عبدالناصر كان اسمه عتريس لكنه غيّر اسمه يدخل الكلية الحربية نجيب ساويرس اتهم بانه شيوعي نجم يروي حكايته مع حمزة البسيوني في الحمام! أسرار وأوراق خفية عن حياة الفاجومي أحمد فؤاد نجم، رواها الكاتب الصحفي وعادل سعد في كتابه "كلمات أحمد فؤاد نجم الأخيرة" التي وقعه مساء أمس في نقابة الصحفيين. يبدأ الكتاب بمقدمة لصافيناز كاظم عن نجم والشيخ إمام الذي وصفتهما معاً بانهما أروع كيان فني عبّر أدق تعبير عن رؤية النبض الشعبي وواكب مشاعره وردود أفعاله. وتذكرت يوم إعلان هزيمة 67، وكيف وجد نجم نفسه يتقيأ دماً، ومع تلك الحالة الجسمانية المفاجأة جلس يكتب قصيدته الشهيرة "الحمد لله خبطنا تحت باططنا" التي كلفته عام 68 قراراً بالاعتقال مدى الحياة، بعد أن باح فيها بكم الغضب الذي نزفته قلوب الناس: الحمد لله خبطنا تحت باططنا يا محلى رجعة ضباطنا من خط النار، يا أهل مصر المحمية بالحرامية الفول كتير والطعمية والبر عمار ما دام جنابه والحاشية بكروش وكتار ولفتت إلى أن جمهور نجم – إمام في البداية من مثقفي السلطة الذين يريدون إشباع حب استطلاعهم عن ماهية الكيان الفني الذي "قب" بغتة من تحت الأرض، رغم موانع السلطة المهيمنة على كل شهيق وزفير، لتكون متمكنة فيما بعد من السيطرة عليه والخسف به تحت الأرض مرة أخرى، عندما ترى الوقت قد حان لفعل ذلك. تواصل: نوعية البيوت التي كان بإمكانها إقامة سهرة يغني فيها نجم – إمام والذين يملكون أجهزة تسجيل ومنديل أمان السلطة، حددت نوعية الجمهور الذي يتم اختياره للااستماع، ولم يكن من الممكن أن يكون من بينهم عامل أو فلاح أو مثقف حر منتم لضمير الشعب، لذلك تشير كاظم إلى أن من استأثر بالفرصة الأولى لسماع نجم – إمام هم جمهور كان في معظم الأحيان أول من يستحق السياط الملتهبة. ولفتت كاظم إلى أن الله شاء أن يتحول قرار اعتقال الشيخ والشاعر مدى الحياة ، إلى مدى حياة جمال عبد الناصر فحسب، حيث أطلق سراحهما بعد قضاء ثلاث سنوات وراء قضبان السجن، وعندما تفجرت انتفاضة الحركة الطلابية 1972 – 1973 كانت لهما "فرحة هلت واحنا حزاني..". الهجّاء النبيل كتب المؤلف عن نجم قائلاً أن علا صوته بالهجاء ليسب آباء وأمهات كل الذين أهانوا مصر وباعوها: "يعيش الغلابة في طي النجوع نهارهم سحابة وليلهم دموع، سواعد هزيلة لكن فيها حيلة، تخضّر تبدّر جفاف الربوع، مكن شغل كايرو ما يتعبش دايرو يا فلاح بلدنا يا راضي يا منتج يا مبهج يا آخر حلاوة، مالكش انت دعوة بشغل السياسة، وشوف انت شغلك بهمة وحماسة، كمان الجرايد ها تكتب حكايتك وتنشر تصاوير لخالك وخالتك تحبك مشيرة وبنات الجزيرة وتطلع يا مسعد عليك الغناوي يعيش عم مسعد يعيش يعيش أهل بلدي". ويعلق المؤلف قائلاً أن هذه القصيدة تحديداً أدخلت أحمد فؤاد نجم السجن، وكان الضابط الذي حصل على نسخة ورقية منها مكتوبة بخط نجم، هو المقدم حسن أبو باشا الذي ترقى نظير جهوده فيما بعد وزيراً للداخلية. ويحكي المؤلف أنه في أوائل الثمانينات زارني صديق مخرج مصري مقيم في إيطاليا، وقال أن أمامه عشر ساعات في القاهرة، ويخشى أن يموت قبل رؤية الشيخ إمام، وقررنا زيارة الشيخ بلا موعد لأنه لم يكن يملك تليفوناً. وصلنا حوش قدم يسبقنا صراخ طفل يعلن مقدم ضيوفاً للشيخ الذي انتبه ونهض عارياً من نومه يتحسس الفراغ بحثاً عن جلبابه الوحيد المعلق على مسمار في الجدار، في غرفة السطوح العارية الأثاث. وتراجع صديقي مذعوراً عند رؤية الهيكل العظمي النحيل للشيخ الضرير، وأسرعت بإغلاق الباب حتى يستر الشيخ نفسه!. وحين انهار حوش قدم في زلزال 1992 سكن أحمد فؤاد نجم في ميت نما قليوبية، واختفى الشيخ إمام وتسربت معلومة بأنه مات، وذهبت لأبحث عنه في أنقاض الحارة، عرفت أن أهل الطيبين بسطوا حمايتهم وأنقذوا الشيخ إمام، لم يفعلها المثقفون الذين يتاجرون باعتقاله وألحانه في كل مكان. نجيب ساويرس.. شيوعي يحكي الكتاب كيف أن الموجات الأولى من شباب الجامعة بدأت تتخرج بالآلاف وتحتل مواقعها لتحمي نجم من بطش المباحث، من هؤلاء نجيب ساويرس طالب الهندسة ذهب عند سلم الكلية للتظاهر في 1971 للمطالبة بالحرب، مردداً أشعار الفاجومي عن بقرة حاحا النطاحة، ولما تقاعست قيادات الطلاب، قاد ساويرس الطلاب لتندلع الشرارة وتندفع التظاهرات. وقبضوا على نجيب ساويرس وكانت التهمة: شيوعي، ومن حسن حظه أن مأمور القسم كان يعرف والده المليونير ولم يصدق أنه شيوعي فأطلق سراحه. وأكد المؤلف أن ساويرس لم يكن ابن نجم الوحيد فكلنا أولاده، وكنا نقطة ضعفه الوحيدة وكان برغم لسانه الطويل عندما يلمح أحدنا ينكسر من المحبة. كانت آخر قصائد نجم بدون وزن كما يشير المؤلف، لكنها أصدق أناشيد حياته وتقول كلماتها: كليوباترا انتحرت. قطز اتقتل. الممااليك اندبحوا..شجرة الدر اتشبشب لها. العثمانيين قتلوا بعض. محمد عي خرّف. عباس حلمي الأو اتقتل في بنها. الخديوي إسماعيل اتنفى واتحبس. الخديوي عباس حلمي الثاني بريطانيا خعته. الملك فاروق اتنفى. محمد نجيب اتذل. جمال عبد الناصر اتسمم. السادات اتقتل. مبارك مرمي في السجن. محمد مرسي اتخلع. حد عايز تاني يحكم مصر؟. كتبها في عجالة كما يشير المؤلف ليبعث رسالته الأخيرة قبل أن يستريح في التراب. الجزء الثالث من المذكرات يقول المؤلف أن الشاعر الراحل توقف عند كتابة مذكراته في جزأين وتوقف عند ذكريات طفولته في قريته البعيدة "عزبة نجم" وسنوات الصبا والشباب وأيام المعتقل. ونجحنا في لإقناعه أن يكتب الجزء الثالث من الفاجومي عن الأحياء والموتى من المثقفين الذين تقابل معهم في دروب العاصمة. استمرت المذكرات ست حلقات ثم توقفت وكانت حينها القاهرة تغلي على مرجل الثورة عقب وصول الإخوان للحكم. الحلقات الست تكشف جوانب خفية في حياتنا الثقافية التي نخجل من انتمائنا إليها على حد تعبير المؤلف. زنقت حمزة البسيوني في الحمام! يقول نجم أن ليلة 16 مايو 1969 هي أسود ليلة في حياته لأنه دخل إلى زنزانته رقم "3" بعد حفلة الاستقبال التي أقاموها على شرفي، وحين يغمض لي جفناً يصيح بي صوت من خارج الزنزانة يحذرني من النوم لأن فيه "جماعة عايزني" هكذا حتى الصباح ولم أر أحداً. وفي الصباح أحد الأضخاص بالغي الضخامة كما يصفهم نجم نادى عليه ليدخل دورة المياه، التي ما إن وصل إليها نجم حتى التقى مخبراً شاباًقال له: حمزة البسيوني في دورة المياه اوعى تمد ايدك عليه. يقول نجم: بمجرد دخولي الحمام رأيت بعبع الجن الحربي الذي أذاق المصريين كل أنواع الهوان، كائن متناهي في الضآلة، أحمر الوجه أبيض الشعر والشارب، كان يتوضأ رافعاً إحدى قدميه على الحوض فأمسكت بها وقلت له :" أنت تضحك على الله" !. المفكر محمد عودة باعني للمباحث! يحكي نجم أن المفكر محمد عودة زارهم في حوش قدم وحينها قرأ نجم قصيدته "يعيش أهل بلدي" التي أعجب بها عودة وأصر أن يكتبها نجم بخطه ليأخذها عودة معه وينشرها، ليفاجأ نجم بعدها أنها تقع في يد حسن أبو باشا ليحقق معه ويسجنه بشأنها!. ويعقب المؤلف أنه بعد نشر هذه الحلقة ثارت زوبعة بشأن اتهام نجم لعودة، وقام المؤلف بعمل تحقيق صحفي لاستقصاء الحقيقة، وقالت أمينة النقاش أن عودة لم يكن جاسوساً لأمن الدولة وقالت أنه من الأرجح أن عودة أرسلها لمن ينشرها لكن هذا الأخير سلمها لأمن الدولة. وقالت الفنانة عزة بلبع أن نجم يهاجم الناس إذا اختلفوا معه سياسياً أو فكرياً، وقالت أن معارك نجم لن تنتهي، مشيرة إلى أنه اتهمها شخصياً بأنها عميلة أمن الدولة!. عبدالناصر اسمه عتريس! يروي المستشار محمود عبداللطيف لنجم في معتقل القعة أن عبدالناصر كان اسمه عتريس قبل ما يدخل الكلية الحربية، لكن كفيله نصحه بتغييره قائلاً: أي طالب أهله كانوا فقراء عشان يخش الحربية كان لازم يجيب كفي يحمل رتبة البكوية على الأقل، ويشير نجم أنه تم سجن ابن عمدة بني مُر بسبب ترديده تلك الواقعة. حفل توقيع في كلمتها بحفل التوقيع، قالت الصحفية نفيسة عبدالفتاح أن الكتابة الإنسانية شعور ينتقل إلى البشر وهي التي تدوم وتبقى مهما تحدثنا عن الحداثة وما بعدها. أما مؤلف الكتاب عادل سعد فتحدث وسط دموعه عن الراحل أحمد فؤاد نجم قائلاً أنه لم يصدق إلى الآن أنه رحل، وأن نجم رغم أنه معروف ب"طولة اللسان" إلا إنه يتحول إلى طفل مع محبيه. من جانبه قال الكاتب محمد الشافعي أن الكتاب يعد لمسة وفاء ويكشف جوانب حقيقية من حياة نجم، الذي لم يكن يحب الكتابة لكنه كان يكتب تحت ضغط وقهر. واعتبر الشافعي نجم من الحكائي الكبار مثل زكريا الحجاوي وكامل الشناوي، واستطاع مؤلف الكتاب أن يستغل علاقته الإنسانية مع نجم ويجعله يكتب 28 حلقة لجريدتي الصباح المصرية والاتحاد الإماراتية. وأكد الشافعي أن إعادة نشر هذه الحلقات في كتاب يعد جزءاً مهماً من مذكرات نجم. وتوقف الشافعي عند واقعتين يذكرهما الكتاب وهو اتهام نجم لمحمد عودة أحد نبلاء هذا الوطن كما يصفه الشافعي بأنه خان نجم وقدم قصيدته "يعيش أهل بلدي" إلى الأمن ليقبضوا على نجم!، ولكن مؤلف الكتاب عادل سعد قام بعمل تحقيق صحفي للرد عن هذه التهمة في حق محمد عودة الذي رحل ولن يستطع الرد عن نفسه. وتحدث الكاتب عن حالة الحزن والشجن الذي يضمها الكتاب، منتقداً مؤلف الكتاب الذي وضع مقدمة توثيقية وليست إنسانية. وعلى جانب آخر وصفت الكاتبة هالة فهمي الكتاب بأنه آسر، مؤكدة أن نجم كان يكتب لكل الطبقات واختار الكلة الصادقة ليعبر بها، لذلك سكن نجم قلوب الشعوب العربية بأسرها. وتحدث الكتاب كما أشارت عن الهجاء النبيل الذي كان يقوم به نجم بعد هزيمة 67، فقد هجا نجم كل المسكوت عنهن ولم يتعرض ما في العصر الجاهلي لعيب خلقي أو عرض بل أصبح يهجو كل من تسبب في الهزيمة أو الفساد، يهجو من أجل الوطن. وترحمت فهمي على نجم الذي وصفته بأنه السيف البتار في زمن الزيف والعار، صاحب الكلمة "الطلقة". أما الكاتبة سعاد سليمان فتذكرت في مداخلتها مواقف نجم معها، وأبرزها حين مرضت فعادها في بيتها وأحضر لها الغذاء والعلاج وظل يمرضها لمدة ثلاث ساعات حتى أفاقت من مرضها ثم انصرف، مؤكدة أن الراحل كان حنوناً جداً لذك كان السيدات يعشقنه!.