطن. كما أصبحت الجمعيات التعاونية أيضاً هى القائم بالتسويق التعاونى والتسويق الإجباري.
وتكمن أهمية الدورة الزراعية الثنائية أو الثلاثية التى أشرفت الجمعيات التعاونية الزراعية على تطبيقها، فى أنها مكنت مصر من ضمان زراعة المحاصيل الاستراتيجية الضرورية للأمن الغذائى ولتلبية احتياجات الصناعة. كما مكنتها من تسريع ميكنة الزراعة رغم تفتت الملكيات الزراعية وقزمية غالبيتها.
وقد تم عبر الدورة الزراعية، توحيد المحصول ووقت زراعته وحصاده فى كل زمام من الزمامات التابعة لقرية ما، والتابعة بالضرورة لجمعية تعاونية زراعية، مما أتاح إمكانية استخدام الآلات فى عمليات الزراعة ورش المبيدات والحصاد، وأتاح الاستفادة بوفورات النطاق والحجم.
وقد تم العمل بنظام الدورة الزراعية فى القرن الماضى من الخمسينيات حتى منتصف الثمانينيات عندما الغاه وزير الزراعة الأسبق يوسف والى المسئول الأول عما آل إليه قطاع الزراعة من فوضي، ومن تخريب الصناعات المرتبطة به وعلى رأسها صناعة الغزل. وكان ذلك النظام يتشابه مع النظام الذى استحدثته اليابان إبان إصلاحات ميجى فى ذلك البلد منذ عام 1868، حيث كان مضمون ذلك النظام هو التنظيم على الشيوع لأراض مملوكة ملكية خاصة، بالضبط مثل نظام الدورة الزراعية فى مصر.
ومن ناحية أخرى شكل التسويق التعاونى للمحاصيل الزراعية برعاية الدولة ضمانا حقيقيا لحصول الفلاحين على أسعار عادلة لمحاصيلهم وضمانة اجتماعية ايضا لتحريك الفائض الاقتصادى نحو تمويل الصناعة التحويلية الضرورية للتقدم والتى وضعت مصر فى منتصف ستينيات القرن الماضى فى صدارة الدول النامية من زاوية التطور الاقتصادي.
وقد قام نظام يوليو بتطبيق التسويق التعاونى على عدة مراحل: الأولى وتضمنت قيام الجمعيات بتجميع القطن الزهر ثم بيعه مباشرة دون وساطة من تجار وسماسرة القطن المحليين فى كل قرية. وفى المرحلة الثانية، قامت الجمعيات التعاونية بشراء القطن الزهر من الفلاحين مباشرة وتولت عملية نقله للمحالج. أما المرحلة الثالثة فقد تضمنت قيام الجمعيات التعاونية ببيع القطن الزهر إلى شركات التصدير، أما المرحلة الرابعة فقد تمثلت فى قيام محافظة المنوفية بحلج أقطانها بمعرفتها ثم قامت ببيع الأقطان الشعر إلى لجنة القطن المصرية التى تقوم ببيعه بعد ذلك إلى شركات التصدير، وكذلك باعت المحافظة البذرة لمعاصر الزيوت.
وقد شمل التسويق التعاونى محاصيل القطن والأرز والبصل والفول السودانى والبطاطس وبذلك أصبح التسويق التعاونى يغطى حاصلات التصدير الرئيسية فى مصر.
إنهاء دور الدولة فى تسويق القطن يعنى نهايته
بعد كل التاريخ الطويل للتعاونيات وللتسويق التعاونى ورعاية الدولة له، جاء تصريح وزير الزراعة بتخلى الدولة عن تسويق القطن صادما ومهددا بالقضاء على زراعة هذا المحصول الاستراتيجى والصناعات المرتبطة به مباشرة مثل حلج وغزل ونسج القطن. وهذا التوقع بنهايته يأتى على ضوء أن المزارعين المصريين الذين سيتم التخلى عنهم، ينافسون المزارعين من البلدان الأخرى الذين يتلقون دعما هائلا من حكومات بلدانهم بغرض السيطرة على السواق الدولية لهذا المحصول الإستراتيجى الذى ترتبط به صناعات عديدة، ويشكل أساسا لتوفير الملبس الشعبى والراقى معا.
والحقيقة أن أحد الضمانات الرئيسية لعدالة تسعير الحاصلات الإستراتيجية هو أن تقوم الدولة بدعم التعاونيات التى يتولى الفلاحون من خلالها تسويق إنتاجهم، وأن تقوم بشراء الحاصلات التى تحتاجها الدولة لصناعة الخبز المدعوم أو لتوفير القطن والغزل للصناعات المملوكة لها.
كما أن هناك دورا مهما للدولة، نطلق عليه «التاجر المرجِح»، وهو يعنى قيام الدولة بدور التاجر المرجِح فى سوق المدخلات والمحاصيل والخضر والفاكهة، والذى يتدخل فى السوق لتحقيق التوازن السعري، وحماية الفلاحين من الاستغلال، وحماية المستهلكين أيضا من استغلال التجار.
كما تحتاج مصر للعمل بنظام الدورة الزراعية الثلاثية (المرنة)، حيث تتدخل الدولة وتقسم الأراضى الزراعية إلى ثلاثة أقسام وتفرض زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة والقطن فى أحدها، بينما يكون الفلاح حرا فى زراعة ما يريد فى الأقسام الأخري، على أن يتم تغيير الأراضى التى يتم تطبيق دورة المحاصيل الإستراتيجية فيها كل عام لضمان تطبيق هذه الدورة الزراعية بصورة عادلة على كل المزارعين. وإلى جانب هذه السياسة من المفيد استخدام سياسة الدعم والتحويلات أى الحوافز التى تقوم من خلالها الدولة بتحسين القدرة التنافسية للمحاصيل الإستراتيجية بالمقارنة بالمحاصيل البديلة التى تتنافس معها، بما يؤدى إلى توجيه المزارعين والتأثير بقوة فى التركيب المحصولى ليقترب أو يتطابق مع ما تريده الدولة.
وإذا كانت مصر تريد وتحتاج لاستعادة زخم الاستصلاح الزراعى مرة أخرى والذى يمكن أن يتم بوتيرة أسرع فى ظل تقدم الآلات والمعدات المستخدمة، وتوفير المياه اللازمة من خلال تحديث أساليب الري، فإن الجمعيات التعاونية الزراعية يمكن أن يكون لها دور هائل فى هذا الشأن. وإذا كانت الجهات الحكومية تحسب استصلاح الفدان بأكثر من 15 الف جنيه فإن التعاونيات يمكنها إنجاز ذلك بأقل من نصف هذا المبلغ. وبالتالى فإن مصر تحتاج لتطوير دور التعاونيات واستنهاض جهود الفلاحين الصغار ذوى الخبرة فى برنامجها للاستصلاح واسع النطاق، وليس تسليم تعاونياتهم ومشروعاتها لكبار الرأسماليين الزراعيين.
فى بعض الأحيان يكون التغيير هو الحل لأن منظومة السياسات الزراعية الراهنة تقف عائقا أمام قوى الإنتاج الحقيقية وأمام تطور القطاع الزراعي، ولا تسعى سوى لتمدد مصالح كبار الرأسماليين الزراعيين على حساب ملايين الفلاحين الصغار والمتوسطين. ولدى مصر خبرات هائلة فى مجال الزراعة يمكنها أن تعطى الكثير لبناء مستقبل زراعى يليق بقيمة وقامة وطننا العظيم واعتبارات العدالة بين أبنائه.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.