* المثلث الأدبى يعانى من اغتراب وانعزال يصل إلى حد الموت * التعليم والابتكار بوابة إبراز دور مصر الثقافى * نحتاج لاستقلال الثقافة عن القرار السياسي * الشعر هو الأكبر في حجم الاستفادة الإستفادة من التراث * طبقة استقراطية تهيمن على الغابة الثقافية .. ونحتاج لثورة "دوما نسافر للأفق"، "هل تهرب الشمس؟ " ، "على أجنحة النشر" ، "الأساطير المصرية" .. دواوين وترجمات سطرها الشاعر الشاب أحمد السرساوي، والذي يستعد لإصدار مجموعته الشعرية "للحب حالات أخرى" التقاه "محيط" ودار نقاش موسع حول إشكاليات المشهد الثقافي الراهن بمصر وسبل استعادة مصر لدورها ومكانتها إقليميا وعالميا .. محيط : كيف ترى أضلاع المنتج الثقافي ، أو الكاتب والنص والمتلقي ، ببلادنا ؟ - نعاني من "قلة أدب" ، أي قلة المنتج الأدبي الحقيقي من حيث الكم والكيف . وعناصر الواقع الثقافي والتي نعني بها المؤلف والنص والقاريء، وما يصاحب ذلك من نقد وإعلام وتعليم وغيرها من مظاهر الحياة الثقافية، تعاني بشدة من الاغتراب والانعزال حد الموت . وبالتالي تزداد الفجوة بين تلك العناصر . بلادنا جعلت الكاتب لاهثا وراء أنماط تفكير يظن أنها الحل للمتلقي، ثم يأتي النص ممزقا ما بين فن مفترض من كاتبه، وفهم غير منصف من قارئه، ذلك القارئ الذي يعاني بدوره من ضبابية في أفقٍ علمي وتاريخي تصيبه بانهزامية فكرية ينتج عنها كسل في المشاركة .. ولو حتى في اختيار ما يقرأ. فيفسد المنتج الثقافي وبالتالي تفسد العناصر المكملة من حوله. فماذا نرى في ثقافتنا غير أفلام العشوائيات وأغاني المهرجانات وأدب البورنو؟ محيط : وكيف نعيد دور مصر الثقافى على المستوى العربى والعالمى؟ لا شك في أن دور مصر الثقافي يأتي من ريادتها الثقافية على المستوى الإبداعي والنقدي، ومن قبلها على مستوى الوعي العام لدي القراء قبل المثقفين. فإذا أردنا مجتمعنا رائدا في الثقافة فعلينا أن نعلم الصغار منذ المراحل الأولى للتعليم أهمية اللغة العربية وجمالها وأن ننمي فيهم قيمة الانتماء للثقافة العربية، بشرط ألا يقوم بمراجعة مناهج التعليم من هم لا يقدرون قيمة لغتنا وتراثنا مثل حجازي وناعوت وغيرهما. من هنا ينبع الاهتمام بالآداب والفنون لدى جموع الشباب الذين يشكلون انعكاسا حقيقيا لنجاح أي تحرك ثقافي يظهر بقوة في المجتمع. محيط : ما الدور الثقافى للجامعة فى زيادة جرعات الوعى؟ هو بالضبط دور مكمل على طريق التربية الثقافية من حيث إعلاء قيمة الانتماء التي تحدثنا عنها. يجب هنا أن ننبه إلى أن مناهج الجامعات لا زالت تعاني من فيروس طرق التدريس النظرية الكلاسيكية القاتلة وعدم تنمية روح الابتكار والإبداع لدى الطلاب وخاصة في المراحل الجامعية التي يتشكل فيها الأديب أو الفنان. فالأمر مرتبط بإنشاء اتجاهات جديدة لتناول المناهج الدراسية والأنشطة الطلابية والمشاركة المجتمعية (الفاعلة)، كل ذلك يكون بشكل تطبيقي وميداني وليس لمجرد تسجيل أنشطة تدرج في تقارير الموظفين وفقط. محيط : وما رأيك بالانتقادات المثارة بشأن هيمنة تيار أحادي على وزارة الثقافة المصرية ؟ بشكل عام في أية دولة، لابد من الإيمان الحقيقي لدى الإدارة السياسية باستقلال الثقافة عن القرار السياسي، ومن ثم يتفرغ أرباب الكلمة لأدارة دورهم التوعوي بعيدا عن سطوة السلطات الحاكمة. إن لم يدرك الأديب والسياسي – على حد سواء – قيمة هذا الاستقلال لما تقدمت أية أمة. في مصر، كما في كثير من الدول العربية وربما دول متقدمة، يكون الواقع الثقافي مرآة للسلطة الحاكمة وليس للمجتمع. وهذه هي الكارثة التي ينتج عنها معظم المشكلات المزمنة التي يعاني منها الكتاب والقراء. الحقيقة أن هناك طبقة أرستقراطية حاكمة للواقع الثقافي المصري أطلقوا عليها لفظ الحظيرة، ولكنها بالفعل حياة برية يؤمن فيها كل كائن بحجمه وقوته ولا يتعدى دوره المنوط به. الطبقة الارستقراطية الثقافية تؤمن بذلك وتتخذه منهج حياة. هم يعرفون أن لا أحد يصلح لأن يكون ملكا لهذه الغابة إلا من له أنياب ومخالب حادة، ويعرفون أن أنيابهم ومخالبهم مستمدة من الإدارة السياسية التي تنتفع بدورها بوجودهم حائلا بين القارئ الحقيقي والمبدع الحقيقي. ومما كتبت قبل ذلك تحت عنوان " قلة أدب" بالعامية المصرية ما نصه: "ولما تعرف إن الأدباء اللي ماسكين دريكسيون الثقافة في مصر ... هم نفسهم مربوطين في "مخطمة" ومتساقين بأيادي أمنية متساقة هي كمان بأيادي سياسية عالمية متساقة هي التانية بمصالح اقتصادية لناس متعرفشي يعني ايه بني آدم ... تبقى دي قلة أدب" فتجد المنتج الثقافي في النهاية إما رمزيا فلسفيا مبهما يعزف عنه القراء، وإما سطحيا يصل بشعبيته إلى مستوى الانحطاط الفني مما يخلق قاعدة عريضة جدا من الجمهور لا تريد إلا ما يلهيها عن قضاياها الحقيقية ولا يدعوها إلى التفكير في تقدم أو إنتاج. محيط : وأين نظريات الأدب النابعة من ثقافتنا العربية ؟ النظرية الأدبية في نظري تابعة للأعمال الإبداعية وليس العكس الموجود حاليا. بمعنى أننا اعتدنا في العقود الماضية على فرض نظرية نقدية – في الغالب منقولة من الغرب – على الساحة الإبداعية ومطالبة المبدعين بتطبيقها في أعمالهم الإبداعية وذلك يتنافى مع الصفة الأصيلة في الإبداع وهي شيء من الخلق. أما النظرية الحقيقية فهي التي تتبع النص الإبداعي بحيث تعبر بشكل خالص عن الثقافة الحقيقية للأمة. وهنا لابد من الإشارة إلى جنس أدبي بدأ في الانتشار منذ 2007 وهو القصة الشاعرة وشق لنفسه طريقا مناظرا ومنافسا لغيره من الفنون الكتابية. ولا زال النقاد يقيسونه على القواعد النظرية الموجودة مسبقا ومنهم من لم يعترف به طالما لم يلتزم بما هو موجود بالفعل. إذن فأين الإبداع سيدي؟ محيط :كيف نستفيد من تراثنا العظيم؟ نحن الأمة العربية لدينا بالفعل ما يحسدنا عليه غيرنا من تراث وجذور ثقافية، ولكننا لا نحسن استغلال ما لدينا من ثروات – شأننا في ذلك شأن الاقتصاديين الذين يتركون ثرواتنا الطبيعية والبشرية ويلجأون للاستيراد من الشرق والغرب. وبمناسبة ذكر القصة الشاعرة، من أهم خصائص هذا الفن الكتابي هو الاستفادة من التراث العربي والإسلامي. وأذكر أيضا رسالة ماجستير للصديق الأحمدي الهواري بعنوان: "الدرس النحوي النصي في تفسير الإمام النسفي .. تفسير سورة البقرة نموذجًا" أثبت فيها أن الإمام النسفي طبق منذ قرون ما وصل إليه اللغويان: روبرت دي بوجراند وولفجانج دريسلر في هذا القرن من فكرة أن النص لا بد أن تتماسك بنيته التركيبية على مستوى البنية اللفظية والبنية الدلالية العميقة، فتتلاحم الجملة أولاً عبر تماسك مكوناتها الداخلية، ثم تتلاحم الجمل في الفقرة، ثم تتلاحم الفقرات في النص. ووضع الرفيقان: دي بوجراند ودريسلر معايير نصية تتعلق بالتحليل النصي. أخذ صاحبنا تلك العناصر ثم طبقها على سورة البقرة من خلال تفسير النسفي وحده.. وهذا انتصار للتراث، بخلاف كثير من الباحثين اليوم. محيط : كيف ترى مستقبل الأدب الإسلامى؟ الأدب الإسلامي مثله مثل الاقتصاد الإسلامي والسياسة الإسلامية – وليس الإسلام السياسي كما يدعون – هي نماذج لتطبيق الثقافة الإسلامية على المجالات المختلفة في المجتمع. ولا شك أن لكل منها دور مهم في التعبير عن الفكر الإسلامي على كافة الأصعدة. ولكن في رأيي لن يجد الأدب الإسلامي وغيره من زوايا الثقافة الإسلامية فرصة حقيقية إلا عندما تتخلى الطبقة الارستقراطية الثقافية عن فكرها الأحادي الذي لا يعترف بأية خلفيات أخرى غير تلك التي تربى عليها. محيط : كيف تجد مستقبل الترجمة من اللغات الآخرى ودور الدولة متمثلة فى المجلس القومى للترجمة ؟ يا سيدي أنت في دولة تحكمها تلك العوامل الأخرى – على كل الأصعدة – مما يجعلنا نطلق عليها دولة المستثنى وليس المستثنى منه. أي دولة الحالة الشاذة وليس القاعدة الأساسية. كل شيء يسير تحت واقع استثنائي. والترجمة تسير مع ركب الدولة في طريق النقل وليس الإبداع. إذا كان الإبداع ذاته يعبر عما هو منقول من الثقافات الغربية، فما بالك بالترجمة التي هي في أصلها نوع من النقل. المشكلة عند الترجمة في أننا لا ننقل ما يفيدنا بالفعل لننتج من خلالها مادة علمية وتاريخية تعبر عن فكرنا الحقيقي، ولكن ننقل من الثقافات الأخرى ليسهل علينا التنفيذ والتقليد وفقط. والمجلس القومي للترجمة هو المسؤول الأول عن تردي الوعي الثقافي بالمنتج العالمي وذلك لأنه –وبكل بساطة- لا يخضع لاستراتيجيات علمية متجردة من أي هوى سياسي أو أيديولوجي. لكن أين ترى الإبداع ولا زال حتى الآن دور نشر عالمية كبيرة مثل كامبريدج لا توافق على التعاقد مع مركزنا الموقر لترجمة أعمال جديدة لأن كثيرا من الأعمال المتفق عليها منذ سنوات لم تنشر بعد؟ محيط : كيف نقضي على مظاهر الفساد الثقافى ؟ من ناحية مظاهر الفساد فهي لا تخفى على أحد. من سوء توزيع للميزانية التي تقدمها الدولة للثقافة إلى سوء اختيار المنتج المقدم للجمهور مرئيا أو مسموعا أو مقروء، إلى سوء عرض لهذا المنتج بحيث لا تجد فيه ما يستثير الجمهور لاقتنائه، ثم تنتهي بالمعضلة الكبرى وهي التسويق الثقافي. كل هذه المراحل لا تخضع لفكر متجرد عن الهوى السياسيى والأيديولوجي كما قلت، ولا تهتم بدراسة سيكولوجية الجمهور لمعرفة الطرق المناسبة لتسويق هذه المنتجات. بالقطع لن ينتهي الفساد الثقافي إلا بثورة ثقافية على الفاشية السياسية التي تسيطر على العقول في شتى المجالات. في واحد من أهم ملتقيات الأدباء في مصر وهو المؤتمر العام للأدباء والذي ينعقد في شهر ديسمبر من كل عام، أهم محور في برنامج المؤتمر يتم تهميشه بشكل متعمد وإرجاؤه لآآآآآخر ساعة في المؤتمر وهو مناقشة تعديلات اللائحة. وطبعا لا تجد من المشاركين في المؤتمر إلا القليل الذي لا يبلغ عددهم النصاب لأن الباقين يكونون قد غادروا مقر المؤتمر بالفعل. وبالتالي يلغى الاجتماع وينتهي المؤتمر ولم يثمر بأية ثمرة حقيقية ، اللهم إلا بعض الجلسات التعارفية التي يحرص عليها الأدباء، مع بعض المناقشات الودية فيما بينهم. وذلك أقل ما يمكن الحديث عنه في قصور الثقافة كنموذج. محيط : هل أدت وزارة الثقافة دورها على مدار ستة عقود؟ وكيف تقيم دعاوى إلغائها ؟ بالقطع لم تؤد الوزارة شيئا من دورها الحقيقي بدليل تردي الوعي الثقافي لدى الجمهور. ولكن لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نقبل بعدم وجود وزارة للثقافة. ولا يمكن أن يكون الفساد والدكتاتورية المنتشرين فيها سببا لإلغاء وجودها. الأهم من ذلك هو ثورة حقيقية على النظام الثقافي القائم، وأقصد النظام ككل وليس الأشخاص، حتى لا نقع فيما وقعت فيه ثورة يناير. وبداية الثورة تأتي من استخدام المبدعين الحقيقيين خاصة الشباب لحقهم في الإدارة وليس المشاركة فقط. ولا يتأتى حقهم هذا إلا بكونهم أعضاء عاملين في كافة الأندية والاتحادات الثقافية مما يمكنهم من التغيير الحقيقي والفعال، بالإضافة إلى انتشار الفعاليات المستقلة والتي تعبرعن حقيقة الواقع الثقافي في مصر.