تفاصيل القبض على نجيب ساويرس في 1971 بتهمة أنه "شيوعي"، وما تردد حول أن عبدالناصر اسمه "عتريس"، وغير ذلك من الأوراق الخفية الخاصة بالشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وآخر قصائده قبيل رحيله، وعلاقته بعبد الوهاب وأم كلثوم والشيخ إمام، يكشف عنها كتاب جديد في ذكراه الأولى. الكتاب بعنوان "كلمات أحمد فؤاد نجم الأخيرة "، للكاتب عادل سعد، وقد صدر مؤخرًا عن دار روافد للنشر والتوزيع بمناسبة قرب إحياء الذكرى الأولى لرحيل نجم (23 مايو 1929 - 3 ديسمبر 2013) ويتصدر الكتاب مقال للناقدة والأديبة صافي ناز كاظم زوجة الشاعر الراحل، ويختتم صفحاته بمقال آخر لابنته نوارة نجم بعنوان "يوم الأربعاء". وما بين المقالتين يستعرض الكاتب جوانب وصفحات خفية من حياة من وصفه ب"الهجاء النبيل" أحمد فؤاد نجم، وعلاقته بالشيخ إمام، ورأيه في عدد من الشخصيات السياسية والفنية، منهم عبد الناصر ونجيب ساويرس وأم كلثوم والشيخ محمد رفعت ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم. كما يضم الكتاب "ست حلقات" تمثل الجزء الثالث من حلقات الفاجومي، وثلاثين حلقة عن "أيام نجم في خوش قدم وحواريها العتيقة". من بين ما يكشف عنه الكتاب، تفاصيل القبض على نجيب ساويرس عام 1971، حيث ورد: "بدأت الموجات الأولى من شباب الجامعة في التخرج بالآلاف، ونجم أبو البنات الثلاث، يعتبر هؤلاء كلهم أولاده، من هؤلاء نجيب ساويرس، طالب الهندسة، ذهب عند سلم الكلية للتظاهر في 1971 للمطالبة بالحرب، مرددًا أشعار الفاجومي، عن بقرة حاحا النطاحة، ولما تقاعست قيادات الطلاب، قاد ساويرس الطلاب، لتندلع الشرارة، وتندفع التظاهرات". أيامها، كما يوضح عادل سعد، كتب نجم: "رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني"، وقبضوا على نجيب ساويرس، وكانت التهمة أنه " شيوعي"، ومن حسن حظه أن مأمور القسم كان يعرف والده المليونير، ولم يصدق أنه شيوعي، فأطلق سراحه. ويضيف المؤلف: "على أن ساويرس لم يكن ابن نجم الوحيد، كنا كلنا أولاده، ولم نكن نناديه ب (أستاذ أحمد) أبدًا، فقد كان دائمًا بجلبابه الفقير (عم أحمد)، وكنا نقطة ضعفه الوحيدة، وكان رغم لسانه الطويل عندما يلمح أحدنا، ينكسر من المحبة". ويضم الكتاب آخر قصائد نجم، التي كتبها قبيل رحيله، وهي بدون وزن، لكنها، وفقا للمؤلف، "أصدق أناشيد حياته". تقول كلماتها: "كليوباترا انتحرت قطز اتقتل المماليك اندبحوا شجرة الدر اتشبشب لها العثمانيين قتلوا بعض محمد علي خرّف عباس حلمي الأول اتقتل في بنها الخديوي إسماعيل اتنفى واتحبس الخديوي عباس حلمي الثاني.. بريطانيا خلعته الملك فاروق اتنفى محمد نجيب اتذل جمال عبد الناصر اتسمم السادات اتقتل مبارك مرمي في السجن محمد مرسي اتخلع حد تاني عايز يحكم مصر؟". ويعلق الكاتب: "كتبها في عجالة؛ ليبعث رسالته الأخيرة، قبل أن يستريح في التراب". ويشير عادل سعد إلى أن ثمة أوراق خفية أخرى يتضمنها الكتاب، منها ما يرويه نجم، و"العهدة على الراوي"، من أن "الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان اسمه الأصلي عتريس، وقام بتغييره ليتم قبوله في الكلية الحربية، وأنه تم سجن ابن عمدة بني مُر بسبب ترديده تلك الواقعة"، وفقًا له. كما يروي نجم أن عبد القادر عودة، المفكر والقاضي والفقيه الدستوري، قد "باعه للمباحث وضابط أمن الدولة حسن أبو باشا"، بحد تعبيره. تتضمن أوراق الكتاب فصولاً عن طبيعة العلاقة بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وآراء نجم وإمام في أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وحورية حسن وعدد من أساطين الطرب والموسيقى كالشيخ درويش الحريري والشيخ علي محمود والشيخ زكريا أحمد، بالإضافة إلى شيخ قراء القرآن محمد رفعت. ويوضح الكتاب أن نجم دخل السجن 18 عامًا على فترات متقطعة، لكنه يظل الأكثر شهرة رغم أنف الحكام وشعرائهم المدجنين وكتبة المباحث. يقول: "من بين المعدمين علا صوت هجّاء العامّية أحمد فؤاد نجم؛ ليسب آباء وأمهات كل الذين أهانوا مصر وباعوها، وينفجر غاضبًا ضد كل اللصوص: يعيش التنابلة في حي الزمالك، وحي الزمالك مسالك مسالك. تلك القصيدة تحديدًا أدخلت نجم السجن، وكان الضابط الذي حصل على نسخة ورقية منها مكتوبة بخط نجم، المقدم حسن أبو باشا، الذي ترقى نظير جهوده فيما بعد وزيرًا للداخلية"، بحسب الكتاب. ويرى المؤلف أنه "كان طبيعيًا في عهد عبد الناصر أن يزج بأحمد فؤاد نجم في المعتقل، وبعد سنوات السجن، ظل أحمد فؤاد نجم شاعرًا ممنوعًا في كل الصحف القومية والحزبية ودور النشر، وأغنيات الشيخ إمام ممنوعة من الإذاعة، ومن شركات الكاسيت، والثنائي: (إمام – نجم) يحققان شهرة كاسحة، تتحدى الأمن والرقابة". ويسرد كتاب "كلمات أحمد فؤاد نجم الأخيرة" واقعة طريفة تخص الشيخ إمام: "في أوائل الثمانينيات زارني صديق مخرج مصري مقيم في إيطاليا، وقال إن أمامه عشر ساعات في القاهرة، ويخشى أن يموت قبل رؤية الشيخ إمام، كانت درجات الحرارة مرتفعة في أغسطس، والساعة الثالثة ظهرًا، عندما قررنا زيارة الشيخ - بلا موعد كالعادة - فلم يكن يملك أبدا تليفونا". ويتابع: "وصلنا خوش قدم وصعدنا سلم البيت القديم المتهالك، واعترضنا طفل صغير، عرف مقصدنا، وصعد يسبقنا جريا على السلم صائحًا: يا عم الشيخ.. يا عم الشيخ، وأزاح الباب، ووقفنا خلفه مذهولين، كان الشيخ الطاعن في السن، قد انتبه إلى أن هناك ضيوفًا، ونهض من نومه عاريًا كما ولدته أمه، يتحسس الفراغ، بحثا عن جلبابه الوحيد، المعلق على مسمار في الجدار، في غرفة السطوح العارية الأثاث". ويستطرد: "تراجع صديقي مذعورًا، وهتف: يا فان جوخ أين أنت؟ عند رؤية الهيكل العظمي النحيل للشيخ الضرير، وأسرعت بإغلاق الباب، حتى يستر مولانا نفسه. يومها كان مؤثرا أن يهمس الشيخ قائلاً: لست شيوعيا، وأنا من حفظة القرآن الكريم، وما جمع بيني وبين اليسار هو أن الإسلام ضد الظلم".